أدب وفن

إبحار على متن القصيدة

شعر /ماهر نصر

٠٠٠٠٠٠٠٠٠٠٠٠٠٠٠٠٠٠٠٠٠حجر
الرجل الذي رسم بالفرشاة جبلا
وصعد إلى قمته
وترك ظله في الارض وحيدا
هو نفسه الذي رسم أسفل الجبل
قمحا ونهر ا
لم يحصد قمحا
ولم يصافح ظله العاري
ربما
كان مشغولا بجثته الطافية في النهر
وبالوردة التي لونّها بالدم
وبالغراب الذي ينبش في رأسه
يعلمه كيف يدفن ظله العاري
وربما كان مشغولا
بصورة أمه المعلقة على حائط
بناه من ذكريات خائبة
أمه التي تبكي
ويسقط من مقلتيها أحفادها
في الطحين
حجرا حجرا
وكقطة تلعق أحجارها
تبلل العجين
ومن فرنها تسطع أرغفة لحروب الجبناء
الرجل كان معلقا في مقلتيها
وحتى هذه اللحظة
يمسك بالفرشاة
يرسم حجرا طافيا في عينيها
فمتى تبدأ الحرب ؟
حتى يسكن النمل في مقلتيها

قراءة نقدية / ربيع عقب الباب


في القصيدة خلط الواقع بالخيال وتجريد حالات وشخوص آخرين من داخل الشخص الواحد ترسم آماله وإحباطاته … فالعوالم متداخلة لا تعرف أيها المتن وأيها الهامش … ويظل الشاعر ينسج حالات وتداعيات إنسانية عديدة … ويظل النص واقعا تحت شحنة قوية من الصور وظلالها الأشد تداخلا .. انظر مثلا ماذا تجرد من الرجل/النص :
1- جبلا صعد إلى قمته
2- ظله في الارض وحيدا
3- حقلا ونهرا
4- جثته الطافية في النهر
5- الوردة التي لونّها بالدم
6- الغراب الذي ينبش في رأسه
7- صورة أمه المعلقة على حائط
فهو رسم جبلا وترك ظله الشخصي (يقطع سياق الرسم لكنه يشغل الرجل) .. ورسم تحت الجبل حقلا ونهرا (ولم يحصد القمح ) ، وفي ذات الوقت منشغل بفقده مصافحة ظله العاري الذي تركه ، ثم تظهر جثته في النهر لتشكل ملمحا من ملامح انشغال الرجل/النص ، ولتضفي علي النهر بعدا مناقضا لما ينتظر منه كنهر يهب الحياة ، فإذا بنا نري جثة تطفو في النهر ، ويتكثف مشهد الموت بتلك الجثة وإلي جوارها وردة ملونة بالدم وغراب يعلم الرجل كيف يدفن ظله/أخاه ، وكما علم الغراب الأول الإنسان الأول ، يظل الإنسان المعاصر أيضا مفتقرا لمن يعلمه كيفية إخفاء خطاياه وربما إحباطاته .
ثم يقفز الشاعر إلي مشهد آخر يُحتمل أنه ربما يشغل الرجل/النص ؛ هو مشهد صورة الأم المعلقة علي حائط من خيبات الرجل وإخفاقاته ، ولتشكل الأم مشهدا جديدا لإخفاقات لاتنتهي ، هذا الرجل الذي يتنقل بين مشاهد كابوسية قاتمة ، أو يعيش لحظة لا تخلو من تداخلات مزعجة تشوش ذهنه وحياته ، أو تشوه موته وذكرياته … لسنا علي يقين من أيهما ، لكن الحادث أن الرجل عالق بمقلتي الأم ، ومستمسك بفرشاته التي يرسم بها حياته وموته ، أو واقعه ومخاوفه … ثم يبلغ التشويش منتهاه بانتظارٍ مباغت لحرب لم تكن في الحسبان ، تلخص أملا أخيرا وأشد غرابة : أن يسكن النمل مقلتي الأم .

  • كل ما يمكننا رصده بثقة هو تداخل العوالم في القصيدة ، وعدم بروز أيٍّ من اليقينيات ، فالقصيدة كابوسية التقدم علي صعيد الحدث والرؤية ، تضطرب بشدة وترتعد حتي تتداخل أطرافها وأواسطها ، ويغدو الرجل/النص كما لو كان مركبا سائلا دائم الموار ؛ حتي إنك لا تفلح في تكوين وجهة نظر عن طبيعة قوامه وفحواه .

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى