أدب وفن

و ” غسّل وجهك يا قمر”/ أدب/ الشاعرة حنان شبيب

و(غسلْ وجهك يا قمر)
لا أعرف لماذا دعت أغنية الأطفال الشعبية القمر بأن يغسل وجهه بالصابونة والحجر!!
من يعرف منكم فليخبرني، أخشى ما أخشاه أن يكون للحجَر علاقة بالحجْر…لأننا نغسل الآن وجوهنا بالحجر حيث ننتقل من جدار إلى جدار، تلاحقنا نظرات الشفقة من عيون انطبعت على الجدران، أشعر أنها تضمنا بكل ما تملك من قوة الحب.. وللحَجْر صلة بالجرح….لقد دفعني الفضول اللغوي للبحث في تقليبات الكلمة(حجر) ومحاولة معرفة الرابط بينها، فالحجر يرافقه الحرج (الضيق) ، وغير ذلك كثير فالحرف العربي ولود ودود..
وإعادة التشكيل فلسفة جمالية وفكرية آخر منفتحة وعميقة.
أحلى ما في الكورونا أنها غيرت الوجوه على الشاشات..
فتصدر الأطباء والممرضون والصيادلة وأهل العلم….الفرق كبير بين من يقتل ومن يحيي..
وأكثر ما يحرض فيّ البركان أحاديث ممثلي منظمة الموت ( الصحة) العالمية.. منذ شهرين وأنا أكنس ما تناثر في البيت من أكاذيبهم…وأعقم التلفاز ومحيطه..
استنفرت الذاكرة وصارت تبعث بعروضها على وجه السرعة.. العرض الأول: مناشف صغيرة بيضاء منشورة على شجرة المشمش أمام بيتنا، كل منشفة لها وظيفة بحسب لون الخيط..أمي لا تستخدم منشفة اليد للوجه..
وقس على ذلك..
العرض الثاني: مسح البيت بالكاز المخفف للقضاء، على الجراثيم والحشرات.. يرافق ذلك فتح النوافذ والأبواب كي تساهم الشمس ويساهم الهواء في التعقيم والتلطيف..
العرض الثالث: البيوت مساجد فلا يدخل أحد بحذائه إلى الدار…إحراق ما تبقى من فضلات بعيدا عن السكن..
العرض الثالث: أمي تسلم ولا تؤمن بال(تبويس) مهما كان شوقها وحبها… ولا تجلس على كرسي ما زال دافئا وتوصي بذلك.. وتغلي أواني الشرب…وكانت تجعل من غطاء رأسها كمامة إذا شعرت بتهديد ما…وكانت تعطس تحت إبطها..
أمي قبل الكورونا…كانت تقوم بكل هذا… وعندما أقول أمي أعني كل نساء القرية في ذلك الزمن الجميل.
عن أي قواعد صحية تتحدثون؟؟
بعدما تلوث الكون بأرضه وسمائه ومائه وهوائه بفعل الناس.. كما أصيبت القيم والأخلاق والأفكار بالتلوث…
وعن أي فيروس منحوس تتحدثون؟
خافوا على الناس من الموت بالكورونا فقتلوهم جوعا وقهرا.. أي بهتان هذا؟
سقطت العولمة بالكَوْرنة وبالضربة القاتلة.. وصرنا نبحث عن الأمان والعافية في حكايات الجدات وأحضان الأمهات .. وتبا للتكنولوجيا عندما تلتف كالثعبان على رقاب البشر.. تبا لعبودية المادة…التي بعثرت الإنسانية.

في – ما يسمى- بالحَجْر!! فرصة للعودة إلى الفطرة.

أصاب الحروف دوارٌ
عراها الذبولْ
لكي تستعيدَ العوافي
غسلتُ خدودَ البدورْ
ومن أجل أن ينهضَ الضوءُ
رحتُ أرجُّ الأفولْ

فماذا أقول؟
أقول وداعًا
ولستُ أقولْ
أنا ما أزال على ضفةِ الغيمِ
أرجو الهطولْ
وقالوا زمانٌ رهيبٌ
يُحرّقُ عطرَ الفصولْ
تقولُ.. أقول..؟!
وإني تعبتُ
فدَعني أضمُّ
الثوانيَ وقتِ الأصيلْ
وأصهلُ… حان الأوانُ
أوانُ الصهيلْ.
فيا أيها القلبُ خفّفْ خفوقَك
مهلًا
ومارس لصوقَ الحنينْ
جميعا نصيرُ إلى بطنِ حبٍّ
سنينَ… سنينْ
سأصغي لصوت الترابِ الخصيبْ
وألثم عينًا ترى المستحيلَ
قرارَ الجبانِ المَهينْ
وكفًّا
تخضّبُ شمسَ الحياةِ بماءِ الوجودِ
المكينْ

إلى أين كلُّ الدروبِ ادْلهَمّتْ
فكيف يلدنَ الأمانيَ في ليلِ همٍّ طويل؟

وأذّنَ فجرٌ.. هلمّوا إليه… يغُذُّ الخطى
فيضيء الجبينْ.
وأذّنَ كيما يثورُ المخاضُ
ففي أمهاتِ الحقولْ
أجِنّةُ ضوءٍ تريدُ الوصولْ
وفي الأفْقِ
نورُ هلالٍ يسيرُ رُوَيْدًا
يشقّ الطريقَ إلى العاطشين
يرشُّ الأمانَ على الخائفين
وفي قلبه نبضُ حبٍّ كبيرْ
فأشعلْ قناديلَ جودكَ
أنت النبيلُ
وزاد السبيلْ.

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى