مقالات واقوال مترجمة

تربية الغراب… مثل ماري انطوانيت و منحه الصوت كما ألان إدغار بُو

الغراب …بين فطور ماري انطوانيت و صوت آلان إدغار بو .

طالما كانت طيور الغربان على مر العصور مصدر إلهام لقصص الخرافة ،للحكايات و القصائد.

في الريف الإنكليزي ما زالوا إلى اليوم يقيمون اعتبارا خاصا للغراب، وقد نجده في جوانب كثيرة موضوع تبجيل. في أواخر القرن الثامن عشر ،الباستور و عالم الطبيعة جيلبيرت وايت تكلم بطريقة مؤثرة عن الغربان في مجلة the natural history of Selborne…..يحكى أنه منذ العصور الغابرة ، كانت الغربان تبني اعشاشها في أعالي شجر البلوط في ضواحي القرى ، وكانت الفتيات من مختلف الأجيال ،تحاولن تسلق هذه الأشجار، ولكن دون جدوى ، فيتراجعن أمام صعوبة المهمة، في النهاية تم قطع شجر البلوط لتأمين الخشب اللازم لجسر لندن ، و عندما سقطت الشجرة ، أم الغربان رفضت الرحيل ، و ترك صغارها في الاعشاش، إلى أن ماتت من القهر ووقعت قرب الشجرة المسجاة على الأرض، الباستور وايت ، ليس لديه ميول للميلودراما ، اكتفى بالقول ، أم الغربان تستحق قدرا أفضل، بينما القراء ،ربما ، صنفوها كشهيدة ، للصناعة و التجارة ….

اذا ابتعدنا عن علماء الطبيعة ، نرى أن تقدير و حضور الحيوانات في الأدب ارتفع في القرن الثامن عشر و التاسع عشر ، حيث تكاثرت القصص و الحكايات حول الحيوانات في قصص نجد فيها الحيوان يأخذ دورا رئيسيا في أحداث القصة أو أي نوع أدبي آخر . قصة ماري انطوانيت التي تعتبر مرجَّحة و واقعية ، راجت حين كانت الملكة تتناول طعام الفطور في إحدى الجزر الفرنسية، في آب عام ١٧٨٥ . وبينما كانت تبلل قطعة البسكوت في الحليب، حلق قريبا منها غراب و بدأ يخفق جناحيه بنعومة ، في بادىء الأمر تفاجأت الملكة فأعطته ما تبقى من قطعة البسكوت، ثم اعتادت أن تطعم الغراب كل يوم ، وهو كان يتبعها من شجرة إلى أخرى خلال تجوالها الصباحي. لكن عندما تم إعدام الملكة  وقطع رأسها  بعد عام ١٧٩٣ ، اختفى الغراب لبضع سنوات ، و في سنة ١٨١٠ عندما تزوجت الملكة لويسا النمساوية من نابليون بونابرت، كانت تتناول الفطور في نفس الجزيرة ، ظهر الغراب من جديد ، و حاول التقرب منها ،علها تتقاسم معه الفطور كما فعلت ماري انطوانيت،  فأخبرت زوجها نابليون ، تشاءم من الأمر و قرأ فيه إشارة إلى سوء سيحصل قريبا، فأمرها أن تغادر فرساي حالا ، وهذا ما حصل وكان السوء له … للقائد بونابرت أكثر منه للملكة …

عام ١٨١٦ و بعد الهزيمة الكارثية لنابليون في واترلو، و منفاه إلى  سانتا ايلينا، ماريا لويسا، عادت إلى الجزيرة برفقة والدها، و فجأة سمعت صوت الغراب ، فرفعت نظرها و تعرفت عليه، فصرخت مذعورة ، بينما كان البستاني و اعوانه يرون في الغراب صديقا عجوزا و كانوا يطعمونه لما تبقى من حياته، و كان كل الناس يأتون لزيارته تيمنا بماري انطوانيت التي كانت تطعمه كل يوم ….

ما يثير الشكوك بالنسبة لهذه القصص ،ليس سلوك الطير و إنما سلوك البشر …ملامح الكائنات من  الصعب بمكان ، أن نتعرف عليها و خاصة من بعيد، كيف للناس جميعهم أن يكونوا متأكدين إلى هذه الدرجة ،بأن هذا الغراب هو نفسه الذي تقرب إلى ماري انطوانيت، أو إلى لويسا أو غيرهم، لماذا لا يكون غرابا آخر …ليكن ما يكون ، فإن القصة توضح لنا عودة سيطرة  الخرافة  في زمن  الصراعات ، صوت الغراب …..ومعروف كطير الشؤم ،قادر حتى على اخافة رجل قوي، براغماتي كنابليون….!!!

في كثير من القصص في العصر الحديث، الغربان تكون الذاكرة لإرث أكل عليه الدهر ، و في كثير من الأحوال، تم محوها بشكل تام و لكن لم يتمكن منها النسيان…مثلا ، في قصة تشارلز ديكنز، بارنابي رودج، barnaby rudge, التي جرت أحداثها في العقد ١٧٨٠ ، البطل الأساسي الذي حملت القصة إسمه ،كان دائما يصطحب حيوانه المفضل ،و كان الغراب الذي يدعى تشيب، كان بارنابي رجلا صالحا، بسيطا إلى درجة الغباء ، و كان الغراب هو ذاكرة مستمرة للقوى الشيطانية التي لم يفلح بارنابي برؤيتها، الغراب كان يلفظ بعض الكلمات ، التي كانت عمليا تفتقد إلى المعنى ، و لكنها تنطوي على إشعارات تستشرف وتتنبأ بشر مستطير….

في العام ١٨٤٥ ، بعد انقضاء اربع سنوات من ظهور بارنابي بطل قصة ديكنز، آلان إدغار بو ،نشر للمرة الأولى” الغراب ” وهي ،حتى تاريخ اليوم ،واحدة من القصائد المهمة التي يقرأها التلامذة في الولايات المتحدة الأمريكية في صفوفهم، وهي بدون شك ، من أكثر ما يتذكرونه، بالرغم من أن القليل منهم من يتوقف ليتأمل ماذا تقارب هذه القصيدة وما تنطوي عليه من المعاني ، والشيء الوحيد الذي ظل في فكرهم هو العبارة التي رددها الغراب في نهاية القصيدة , وقال الغراب ، يكفي …NEVERMORE ….!!!

القصيدة تبدو نوبة من جنون ، لكن ، كما كل الذين ينتمون للرومانسية ،لم يكن إدغار بو مهتما بالإنفعالات العادية ، و أقصى إنشغاله الفني ، هو أن يخضع الشغف و العاطفة لسلطة العقل ، نجح في كبح جماح الأصوات القوية و الصور في القصيدة ضمن نص متماسك بالرغم من أنه ملتوي المقاصد و معقد …غراب تم ترويضه تم تعليمه أن يقول كلمة واحدة …nevermore …هرب من صاحبه، عاصفة، أخبرته أن يبحث عن ملجأ، وجده في غرفة طالب  حزين ، حيث كان ما زال بعض الضوء في منتصف الليل ، الطالب كان مفجوعا بموت حبيبته، عندما دخل الغراب بدأ الطالب يوجه إليه أسئلة عن الحياة و الموت، والغراب يقول …nevermore…يكفي…! و في كل مرة يجيب، كان الطالب يزداد غضبا و كآبة ، فما كان منه إلا أن أمر الغراب بالرحيل ،لكنه بقي هناك . الكاتب بُو يقول انه اختار موضوع موت المرأة الجميلة لانه الأكثر حزنا ، و انه اختار كلمة nevermore لإيقاعها القوي ، واختار الغراب لما يرتبط به سمعة  تستشف الغيب كالأنبياء ، ولكن كثير من النقاد يشككون أن يكون إدغار بو قد فعل ذلك متعمدا و منهم جيمس روسل لوول James Russell lowell.
منذ ذلك الحين أصبح الغراب رمزا للكاتب آلان إدغار بو، ودائما كانت ترسم صورته و الغراب يحط على كتفه، أو إلى جانبه، و لقد حصد الغراب أيضا أهمية منذ ذلك الحين – و ما زال حتى اليوم – حيث نرى او نحس حضوره في كل افلام الرعب …

ترجمة واختيار : سمية تكجي

المصدر:   EL PAÍS

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى