اقتصاد

د طلال حمود يلخص اهم ما ورد في وثائقي “الخديعة الكبرى”!؟: اين اختفت اموال اللبنانيين؟! (الجزء الأول و الثاني)

د طلال حمود يلخص اهم ما ورد في وثائقي: الخديعة الكبرى!؟:
اين اختفت اموال اللبنانيين؟!
(الجزء الثاني)


د طلال حمود

د طلال حمود يلخص اهم ما ورد في وثائقي : *الخديعة الكبرى!؟: *
اين اختفت اموال اللبنانيين؟!
(الجزء الأول)

الصديقات والاصدقاء في ملتقى حوار وعطاء بلا حدود، الصديقات والاصدقاء المتابعون لنا في مختلف بلاد الاغتراب تحيه وبعد
أضع اليوم بين أيديكم هذا الفيلم الوثائقي الهام جداً تحت عنوان الخديعه الكبرى، أين ذهبت أموال الشعب اللبناني أعدته الصديقه الإعلاميه المرموقه ندى حطيط وهي كاتبة وصانعة أفلام وثائقية ومديرة شركة أوبجيكتيف لخدمات الميديا :
Objective for media services وساعدها في اعداده وجمع الوثائق فيه عدد كبير من الإعلاميين المرموقين. وهو مهم جداً خاصه بالنسبه للشهادات الهامه التي يدلي بها في هذا التحقيق كل من حاكم مصرف لبنان الأستاذ رياض سلامه، مدّعي عام التمييز القاضي غسان عويدات، المدير العام السابق للماليه في لبنان الأستاذ ألان بيفاني، الاستاذ محمد البعاصيري، نائب حاكم مصرف لبنان سابقاً ، الاستاذ نديم المنلا،المستشار الإقتصادي للرئيس سعد الحريري، ديفيد شينكر المساعد السابق لوزير خارجيه الولايات المتحده لشؤون الشرق الأوسط، المحامي كريم ضاهر، رئيس لجنه حقوق المودعين في نقابه المحامين في بيروت، الخبيرين الإقتصاديين مروان اسكندر وحسن مقلد، المصرفي السابق الاستاذ هنري صفير، الاستاذ تنال الصباح وهو رئيس مجلس ادارة البنك اللبناني السويسري وامين سر سابق لجمعية المصارف، الوزير السابق شربل نحاس، رئيس مجلس ادارة بنك الشرق الأوسط وافريقيا الأستاذ علي حجيج ورجل الأعمال الأردني الدكتور طلال أبو غزاله واخيراً احد اعضاء مجلس النواب السويسري.
الملاحظ بعد مشاهدة هذا الوثائقي أن الكل يتهم الكل، حيث أن القضاء اللبناني يلوم القضاء السويسري لعدم تعاونه والقضاء السويسري يقول ان لبنان لم يتعاون بشكل جدي وشفاف، والبعض يتهم الحاكم بسلطاته وصلاحياته الواسعه جداً والتي جعلت منه الاُمبراطور الأول للمال في لبنان خاصه أنه يترأس هيئه التحقيق الخاصه في مصرف لبنان وهي المولجة بالتحقيق في كل القضايا والتعاملات التي توجد حولها شبهات تمويل ارهاب او تبييض اموال وما الى ذلك ويظهر ايضاً ان هناك تواطؤً سياسياً-مالياً-قضائياً، غطّى كل الصفقات والفساد المستشري طيلة كل الفترات الماضية، وتلك التي حصلت بعد حراك ١٧ تشرين اول ٢٠١٩ وهي الأخطر بسبب ممارسات تعسفية واخرى غير اخلاقية وغير دستورية قامت بها المصارف بعد انطلاق الحراك وخاصة بعد الإغلاق الشهير للمصارف في تلك الفترة. وكل ذلك هو الذي تسبب بهذا الإنهيار الكبير على كل المستويات.
والإستنتاج الأساسي الذي من الممكن ان نستخلصه ايضاً من هذا الوثائقي هو أن كل الودائع تبخرت دون أن يكون لأي من المسؤولين السياسيين والماليين وللقضاء اللبناني القدره على تحديد اين تبخرت ؟ ولصالح من؟ بحيث ان الملاحظ أيضاً ان الكل يرمي المسؤوليه على الآخر؟! لكنّ أخطر ما في الأمر استمرار مكابره حاكم مصرف لبنان والساسة والمصارف وعدم إقرارهم بهول الخسائر التي وقعت وبحالة الإفلاس الحقيقية التي وصلوا اليها. واستمرارهم برمي الكرة في ملاعب الآخرين للتهرّب من تحمّل المسؤولية وبالتالي المحاسبة وردّ ما يمكن ردّه من اموال مختلسة او منهوبة موجودة في لبنان او مهرّبة الى الخارج. فاللافت مثلاً ان حاكم المركزي يقول في سياق الوثائقي أنّ أحد اهم الاسباب التي أدت الى هذا الانهيار المدوّي هي التضييق والعقوبات الأميركية على بنك الجمّال، جائحه كورونا وما تسببت به من تداعيات وخسائر اقتصادية عالمية ووطنية ادت الى تراجع كمية الأموال التي كانت تُحوّل الى لبنان، العجز في ميزان المدفوعات لأنّ الدوله اللبنانيه استوردت حسب أقواله بحوالي ما قيمته ستين مليار دولار اميركي خلال السنوات ٢٠١٦-٢٠١٧-٢٠١٨. ويكمل وبوقاحته المعهودة انه باقٍ في منصبه رغم كل ما يواجهه من تحقيقات وملفات قضائيه وشبهات في تورّطه في عمليات تبييض أموال واختلاس أموال في لبنان وفرنسا وسويسرا وعدة دول اخرى لأنه كما يقول “رجل مواجهه” وانه سوف يبقى يحاول كما يدّعي أن يضع الخطط والحلول للأزمه التي يتخبّط بها الشعب اللبناني.


(الجزء الثاني )

كنت قد وضعت بين اياديكم الجزء الأول الذي قدمت لكم فيه لهذا الوثائقي المهم الذي اعدته الإعلامية ندى حطيط لتلفزيون “الشرق بلومبرغ” . في هذا الجزء نستكمل الحديث الجدي ونستعرض الأسباب التي أدت الى هذا الانهيار الكبير بحسب الإفادات والشهادات التي وردت فيه.
فإذا ما حاولنا القراءه بين السطور في تصريحات جميع المسؤولين الذين استفتتهم الصديقه حطيط وفريق العمل الذي شاركها في الإعداد والتحقيق يظهر لي ولكم وبحسب خبرتي المتواضعة في مجال الإقتصاد والمال والنقد والتي لم تمنعني من تلخيص اهم ملاحظاتي على هذا الوثائقي الهام ان اسباب هذا الانهيار الكبير متعدده ويمكن ان نحصر منها بشكل اساسي الامور التاليه:
١-السياسات الإقتصاديه والماليه التي كرّسها الرئيس الشهيد رفيق الحريري منذ وصوله الى السلطه في التسعينات من القرن الماضي والتي كانت قائمه على الاقتصاد الريعي، وعلى أن لبنان الذي سيعقد لاحقاً الصلح مع العدو الصهيوني من الممكن ان يكون فقط “بلد خدمات” على ان يكون اقتصاده قائم على قطاع الخدمات المصرفية والمالية والسياحية وتجارة العقارات وهذا ما أدّى الى تدمير الزراعه والصناعه والى انهيار اقتصاده كلياً. كما ان غياب الدور الرقابي والتوجيهي لمجلس النواب على كل تلك السياسات المالية والإقتصادية طيلة الفترات الماضية وتواطؤه ، ودعمه لسياسات الهدر والفساد التي تكرست منذ ذلك الوقت وتجذرت في كل مفاصل الدولة واداراتها وصناديقها ومجالسها التي شملتها المحاصصة والمحسوبيات بين اهم اركان المنظومة. وزدْ على ذلك المبالغ الهائلة التي صُرفت على كهرباء لبنان والتي تُقدّر بحوالي ملياري دولار اميركي سنوياً طيلة اكثر من عشرين سنة والتي استهلكت وهدرت القسم الأكبر من اموال الخزينة والمودعين دون ان تصل الكهرباء الى كل منزل في لبنان حتى تاريخ اليوم؟!
دون ان ننسى في الفترة الأخيرة تأثير عدم اعتماد “موازنات حقيقية للدولة” وإجراء قطوعات حساب منذ العام ٢٠١٠ طيلة السنوات الماضية وعدم اقرار “قانون كابيتال كونترول” من قبل مجلس النواب حتى الساعة رغم مرور اكثر من سنتين ونصف من الأزمة.

٢- السياسة الخاطئة التي اعتمدت على “تثبيت سعر العمله الوطنية” مما كلف مصرف لبنان أموال طائلة …
وينطبق ذلك ايضاً على سياسات “دعم السلع الأساسية” من محروقات ومشتقات نفطية وادوية وقمح وغيرها مما ادى الى هدر عدة مليارات من الدولارات ذهبت بمعظمها الى جيوب كبار التجار وحيتان المال وبعض النافذين المدعومين من مرجعيات سياسية او دينية معينة.
٣-الفساد المؤكد لحاكم مصرف لبنان وتحكّمه بصلاحيات واسعة جداً في مركزه وبرئاسه هيئه التحقيق الخاصه في مصرف لبنان وهيئة الأسواق المالية وغيرها من المراكز.. بالاضافه الى تفرّده في أتخاذ معظم بل كل القرارات بشكل آحادي بمعزل عن موافقه المجلس المركزي لمصرف لبنان ومحاولاته استرضاء كافة الأطراف السياسية ودفع رشاوى كبيرة عبر الهندسات المالية التي يقال انها وصلت لحدود ٤ الى ٥ مليار دولار على الأقل استفادت منها مصارف محسوبة على عدة اطراف سياسية من اجل خدمة اهداف ومآرب شخصية معروفة. ونذكر هنا ايضاً عرقلته المميتة حتى اليوم لكل محاولات التدقيق الجنائي في حسابات مصرف لبنان والتي حاول فريق رئيس الجمهورية جاهداً ان يقوم به دون اي خرق ممكن تحت عناوين وحجج واهية من اهمها قانون السرية المصرفية والحصانات؟! علماً انه يمكن تحديد اين تبخرت الودائع واين وقع الهدر والسطو الأكبر على المال العام ومن قام بكل هذه العمليات اذا ما طُبّقت القوانين النافذة ورفعت السرية والحصانات.
٤- جشع أصحاب المصارف وسياسه الفوائد المُرتفعة المُتّبعه طيله الفتره الماضيه التي شجعت المصارف على الاستثمار في أموال المودعين في مصرف لبنان والتي كان يهدرها بوسائل مختلفه لخدمة الطبقة الحاكمة ودعم استمراريتها ونفوذها مقابل بقائه في مركزه وتحكّمه في ادارة البلد فعلياً. وهذه الفوائد العالية كانت ايضاً السلاح الفتاك الذي استعملته المصارف لإغراء المودعين ودفعهم لوضع اموالهم في المصارف بالنسبة للمقيمين او لضخّ اموال جديدة الى لبنان بالنسبة للمغتربين ًوالأشقّاء العرب.
وفي هذا السياق نلحظ ايضاً تهريب حوالي سبع مليارات دولار على الأقل تابعه لأصحاب المصارف واعضاء مجالس ادارتها ولسياسيين نافذين وحيتان مال وتجار كبار ولكبار المودعين خلال فتره اغلاق المصارف التي دامت اسبوعين كاملين في بدايه الحراك دون اي مبرّر او مُسوّغ قانوني او امني وما الى ذلك.

٥-عبء “النظام السياسي الطائفي المحاصصاتي المقيت” وما يترتّب عليه وبسببه من انحلال الدولة والزبائنية والتهريب والتهرب الضريبي الذين اثقلوا الدولة اعباء هائلة وحرموها من ايرادات وسياسة اجتماعية وضريبية عادلة كما والفساد الذي طال وغطى الجميع سياسيين وماليين ومفسدين من الشعب وفاسدين من الموظفين العامين.
٦- تفشيل الخطه الاقتصاديه الإنقاذية الإصلاحية التي أقرّتها حكومه الدكتور حسان دياب من قبل كل المتضررين من اي اصلاح والمستفيدين من استمرار الهدر والفساد على النحو الذي كان سائداً طيلة اكثر من ٣٠ سنة مضت. وقد ادى توقّف لبنان عن سداد سندات اليوروبوند التي كانت مستحقه في شهر آذار من العام ٢٠٢٠ الى زيادة الضغوطات عليه وهذا ما ادّى ايضاً الى تردي وتقهقر سريع لتصنيف لبنان لدى الشركات الإئتمانية مما اسهم في تسريع الإنهيار ايضاً.
٧-تواطؤ القضاء وانقسامه بين جناح يمثّل أكثريه القضاء المتواطئ مع السلطه السياسيه والماليه ومع المصارف وهو الذي منع محاسبه المصارف وملاحقتها ولم يكبح كل التصرفات التعسّفيه التي قامت بها طيله الفتره الماضيه وغطّاها احياناً وانحاز الى جانبها ضد المودعين ومصالحهم. الجزء الثاني من القضاء وهو القضاء الغير مرتهن لمصالح حزب المصرف حاول أن يقوم بواجباته لكن التدخّلات السياسيه منعته من ذلك ونحن نعرف جيداً ان الجناح الأقوى في القضاء له اليد الطولى على الارض وهو شريك اساسي في هذه الجريمة لأنه مرتهن لمرجعيات سياسية متورطة ومرتكبة شاركت في كل عمليات الهدر والفساد وفي صفقات كبيرة غطّاها القضاء.
عدم تعاون القضاء اللبناني مع القضاء السويسري، والقضاء الفرنسي بشكل جدي طيلة كل الفترات الماضية لأسباب معروفة للجميع هدفها الأساسي حماية حاكم مصرف لبنان والمصارف.
٨-العقوبات الأميركيه على بعض المصارف اللبنانية وخاصه تلك التي طالت بنك الجمال وادت الى تصفيته، وقانون قيصر وغيرها من العقوبات على اشخاص وكيانات لبنانية بتهم متعددة اهمها “الارهاب” كما تدعي الإدارة الأميركية.
٩- غياب خطّه اقتصاديه جذريه للتعافي الاقتصادي يكون فيها توزيع عادل للخسائر يطال كل الذين ساهموا في الأزمه ومن أهمهم اصحاب المصارف والسياسيين الذين نهبوا وهدروا وحوّلوا الى الخارج كميات كبيرة من اموال المودعين واصحاب المصارف واعضاء مجالس اداراتها والمساهمين فيها والذين استفادوا من كل السياسات التي ذكرناها طيلة اكثر من ٣٠ سنة وحاكم مصرف لبنان والشركات الوهميه التي وظّفها لتبييض واختلاس الاموال بالتعاون مع اخيه رجا سلامه ومساعدته ماريان الحويّك وغيرهم من افراد عائلته والمقربين منه، على ان تكون هذه الخطة على حساب صغار المودعين في كل حال كما تحاول المصارف وبعض اركان السلطة
وطبعاً علينا ان لا نغفل ان العوامل المذكورة اعلاه تضاف الى سواها من العوامل وهي ليست حصرية ويجب ان تضاف اليها الأسباب البنيوية في النظام السياسي والطائفي اللبناني الذي ادّى الى تعطيل قيام دولة المؤسسات والى فترات تعطيل متبادل للمشاريع الحيوية من هذا الفريق او غيره والى فترات إعتكاف ومقاطعة وشلل تنفيذي، وغياب طويل لمدراء عامين واداريين اساسيين، وتشجيع نهب المال العام والفساد المستشري وعدم المحاسبة والافلات من العقاب.

وأنصحكم جميعاً بمشاهدة هذا الوثائقي الهام جداً والذي يغوص في كواليس هذا الملف السياسي الاقتصادي المالي القضائي الشائك والذي تحاول من خلاله الصديقه حطيط معرفه أين تبخرت أموال الشعب اللبناني المقدره بحوالي ١٢٠ مليار دولار اميركي والى حدوث افظع واوسع جريمه مالية في العصر الحديث كما وصفها خبراء البنك الدولي.

دكتور طلال حمود
ملتقى حوار وعطاء بلا حدود، جمعيه ودائعنا حقّنا.

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى