قصة قصيرة بقلم القاصّة هالة مرعي /سوريا
قصة قصيرة
خضعت –ميم- التي تجاوزت الخمسين بسنوات للفحص الدقيق من قبل أخصائي الأمراض الداخلية ، ولكنّه لم يصل إلى تشخيص لحالتها ، فطلب من أختها التي كانت ترافقها أن تجري لها تحاليل عامة في المختبر القريب الذي تملكه زوجته .
أجريت لها التحاليل الطلوبة ، وعادت المريضة لتمثل من جديد أمام الطبيب .
كانت تتأفف منذ لحظة خروجها من المنزل، لأنّها لا تحب زيارة الأطباء ، فالطبيب يعني نسخة من زوجها الذي وقع الطلاق بينهما منذ سنوات ، وحرمها من ابنها الوحيد.
وهما في طريق العودة إلى الطبيب سألتها أختها :
- كيف تشعرين الآن ؟
- أشعر بارتخاء عام في أطرافي . لن ينفعني هذا الطبيب ، أو سواه . كان علّي البقاء في المنزل للراحة . أنا أحب الموت بهدوء ، ومن غير أن أعرف السبب .
- مجنونة . كفيّ عن هذا الهراء . لا بد أن نطمئن على صحتك ، فالعافية -تاج البشر- كما يقال.
- لست مرتاحة . لقد أخذوا في المختبر كمية كبيرة من دمائي. أشعر بدوّار خفيف .
ناوليني عبوة الماء .
شربت السيدة -ميم – عبوة كاملةمن الماء ،ثم عادت إلى الطبيب تجر قدميها جراً كي يرى نتيجة التحاليل .
تجّهم وجهه ، وهو يقرؤها ، وقال :
- ليس عندك مشكلة صدرية أو هضمية . عليك الذهاب إلى أخصائي قلبية في الحال ، وتابع :
- هذا عنوان زميل لي . عيادته قريبة . اذهبي إليه من أجل استشارة قلبية .
خرجت المريضة برفقة أختها ، وقد بدا على وجهها الإنهاك ، وقالت لها :
- لا أرغب بالذهاب إليه . أريد العودة إلى البيت . لا أشعر بالارتياح . ينتابني ضيق شديد ، وإحساس بالغثيان .
- مجنونة ! لا بد من ذلك. لن نعود قبل أن يفحصك .
تمددت المريضة على طاولة الفحص ، وأخذ طبيب القلبية يضع الأشرطة الموصولة إلى جهاز على صدرها ، بعد أن وضع مادة ظليلية ، وأخذ يستمع إلى دقات قلبها .
كانت المريضة تراقبه بقلق ، وتلاحظ في عينيه نظرات غير مطمئنة ، ثم فجأة شعرت بارتخاء شديد في مفاصلها ، وغابت عن الوعي .
طلب الطبيب من أختها أن توقظها كي تنهض ، فقد أنهى القحص ، ولكن عبثاً ، لم تجب المريضة ، بل لقد تبولت على طاولة الفحص ، وأخذ البول الساخن يجري من الطاولة إلى أرض الغرفة . لاحظ الطبيب الأمر ، فغضب ، وصرخ :
- ماذا يجري ؟ أيعقل أن يحدث هذا هنا ، وفي مكتبي ؟
في هذه اللحظة كان الشلل النصفي قد بدأ يظهر على جسد المريضة ، فشهقت أختها ، وهي تصرخ بوجه الطبيب :
- ماذا فعلت بأختي ؟
- لقد أصيبت بجلطة قلبية ، ويجب نقلها إلى المشفى فوراً .
كان الطبيب في هذه الأثناء يفكر بأن يطلب من أختها تنظيف المكان ، ولكن خطر بباله فجأة أن تسوء حالة المريضة أكثر ، فهرع إلى مكتبه ، واتصل بالإسعاف .
بانتظار ذلك ، شعرت الأخت بجزع شديد ، وقلق إزاء تردي حالة أختها ، وعدم تجاوبها مع محاولات الأخت لإيقاظها ، إلاّ أن صوت الطبيب الجهوري قطع سيل أفكارها ، وهو يقول موّجهاً كلامه لأختها بنبرة لا تخلو من قسوة :
- ساعديها كي تنهض ،سيارة الإسعاف على وشك الوصول .
حاولت الأخت إسناد المريضة ، وحملت حقيبتها ، وهي تنتظر طاقم الإسعاف .
قال الطبيب بلهجة لا تخلو من فظاظة متأففاً :
- هذا اليوم أسود . لم تمر بي مثل هذه الحالة . لم تسيطر أختك على نفسها . لا يجوز هذا إطلاقاً .
كانت الأخت مربكة جداً ، و في حرج من تصرف أختها المشين ، ولكنّه فعل لا إرادي . عند وصول طاقم الإسعاف تنفست الصعداء ، و أخذت تساعد المريضة على التمدد فوق النّقالة استعداداً للخروج .
إلاّ أنّ الطبيب استوقفها ، وهو يصرخ :
- يا سيدة . لقد نسيت أن تدفعي أجرة المعاينة .
- ألا تراني ؟ تعال اسند أختي كي أستطيع أن أفتح حقيبتي ، وأناولك المال . وبسخرية يشوبها الغيظ من جشعه ، قالت متهكمة :
- ألا تريد أجرة التنظيف أيضاً ؟ اشكر الله أنّها اكتفت بتفريغ مثانتها فقط .
هذه القصة حقيقية ، ووقعت كما أتت بالسرد .