مقالات واقوال مترجمة

قصص سبقت عصرها … و استشرفت سوداوية المستقبل

“لا تفكر كثيرا في المستقبل، لأن المجهول سيجلب الخوف و القلق ، ولكن الشيء الوحيد المؤكد في النهاية هو أن الموت بانتظارك “

القصة المبكرة السابقة عصرها، دائما كانت بمثابة العربة التي تقود الفرد منا  ليرى المستقبل المظلم، ومن ناحية اخرى هي تنذره و تنتقده ، و تؤشر إلى سيئات المجتمع و نتائجها المتوقعة على الإنسان اذا لم يدرك ماذا يحيط به من استغلال  السلطة ، وهي سلطة التلاعب بالمخيلة، اذا تأملنا في قصة اورويل ١٩٨٤ و ماذا قص علينا منذ ٧٠ سنة سيكون بإمكاننا الرجوع في الزمن و البحث عن مؤشرات للمستقبل الفوضوي .
في كتاب” اعترافات سان خوان”، و كتاب” الآبوكاليبسيس” تحذير من زمن سيكون الإنسان فيه مجبرا  على مواجهة قوى الشر .
كل الأديان توقعت  للبشر مستقبلا صعبا، الكاتبة ماري شيلي في روايتها “الرجل الأخير ” تتوقع عالما يدمره الطاعون، و نهاية المجتمعات ، و الرجل الوحيد المتحضر هو في حالة احتضار واضحة ، نفس الموضوع تكلم عنه في القرن العشرين ريتشارد ماتسون، في اهم رواية له “انا حكاية ” حيث يتجلى فيها الصراع ضد المسوخ الأشرار  .
أدب الخيال العلمي في أولى سنواته كان متفائلا، و واثقا أن الرجل سيكون حليفا للتكنولوجيا وان العلوم سوف تساهم بخلق مستقبل مليئ بالأمل و التطور هكذا تكلم كاريل كابكن في روايته” RUR” عن  الرجل الذي أخترع الروبوت، وهو تقدم علمي للإنسانية ، الجدير بالذكر أن الروبوت كلمة من اللغة التشيكية ” روبوتيك” و تعني العمل ، اي مصالحة العمل مع التكنولوجيا لمصلحة الإنسان.
القرن العشرون و القنبلتان النوويتان ، المجازر، الرعب النووي، كل ذلك هشم  هذا الأمل ، الإنسان هو الذئب لأخيه الإنسان، طبيعته تميل إلى التدمير و السيطرة على أقرانه، انتصارا للامنطق و الجنون هو السائد.
كان كافكا في طليعة هذا الأسلوب السوداوي، المتشائم، ما من أحد توصل إلى مستوى تعبيره، عن عبثية المجتمعات البيروقراطية و الشمولية، وصف طبيعة مميتة  تحدد مصير العالم، و جوزيف ك، بطل رواية كافكا “عملية” لم يعرف بماذا اتهموه، ولماذا سيموت بين أيدي نظام ظالم جائر .

قصص الخيال العلمي تركت  لنا  في صفحاتها رسائل شؤم، وأنبأتنا أن ما  ينتظرنا في المستقبل ليس جيدا أبدا، الفرد سيذوب في الكتلة المجتمعية،  وستكون خصوصية الفرد و الحرية منتهكتين .
قصص مثل” ١٩٨٤” لجورج اوريل، تثير في النفوس  الرعب من المجتمع التوتاليتاري، حيث كل شيء مدبر بأيدي الديكتاتور الكاريزماتي، الملقب “الاخ الأكبر ”
وكذلك قصة” فارنهايت ٤٥١” للكاتب راي برادبوري، حيث الكتب تشكل تهديدا ومن  يقتنيها سيكون معارضا خطيرا لا يؤتمن جانبه ، كذلك رواية آلدوس هوكسلي “عالم سعيد”، التي نشرت في الثلاثينات، تتناول موضوع التضليل و التلاعب في الهندسة الوراثية، بحثا عن الكمال في الكائن البشري و إهمال غير الكاملين، وهي استشراف لمفاهيم   النازية.

و” البرتقالة الميكانيكية” لانطوني بورغس،حيث  الفرد تحت سيطرة الدولة و  أداة للتجارب الطبية ، بغية تحويله إلى كائن مسلوب الإرادة . او الذين يسمون replicantes و يرفضون  من فكرة العمر القصير ، و يتمردون على سيطرة الرجل و يفتشون عن الخالق يطلبون منه أجوبة عن هذا الوجود، كما جاء في العمل الأدبي لفيليب ك ديك في” blade runner” .
الكاتبة الإسبانية روزا مونتيرو اهدتنا الثلاثية ، عن المحققة  برونا هوسكي، و  الأندرويد  الذي يملك إنسانية أكثر من الإنسان الذي اخترعه، عمله يتغلب في وسط عالم عقيم و متعفن من الداخل، ، روايات سريعة البديهة مليئة بالنفس الأورويلي مع لمسات من  التشاؤم كما لو أن” جوزيف كونراد” هو من استوحى احداثها.
و لكن ماذا يحصل عندما تتفتت هذه الدولة و تترك الفرد تحت  رحمة رغباته البدائية،؟ ، لا بد أن تكون النتائج سيئة ، و في وسط هذا الخضم ما الذي يسمح لنا أن نبقى على قيد الإنسانية؟ هذه هي المادة التي تعيشها رواية ساراماغو-” العمى”- و” الطريق” لكورمان ماكارتي ، ومهما حل بالعالم من التفتت و التراجع دائما سيكون هناك أفراد ستحافظ على انسانيتها، في رواياته  ساراماغو يمنع الأفراد من فقدان انسانيتهم بالرغم من كل الصعوبات .مجتمعات عالقة بين فكي ، حكومات ثيوقراطية ، و ذكورية كما في الرسالة التي تضمنتها رواية “حكايات الخادمة” لمارغريت آتوود، حيث المرأة ضحية الانتهاك و القسوة ، و كيف تبحث عن حريتها عبر كل الوسائل.
في القرن السابع عشر و الثامن عشر، الأدباء استخدموا الخرافة و الأسطورة ليحثوا قراء عصرهم، على الوعي بضعف و بؤس مجتمعاتهم.
في هذا العالم ما بعد الحداثة ، الكتاب يدعونا أن نتفاعل و أن  نتساءل عن مستقبل انسانيتنا، على الإمساك بالحدود الآمنة للتقدم، وعلى الجيد و السيء في استخدامنا للعلم. لكن مخيلة الكتاب دائما تخترع عالما قريبا من الكمال ، لكن الواقع ليس كذلك، و على القارىء وهو بين سطور هذه الروايات ان لا يكتفي فقط بالمتعة و لكن عليه أن يعتبرها جرس إنذار يحذر من الخطر .

ترجمة و اختيار : سمية تكجي

المصدر : el universo

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى