أدب وفن

مدن البارود / قصة قصيرة / بقلم الروائي علي حسين عبيد / العراق

مدن البارود

الارتباك والقلق يعبث بنا، السيارة تنطلق بنا نحو المدينة، وثمة سيارات قادمة من المدينة مصابة بالذعر، أكفّ الناس تطالبنا بالعودة وعدم مواصلة الطريق، تكرر هذا التحذير مرارا لكن السائق أصرّ على مواصلة السير لأمرٍ نجهله، بقي أقلّ من ألف متر ونصل بوابة المدينة الغربية، ظهرت خيوط دخان أسود ورصاصي تتصاعد من أماكن وبنايات متفرقة، سمعنا أصوات رصاص متقطع ومستمر، فعرفنا أن المدينة تعيش حالة من الفوضى، فكرتُ بالمخاطر التي قد تودي بحياتنا، خطرَ في بالي العودة أنا وأخي الأصغر وعدم الدخول في المجهول، لكن وجود أمي وطفليّ وأخواني داخل أحياء المدينة أجبرني على دخولها، فلا مجال لتركهم في هذه الأوضاع المرتبكة، وحين استشرتُ أخي يوسف بالعودة إلى المكان الذي أتينا منه رفض ذلك البتّة، لم تصل بنا السيارة إلى البوابة، أُنزِلَ الركاب على بعد مئة متر عنها، تقدمنا بخطوات متعثرة نحو المدخل القريب، تحسّس أخي يوسف المسدس المثبت في حزامه من جهة الخاصرة اليسرى، ونبّهني على أن أثبّت سلاحي جيدا وأخفيه تماما، تنبّهتُ إلى ملابسي النظيفة وذقني المحلوق وكذلك يوسف، التعب والإجهاد يلوح في الوجوه والأجساد من حولنا، راودني تردّد في المضي قُدُما، ولكن لا نمتلك خيارا بديلا، دخلنا مركز المدينة على مضض والذهول يتلبّس كِلَيْنا، شارعان معبّدان متوازيان تفصلهما جزرة وسطية خرسانية، لم تتوقف لعلعة الرصاص وقذائف الهاون وأسلحة أخرى لا يُعرَف نوعها أو حجمها تسقط في أماكن متفرقة، المحال كلها مغلقة، والشوارع مهجورة، خطونا بضع خطوات على وجل، فدخلنا بأرجلنا في الفخ، تقدّم إلينا شخص من بين مجموعة أشخاص يشهرون السلاح بقلق ورعب، كان يحمل في يده (رشاش كلاشنكوف) ويرتدي حزاما من الرصاص، عيناه ينبثق منهما غضب مستعرّ، تختلط فيه مشاعر شتى، بغتةً صرخ بنا:

  • هيا، تجمّعوا هنا في هذا المكان.
    وراح يشير بيده كي نسرع في التجمع، كان بوضع غير مستقر، عيناه ترمشان بخفة، ينزّ منهما قلق مكبوت، لاحظتُ عتلة أمان السلاح مفتوحة، رفع الرشاش قليلا إلى الأعلى وضغط على الزناد، فانطلقت (رشقات) رصاص متلاحقة، ثمة نار تلهب رؤوسنا، الأشخاص الآخرون في المجموعة أخذوا يطلقون الرصاص بشكل فردي، احدهم وجّه رشاشه نحو لافتة قريبة وأطلق عليها النار، القلق هيمن على الجميع، وكان ذلك الشخص الذي تقدّم إلينا ينظر نحو أخي يوسف بتوجّس، يدقق في ملابسه النظيفة وذقنه الأملس ثم ينقل بصره إليّ، أشار بيده مجددا أن نقترب منه ونصطف معا، تجمّعنا مع بعضنا، بحدود ستة إلى سبعة أنفار كلّنا كنا في السيارة التي أقلتنا من الريف إلى المدينة، قلت لنفسي، إنه يتهيّأ لتفتيشنا، سوف يعثر على مسدسي، وهذا يعني مواجهة مصير مجهول، وفي لحظة خاطفة قفز بجسده إلى الأعلى، راكلا الأرض بقوة، صدح صوته بأهزوجة ضاعت كلماتها في خليط الأصوات التي ضجّ بها فضاء المدينة، أحاط بنا الآخرون شاهرين أسلحتهم إلى الأعلى صَوْب جهات متفرّقة، صرخ جاحظ العينين، هيا أطلقوا أصواتكم، ضرب الأرض بأقدامه مجدَّدا، وراح يتقافز أمامنا رافعا إحدى يديه عاليا هاتفاً بأهزوجته، شعرنا بمزيج من الذهول والتردد، كانت يدي اليمنى تستقر على المسدس في خاصرتي، لاحظتُ أخي يوسف يضغط بيده على سلاحه أيضا، حالة التوتر التي يعيشها هؤلاء الأشخاص تؤكد أنهم سوف يبطشون بنا إذا عرفوا أنني ضابط في الجيش وأخي كذلك، في هذه اللحظات أقبلت سيارة حمل صغيرة مسرعة من مركز المدينة، احتشد في حوضها الخلفي مجموعة شباب يشهرون السلاح نحو الأرض وإلى الأعلى، ضغط السائق على الكابح بشدة فأحدث صوتا حادا عاليا كمن يتفادى حادث اصطدام، توقّف على أثره ذلك الشخص الذي أطلق الهتاف، أوقف هتافه وتقرّب من سائق السيارة، وسأله بصوت عال قلق:
  • هل جلبتَ لنا سلاحاً وعتاداً؟
    أجابه السائق:
  • كلا.
    فأصيب جاحظ العينين بنوبة صراخ رافقها سباب طال السائق وكل من كان معه، في اللحظة نفسها نظرتُ يمينا فرأيت زقاقا جانبيا يذهب بنا بعيدا عن هذا الشارع العريض المدجج بالرصاص العشوائي وأنواع الأسلحة، طلبتُ من يوسف أن يتعقَّبني، خرجنا من المجموعة التي تفرّقت بعدنا مباشرة، كان جاحظ العينين لا يزال مشغولا مع السائق بعدم جلب السلاح، دخلنا الزقاق وأزيز الرصاص يلاحقنا، مضينا في العمق ثم استدرنا يسارا وغذّينا السير إلى أمام، مررنا بالقرب من حاوية قمامة، دهمتنا منها رائحة نتنة حادة، أغلقتُ أنفي لا إراديا وكذا فعل يوسف، رأيت ما يشبه الذراع المبتورة ملطّخة بالطين وملقاة بالقرب من الحاوية، كانت الأصابع منكمشة مكوّرة تقبض على شيء ما، ورأيت بركة دم صفراء تحيط بأسفلها، فوق رؤوسنا سقف من معدن (الجينكو) بدا مثقّبا، سرتُ إلى جانب الجدار وأخي خلف ظهري، أتحاشى (رشقات) الرصاص التي لا أعرف تُطلَق من أين وعلى مَنْ، الرصاص يتساقط علينا من الأعلى أيضا، رأيت مجموعة كلاب تهاجم الحاوية، كنت أتوقع أن تخترق رأسي أو رأس أخي رصاصة طائشة، جنون الرمي العشوائي لا يتوقف للحظة، مهرجان القتل مستمر، الكل يرمي والكل مختبئ في مكان مجهول، ليس ثمة وضوح فيما يجري، كأن المدينة تقاتل نفسها، مَنْ يرمي على مَنْ؟ لا ندري، تصاعد دويّ من نوع آخر، وانطلق صوت حاد من مكبرات، يحذّر أو يتوعّد أو ينذِر، لم يكن واضحا، الكلمات متقطعة، طلب مني أخي يوسف أن نتخلص من المسدسات، قال بألم وخوف:
  • إنها دليل كافٍ لقتلنا. وأضاف:
  • الأفضل أن نتّجه نحو أقرب طريق يقودنا إلى حيّنا السكني؟
    المسافة من مركز المدينة إلى الحي الذي نسكنه تستغرق أكثر من ساعة سيرا على الأقدام، قلت لأخي:
  • لا نلقي السلاح لأننا لمّا نزل في بداية الرحلة وربما نحتاج له في الأيام المقبلة.
    خمنتُ أنه لم يفهم ما أقصده، لكنه وافقني، فطلبتُ منه أن يخفي السلاح بطريقة أكثر تمويهاً، انتهى هذا الزقاق الذي أدخلَنا في قلب المدينة، تصاعد الرمي، رأيت قمامة أخرى تبعث بكنيف مميت نحو الفضاء، فكرتُ بالتخلص من المسدسين، رأيت أشخاصا يتراكضون في اتجاهات متقاطعة، لا اعرف لماذا يركضون أو إلى أين يتوجهون، ثمة أسلحة متوافرة عند أشخاص يجوبون مركز المدينة وشوارعها الرئيسة، رأيت أناسا لا يحملون سلاحا، دُهشت عندما رأيت امرأة تتلفع بعباءة سوداء، وقد تكوّرت على نفسها تحت بناية آيلة للسقوط، عندما رأيت وجهها وشعر رأسها غير المستور، عرفتُها، إنها متسولة عريقة ومعروفة في المدينة، كان الوقت قبل الظهيرة، فكرتُ أن ننزوي في مكان خفيّ بانتظار هدوء الأوضاع عسى أن يقلَّ رمي الرصاص العشوائي، ربما تؤول الأوضاع إلى الهدوء أو الاستقرار، لكن قانون الحروب والاضطراب كما تعلّمنا في السابق يقول لك، عليك أن تنقذ نفسك بأقصى سرعة ممكنة، وتخرج من معمعة الخطر إلى أقرب نقطة آمنة، لم يوافقني أخي يوسف على فكرة الانزواء ولم اقتنع بها أيضا، فقلت له:
  • هيا لنواصل المسير.
    خرجنا من الشارع الفرعي لندخل في ساحة مفتوحة، كان يقطعها شخص واحد على عجل، إذا استطعنا عبور الساحة سوف نستدير يسارا ونتوجّه بشكل مستقيم في زقاق يقودنا نحو شارع طويل إلى منطقتنا السكنية، وإذا تخلصنا من مركز المدينة قد نجد سيارة أجرة تقلّنا إلى البيت، كل شيء جائز، أصبحنا في وسط الساحة، وكأننا في ساحة حرب مكشوفة، قلت ليوسف:
  • اخفِ نفسك ورائي تماما.
    في الجيش علمونا أن نسير بشكل طولي جندي يتبع الآخر ولا يسير جنبه، أسرعتُ في السير كأنني أركض، الأزيز يتعاظم، أصوات المكبرات تتعالى أيضا، لا أعرف لماذا لم أمسك بيد يوسف كي اسحبه معي بقوة، وجدتُ جسدي خفيفا سريعا طائرا، انتهت مرحلة الخطر، أصبحتُ قاب قوسين من رأس الزقاق الجديد، الأزقة الضيقة تحميك من الرصاص ومن العيون الخطرة، خطوات وأصل رأس الزقاق وأخرج من الساحة المفتوحة، ها أنا أقطع الساحة كلها بلمح البصر، بيد أنّ شعورا قاسيا دهمني، لا أثر لأخي خلفي، استدرت مصدوما، فعلا لا وجود ليوسف، يا إلهي، تلفتُّ، صرختُ، ثم رأيت في منتصف الساحة المكشوفة جسدا يتلوّى ويلوّح بذراعه مستغيثا، إنه يوسف حتما، هرعتُ إليه، الرصاص يزداد ويتعاظم، الأزيز يتضخّم، رأيت بركة دم احمر قان تحيط به، تهالكتُ فوقه، كان دامع العينين، لم استطع إسعافه في هذا المكان المكشوف، حملته على ظهري كما كنت أفعل ذلك في طفولتنا، كنت أحمله بطريقة (حمّال باشي)، يركب على ظهري ويفرد رجليْه إلى الجانبين ويلّف ذراعيه حول رقبتي، وأنطلق به راكضا في ساحة اللعب، كان خفيف الوزن آنذاك، فعلتُ الشيء نفسه الآن، لكنه بات أكثر ثقلا، استقر فوق ظهري وأفرد ساقيه إلى الجانب مثل جناحين، طرتُ به قاطعا الساحة نحو رأس الزقاق، هناك أجلسته فوق الأرض وأسندتُ ظهره إلى الجدار، أخذتُ مسدسه وأخفيته في خاصرتي الأخرى، وأقفلتُ أزرار سترتي بإحكام، شعرتُ أن المسدسين برزا إلى الخارج أكثر، نسيتهما وسحبت سروال يوسف من ساقيْه، كانت الرصاصة قد خرقتْ سطح فخذه الأيسر، فبدا الجرح طويلا من دون عمق كبير وشرع ينزف دما مصحوبا بقطع سوداء متخثرة، سرعان ما تحوّل وجهه إلى لوحة صفراء، خطر في بالي أن الرصاصة قطعتْ أحد الشرايين أو الأوردة، هذا يعني أن النزف لن يتوقف، قال يوسف بصعوبة وهو يرتجف:
  • دمي سوف ينفد من جسدي أوقف نزيفي يا أخي.
    أغلقتُ الجرح الطولي بكفّي، وأخرجت منديلا من جيبي، وضعته على كامل الجرح وضغطته بقوة، صرخ متألما، لبثتُ مدة ضاغطا على الجرح، ثم ربطتُه بقماش السروال حول فخذه وشددته بكل ما أملك من قوة، كنت أتلفّت في الجهات الأربع عسى أن تلوح لي سيارة إسعاف أو محل صحي، حملتُ أخي مجددا، وأسرعتُ به في الزقاق، تجاوزنا الظهيرة بأكثر من ساعة، أعرف أنه بحاجة إلى الماء، ولكن من أين أحصل له على ذلك، كانت قطرات الدماء تتسرب من الرباط فرأيت خيط دم خفيف يخطّ نفسه خلفي، جازفتُ وطرقت أحد الأبواب، كررتُ ذلك بقوة، بعد أن أنزلت أخي من ظهري، لم يجبْ أحد، حملته ثانية وركضت في عمق الزقاق، لا يزال الرصاص يملأ المدينة بالصليل، رأيت حنفية ماء عند أحد الأبواب، هرعت إليها، فتحتها فخرج منها صفير هواء يشبه صوت قذيفة في طريقها إلى الهدف، الماء مقطوع عن المدينة، ركضتُ بيوسف مجددا، شعرت أنه صار ثقيلا، لم يبق في هذا الزقاق سوى بيت أخير ونخرج في ساحة مفتوحة أيضا، طرقتُ الباب بيأس تام، لحظات وفتحه شاب لم يتجاوز سقف العشرين، لاحظ الدم في يديّ وعلى ملابسي، ونظر نحو يوسف ثم أغلق الباب بسرعة، تكلمتُ معه من وراء الباب، قلت له:
  • نحن لا نريد أن ندخل البيت، فقط نحتاج إلى قليل من الماء، هذا أخي فقد الكثير من دمه، دع إنسانيتك هي التي تحكم بذلك.
    بعد دقائق لذتُ بالصمت واليأس معا، بقيت في مكاني ويوسف إلى جانبي يجتاحه اليأس وظهرَ الجفاف في شفتيه وجسمه كله، كانت قطرات الدم الصغيرة لا تزال تنزّ ببطء، قلت له:
  • إياك أن تيأس.
    قررت أن أعبرَ به الساحة القادمة بأقصى ما أستطيع، حملته على ظهري بالطريقة نفسها، أخي يزداد ثقلا، لم يبق للطفولة مكانة في هذا المهرجان الدموي، ثم أجبرتُ ذاكرتي ورحت أتخيله طفلا حتى أخفف من ثقله، وقبل أن أخطو خطوتي الأولى في الساحة فُتحَ الباب من جديد، وظهر رجل كبير السن، في يده (طاس) ماء نظيفة، أنزلتُ يوسف، قدَّم الرجل (الطاس) لي، وضعها بين يديّ، لم ينبس بكلمة، لمحتُ دائرة سمراء في جبينه أثر السجود، كان يلّف رأسه بكوفية بيضاء، وشرعت عيناه تنظران إلى انتفاخ خاصرتيّ عند الجانبين، عرف أنني أحمل سلاحاً، تلقّف أخي الماء، طلبتُ منه أن لا يشرب الماء دفعة واحدة، هذا يشكل خطرا على حياته، مسكتُ (الطاس) بكفي وأعطيته جرعات قليلة، ثم شربتُ ما تبقى من الماء وأعدت (الطاس) للرجل الكبير وشكرته، فقال بتردد:
  • هل أنت بحاجة إلى مساعدة؟
    فكرت أنني لا أستطيع إجابته، شعرت انه حذِر ومتردد، الناس في هذه المدينة يخشون من يرتدي مثل ملابسي ويحمل في خاصرته سلاحا يبرز من تحت القماش، إنهم يحسبون ذلك من رجال الأمن، كرر سؤاله لي، فقلت:
  • أخي أصيب بطلق ناري عشوائي، ونزف الكثير، أحتاج إلى قطعة قماش أشدُّ بها جرح أخي.
    خلع الرجل كوفيته البيضاء من فوق رأسه فجأة وقال لاهثا:
  • هل تنفعك؟
    فاجئني بموقفه هذا، أخذتها منه ونبستُ بنبرة خفيضة:
  • بارك الله فيك يا حاج.
    طلب مني الرجل أن أنتظر قليلا، دخل البيت، بعد لحظات خرج ابنه الشاب راكضا، قطع الساحة إلى مكان ما، خرج الرجل مرة أخرى من بيته وقال:
  • أرسلتُ ابني إلى شخص قريب لي، يمكنه مساعدتكم، سيصل بعد قليل إلى هنا.
    كنت في حالة من الشك، الثقة لم يعد لها وجودا بين الناس، ربما اتصلَ هذا الرجل بمن يُلحق الأذى بنا، قد نكون في مواجهة الموت مجدّدا، سطعت في بالي هويتي الممنوعة والمسدس، هكذا تصوّرت الأمر ولم أستبعد أن يحدث شيء من هذا القبيل، الناس مهووسة بالثأر من بعضها، الرجل الكبير ركّزَ كثيرا في نظراته على بروز السلاح من خلف سترتي، قلت له من فوري:
  • شكرا أيها الحاج، لا نحتاج أيَّ شيء.
    وحملتُ أخي على ظهري، وركضت به قاطعا الساحة المفتوحة بقلق كبير، لم أتوقّف هذه المرة كي أسحب أنفاسي، عبرتُ الساحة الإسفلتية بسهولةٍ كبيرة ويُسرٍ غريب، وعندما قطعتُها كلها أنزلت يوسف كي يرتاح وأرتاح قليلا، في تلك اللحظات القلقة رأيت سيارة أجرة (تكسي) تمرق قريبا منّا، واصلتْ سيرها نحو بيت الرجل الكبير، وتوقفت عند بابه، كنت قد دققت بوجه السائق، لم يكن وجها شرّيرا، بل كان رجلا وقورا وكبيرا في السن أيضا وإلى جانبه الشاب نفسه بملامحه البريئة، تركت أخي في مكانه، وركضتُ بأقصى سرعتي إلى بيت الرجل الكبير، وصلتُ قرب سيارة الأجرة المطلية باللونين البرتقالي والأبيض، كنتُ ألهث بشدة وتقطّعتْ أنفاسي، عرف الرجل أنني عدت كي أحصل على ضالتي، وتفهَّم أنني بحاجة إلى سيارة الأجرة هذه، تبسّم قليلا، ثم وجّه كلامه لي:
  • هل ظننت السوء بي؟
    أحرجني الرجل، لكنني قلت له:
  • في هذا الخراب تبخَّرت الثقة بين الناس يا حاج…..

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى