مقابلات

حوار حصاد الحبر مع الشاعر يوسف ركين

كان لحصاد الحبر شرف اللقاء مع الشاعر يوسف ركين و وجهنا إليه بعض الأسئلة:

١- البعض يقول أن الإنسان اذا عاش حياته إلى حدودها القصوى ، لا نعود بحاجة للأدب ، و أن الأدب هو انشغال من لا انشغال لديهم …ما رأيك بهذا القول ؟
٢-برأيك القصيدة هي أخت الإلهام أو أخت العمل و البنيان ؟
٣- قيل :” إن الشعر دائما مثقل بالمستقبل “ما هي ماهية الشعر ؟ ما هو الهدف الذي تتطلع للوصول إليه عبر الشعر ؟
٤-فكرة الموت سر كبير و مجهول يثير الفضول ، انت من الشعراء الذي يملؤهم هذا الفضول و و يخوضون هذا التحدي …كيف تحدثنا عن ذلك
٥- بين اولى القصائد و آخرها كيف تطور النضج و تمظهر في قصائدك؟ هل الشعر كائن مثلنا ينضج مع العمر /و هل للعمر علاقة بالجودة الأدبية ؟
٦-هل لديك قصائد تحتفظ بها و لا تنشرها ؟ لماذا ؟
٧-ما هي النصائح التي تقدمها للناشئة من الشعراء ؟
٨- كيف تدير الوقت ؟ هل تعتقد انك بحاجة لوقت أطول كي تكتب أفضل ما لديك ؟
٩-مجتمعاتنا مستهلكة أكثر من منتجة ، هل أحسست من خلال الأمسيات و من خلال تجربتك الشخصية أنه ما يزال هناك سطوة للشعر؟
١٠- ما يحدث اليوم من أزمات على كل صعيد و ما يجري في الشارع من انتفاضة ، هل تجده رافعة لدور الشاعر ؟ أن إنه يزيد الهوة بينه و بين محيطه؟
١١-إختر سؤالا تحب أن يُوَجّه إليك ، و أجب عليه من فضلك

١٢-كلمة أخيرة

مقاربات الشاعر يوسف ركين على الأسئلة التي وجهناها له :

١- المقاربة هنا ذاتية وناقصة ، ينطلق قائلها من فرضية خاطئة ومفهوم مجتزأ لعلاقتنا بالأدب ودوره وماهيّته . وأننا بشكل أو بآخر نلجأ إليه عندما تنعدم أمامنا الفرص ، أو تضيق ، لنعيش الحياة بطولها وعرضها .
الأدب هو الشرفة الأخرى التي نطل منها على الحياة ، هو انشغالنا الأبعد خارج حدود المحسوسات … لذلك يستطيع أيّ منا أن يعيش حياته حدها الأقصى دون أن يخرج بنتيجة مغايرة أو صورة مختلفة عن تلك التي سيراها غيره .
وحده الأدب يتيح لنا أن نغوص في ظلال الأشياء
نحاول فك ألغازها وأن نقول ، وبحرأة ، أننا عشنا تجربة مختلفة .

٢-القصيدة كائن حي يتنفس ويرى ، لكنها تأتي من بعد آخر خارج حدود لحظتنا ، لذلك هي أخت الإلهام ، لكنه وحده لا يكفي لتسير على قدميها ، تحتاج إلى الصقل ، وهنا يأتي دور البنيان .
كأي ماسة خام تحتاج إلى الخبرة والمعرفة لتصب في قالبها المناسب بعناية وتأخذ شكلها الأخير
قبل أن تلمع على جيد المساء .

٣- يحمل الشعر في جانب منه المستقبل ، أو بمعنى أدق يحاول استشرافه ، ونقول هنا الشعر لا الشاعر ، ترتيباً ، لأن اللحظة الشعرية هي التي تحمل في داخلها هذه الرؤية أو الدفقة الشعرية التي تفتح جرحاً للحظة وتختفي .
وهنا تكمن براعة الشاعر ورؤيته حين يقبضها بين يديه ويفتح نافذه للغيب نطل منها على الآتي .
ماذا أريد من الشعر ؟
لا أعلم ، ربما لأننا جميعاً مصابون بصداع مزمن نلجأ إلى القصيدة لتحتوي تلك الأصوات التي تصرخ بداخلنا وتخدرها لقصيدة من الوقت .
ريما لأعيد قراءتي بطريقة مختلفة .
لا أعلم أين سيصل بنا هذا السفر وكيف ستغيرنا الرحلة ، لكنني أعلم أن في كل رحلة إلى القصيدة فسحة خارج حدود هذا العالم المجتون ، أحتاجها كي أتنفس .

٤- نعود إلى السؤال السابق لننطلق منه
لأن الموت هو الحقيقة الكبرى والآتي المبهم والأكثر غموضاً ، ولا نقول جاذبية ، من كل القصائد حولنا ، يحاول الشعر الاقتراب منه وتلمسه بحثاً عن طريق آمن حين تصل الرحلة إلى محطتها الأخيرة … أجدني محاصراً بالأسئلة بحثاً عن يقين خارج سيل القراءات والقصص المرتبة سلفاً .
لا نعلم شكل اللحظة التي ستفتح الباب نحو القادم ، لكنني حاولت أن أقرأها في قصيدة
” عبور ” حيث الموت باب آخر خارج زحمة الأصوات والأسماء ، وحدها الذكريات ستكون جواز سفرنا في هذه الرحلة …
من القصيدة :
” كل القصائد مبهمة
لا شيء في اللاشيء
لا حزن هنا
ستدور مثل فراشة
وستسأل الأصوات عن لغة الطريق
وتختفي
لا صوت تسمعه هنا …”

٥- أؤمن بأن لكل شاعر لونه المختلف وقميصه الذي يشبهه ، كذلك القصيدة التي نكتبها تشبهنا بشكل أو بآخر ، تتطور وتتغير كلما ازددنا نضجاً وتجربة ، لذلك وبمرور الوقت ترسم القصيدة صوتها وملامحها مستفيدة من كل تجربة مررنا بها .
أما بالنسبة للعمر فهو لا يضيف حتى لحامله إذا خلت سلته من التجربة والمعرفة والثقافة .
الحياة ما نختبره ونعيشه ، كذلك القصيدة .

٦- الشاعر هو القارىء الأول لنصه ، لكنه ليس الوحيد ، وبذلك تكون قصيدته جسر عبوره إلى الآخر وصوته الذي يمد يده ليعانقه .
لكن بعض القصائد تظل حالة خاصة ، استثناء ، ككل قاعدة ، ربما لأننا كتبناها لنا ، أو ربما لأننا لا نريد لبعضنا أن يتسرب منا ، لذلك نخفيه .

٧- لا بد من الإشارة إلى أن هناك مجموعة من الشعراء والشاعرات على امتداد الجغرافيا العربية يعدون بالكثير ، وأن تجربتهم ، على تنوعها ، تتخطى تجربة الكثير من ” المخضرمين ” الذين وجدوا أنفسهم للا-سبب يغرقون في الماضي بكليته : نظماً ولغة وتراكيب …
لا أسمح لنفسي أن أطل من موقع الناصح ، لكنني مثلهم نحتاج أن نحصن التجربة بالقراءة ، الكثير منها ، وأن لا تكون محصورة بالشعر ، أن نختار لقصيدتنا القميص الذي يناسبها كي يكون لنا لوننا وبصمتنا وهويتنا الشعرية التي تدل علينا ، أن لا نستعجل الضوء ونستمتع بالرحلة فالقادم من المجد لهم .

٨- لا نعلم أي قصائدنا أفضل من غيرها
تلك التي كتبناها في البدايات ، أم تلك التي ستكتبنا غداً .
نحتاج جميعاً للوقت ، لهذا التراكم الذي ينهض بنا ويصقل التجربة .
أحاول أن أكتب أفضل ما أستطيع الآن ، فغداً ، ربما ، لن أكون .
فالوقت ، ودائماً ، لعبتنا الخاسرة .

٩- في أعقاب الحرب العالمية الثانية ، وتزامناً مع الثورة الصناعية ، تحولنا تدريجياً إلى مستهلكين ، تم التلاعب بعقولنا لعقود كي نقدس المُنتَج .
وبالانتقال إلى الثورة الرقمية أصبحنا أسرى الصورة ، نريد أن نكون جزءاً منها ، حتى وإن كانت موتاً ، لا يهم ، الجميع يريد أن يسجل حضوراً مفترضاً في قلب المشهد ، وهذا ينسحب على الأمسيات الشعرية نفسها .
ولكن مع كل ما يسجل من ملاحظات على الأمسيات وبرنامجها وجدولها الضاعط دائماً ، لا بد من الاعتراف بأنها نقطة ضوء في قلب هذه العتمة وهذا الجنون ، فسحة تحتاج إلى قليل من الترتيب ليسطع الشعر بعيداً عن البهرجة والتصفيق .
وهذا يحتاج تعاوناً وتنسيقاً بين المنتديات والنقاد والشعراء أنفسهم .

١٠- في الأزمات ، كالتي نشهدها اليوم ، تنسحب الجماهير إلى الداخل ، تزداد تقوقعاً على ذاتها ، وتعيد ترتيب أولوياتها حين يكبر الخوف .
وهذا يرتبط بطبيعة الأزمات نفسها . ما نشهده اليوم يمكن توصيفه على أنه انقسام عمودي ، أكثر منه أزمة ، يضع الشاعر في منتصف الطريق بين رأيين متقابلين ، فتغرق القصيدة في صمتها ويحتار الشاعر في وجهته . وهذا ينسحب على كامل المشهد العربي المنقسم على ذاته أصلاً .
بجردة سريعة لهذا الفضاء الأزرق نستطيع أن نلمس عمق الهوة بين الشعراء أنفسهم وتالياً بينهم وبين جمهورهم .
ربما نحتاج إلى زمن طويل كي نؤسس لثقافة الاختلاف ، قبل أن نتفق على رؤية مشتركة لمواجهة ما يعصف بنا من أزمات .

١١- إذا سمحت لي سأستبدل السؤال بقصيدة
” عبور ” علّنا نسمع صوتاً خلف الباب :

عبور …

ضوءٌ خفيفٌ ،
ثمّ يتّسعُ المدى
نمْ لا تخفْ
هي هالةُ الذّكرى
ستطرقُ بابَك المفتوح
للنّفس الأخيرِ
فلا تخفْ …
سيمرّ من عبروا
الظّلال ليغسلوا
بالملحِ أهدابَ الحكايةِ
لا تخفْ …
سيضيءُ نجمٌ
ثمّ يخبو ،
ربّما …
وسيشعلُ الغيمُ ا

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى