أدب وفنمقابلات

مُقارَبات ثَقافِيَّة وأَدَبِيَّة – الحلقة الأولى

الدكتور وجيه فانوس

الدكتور وجيه فانوس

أَجْرَت “مَجْموعةُ حِبِر أبيض”، مُنْذُ أيَّامٍ قَليلَةٍ،
لِقَاءً مَعَ الدكتور “وجيه فانوس”؛
أُثيرَت فيهِ باقَةٌ مِنَ المَوْضُوعاتِ الثَّقافيَّة والأدبيَّة؛
وقد خَصَّ الدكتور فانوس، تَجاوُبَاً مَع كَثيرٍ مِنْ تَمَنِّيَّاتِ الأَصْدِقاء

مَوْقِعَ “حَصاد الحِبْر
بِهَذِهِ السِّلسِلَةِ، التي تَتَضَمَّنُ بَعْضَ ما قيلِ في الِّلقاء.


الحلقة الأولى

 (المُثَقَّفُ في الحياة)

أسئلة الشَّاعِرَيْنِ والصّحفيَّين “ميَّار برجاوي” و”أدونيس الخطيب”

1- ميَّار برجاوي

ميَّار برجاوي

تَنْطُرُ إلى المثقَّفِ بِوَصْفِهِ: “ضمير الأمّة وصوت الحق برؤيته ورؤاه”؛ هي القاعدة، ولكن الواقع مخالف كثيرا؛ فضمائر عديد من المثقفين باتت مرتهنة، وحرف الباطل يفوق حرف الحق وصوته؛ لماذا؟ ما الذي بدّل وبدّد تلك الرؤى؟ وما السبيل لاستنهاض ضميره وصوته في زمن تبدّلت به المعايير تحت مبررات معقّدة؟

  • ليس كلُّ من رأى في نفسه أنَّه مثقَّف، أن يكون فعلاً مثقَّفاً؛ وكذلك، ليس كل من قال له أصدقاؤه أنَّه مثقَّفٌ، صار بالفعل مثقَّفاً. المثقَّف، حقَّاً، هو ضمير الفكر والعصر والاختصاص الذي يعمل في سبيله؛ ولذا، فهو أبداً إلى جانب المعارضة؛ وعلى هذا، فإنَّ أيَّة مهادنة أو محاولة تَوَدُّدٍ على حساب الرُّؤية الثقَّافِيَّة، إنَّما يكون من باب النِّفاق، وليس من باب الثَّقافة، كما أنَّ صاحبها ليس بمثقَّف.
  • ظلّ المثقف في لبنان حريصا على ما اعتاده الناس منه، وما اعتاد هو عليه من مهام الريادة والاستكشاف وظلّت الصحف الأدبية ودور النشر تصدر وتقدّم”. لكن اليوم الصحف وأعرق صحف لبنان أقفلت والعديد من دور النشر تتخابط في أزمة مال ومعرفة في آن، فأي محنة يعيشها لبنان النشر والصحافة وكيف انعكس ذلك على مهام الريادة والاستكشاف؟
  • أن تتراجع فاعليَّة المثقَّف الحقِّ في لبنان، فأمر مرتبط بطبيعة القيم والمفاهيم الجاهلة أو الضَّالة التي تتحكَّم بالقوم؛ وعلى المثقَّف الحقِّ، ههنا، أن يبقى على قناعاته ويتابع نضالاته؛ هذا إذا ما استطاع إلى الأمر سبيلاً، أو أنه يخسر موقعه الثقافي.
  • ثمّة تباين شاسع بين ما هو شعر وما هو شعري” وتتوسّع في شرح العبارة بأنّ “الشعري هو بداية هذه الطاقة الكامنة في النص والقادرة على توصيله للآخر…” أسأل هنا سؤالين الأول يتعلّق بالطاقة، ما هيّة هذه الطاقة وكيف توظّف بشكل سلس ومؤثّر؟ وثانيا على ضوء التباين بين ما هو شعر وما هو شعري، ما الفرق بين الإنسانية وما هو إنساني؟
  • تتكوَّن طاقة الشِّعريِّ، في نظري، من طاقات إحساس معيَّنة تتجانس مع قدرات معيَّنة أخرى في استخدام التَّعبير، يضاف إلى هذا مقدرة على استكناه قيم جماليَّةٍ أو ابتداعها؛ والفرق بين الإنسانيَّة والإنساني، هو تماماً كما الفرق بين الشِّعر والشِّعري؛ الانسانيَّة هي المفهوم العام للإنسانية الذي يرى النَّاس أنهم متوافقون عليه هويَّة للإنسان؛ أمَّا الانساني، فهو، بشكل عام، القدرة الخاصة بكل إنسان على تحقيق هذا المفهوم.
  • ترى أنّنا نعاني في الوطن العربي من تردٍّ ثقافي عامر، لا تكاد تسلم منه دولة. وحضرتك درست خارج لبنان أيضا. أي مسؤوليّة تتحمّلها الجامعات العربية في التردّي الثقافي؟ وأين يكمن جوهر التمايز الثقافي والفكري الذي لاحظته في تجربتك بين العالمين الغربي والشرقي والذي ينعكس على النهضة العربيّة التي طالما تحدّثت عنها؟
  • تتحمَّل الجامعات الأكاديمية العربيَّة مسؤولياتها، عندما تؤكِّد البعد الأكاديمي والثقافي الجوهري لوجودها، ولا تسعى لأن تكون فقط مجرَّد مؤسسات تبيع العلم لمن يدفع القيمة التي تحددها له. أمّا يميز الثقافة العربيَّة علمَّة، من الثقافة في العالم الغربيِّ، إجمالاً، فأرى أن الثقافة العربيَّة، منذ مطلع القرن العشرين، على الأقل، تفتقد إلى الحسِّ التَّحليلي التَّفكيكي والتَّركيبي، وما برحت تجد ذاتها منَّعمة في دنيا قبول الأمور والانفعال بها، من دون ما تحليل منطقيٍّ لها أو نقد عقلانيِّ واعٍ لمعطياتها؛ وهذا ما يدخل في صلب ما فتئتُ أدعو إليه من ترشيدٍ للثقافة الجمعيَّة للمجتمعِ وخلق قابليَّة للثقافة تواجه قابليَّة القوقع في مهاوي الجهل وتحاربها.
  • حضرتك من المتأثرين بالشيخ عبدالله العلايلي، وأذكر تفاصيل كثيرة من اللقاء الذي صوّرناه معك قبل سنوات لعمل وثائقي عنه، ومن جملة ما ذكرته عنه أنّه “لم يلق الدعم السياسي الحقيقي ولا الدعم الشعبي الجماهيري الواسع، فبات وكأنّه على خلاف حقيقته مفكّر يحصر وجوده بنخبة معيّنة من ناس زمانه دون سواها”، ما هو أبرز سبب أو عامل أو هاجس حجب الدعم الرسمي كما الشعبي عنه؟ لو أنّه موجود اليوم في ظل هذه الأزمات والتحديات ماذا سيكون موقفه أو أثره؟ وألا ترى أنّه هو بنفسه يتحمّل مسؤولية حصره بصفة اللغوي وإطار النخبة كما يتحمّل كل عالم أو شخص جزء من مسؤولية بعده عن الناس؟
  • أعتقد أن ظروف الشيخ عبد الله العلايلي، الشخصيَّة مع تلك التي أحاطت به، دفعته كما دفعت كثيراً من النَّاس، إلى التركيز على ما قدَّم من جوانب لغويَّة؛ وواقع الحال، فالعلايلي أعمق من هذا بكثير وأشد اتِّساعاً ثقافيَّاً واننتاجيَّاً.
  • الزمن وحده هو الأكثر قدرة على تمييز الخبيث من الطيب في ساحة الرواية” لماذا اعتمدت تعبير “الخبيث” في المقارنة عوض تعبيرات من قبيل السيء والجيّد؟ الخبث في ساحة الرواية أخطر أم الخبث في ساحات الحياة؟ وهذا الخبث الروائي كيف ينعكس على اللغة وعلى الحياة ككل؟
  • لئن قلتُ إنَّ “الزَّمن وحده هو الأكثر قدرة على تمييز الخبيث من الطيِّب في ساحة الرواية””؛، ولم اعتمد تعبير “السيء” أو “الجيّد”؛ فهذا يعود إلى أني أربأ أن أكون، بذاتي، حَكَماً نهائيَّاً على أيِّ أمر.

2- أدونيس الخطيب

أدونيس الخطيب

كيف يمكن الارتقاء “بمثقَّف” من المستوى المتدنِّي، المنغمس بالاحقاد الطَّائفيَّة والحزبيَّة، إلى مثقَّف حقيقيٍّ، ذو دورٍ وطنيٍّ وانساني فاعل بالحياة؟

  • قد لا يمكن لأيِّ باحث رصين، في الوجود المعاصر في لبنان، أن يرى، في غالبيَّة مناحي الثَّقافَةِ السِّياسيَّةِ اللُّبنانيَّةِ، وجوداً لمواطِنٍ؛ بلْ يرى وجوداً لِطَوائِفٍ؛ وبدقَّةٍ أشدَّ تحديداً، وجوداً لِمذاهِب. وبمراجعةٍ بسيطةٍ لِواقِعِ الحالِ، يمكنُ القول إنَّ ثمَّةَ سيطرةً ما لِتَمْثيلِ الطَّائفةِ، كما المذهبِ، ثمَّ تَحَوَّلَ الأمرُ، في المراحلِ المتأخِرةِ، وبصورةٍ جَلِيَةٍ منذُ السَّنواتِ القَليلةِ التي سَبَقَت محطَّاتِ الاقتتالِ الدَّامي في لبنان، سنة 1974، إلى “شَبَكَةِ سُلْطَةٍ سِياسيَّةٍ”، قِوامُها تحالفٌ مُتنافِسٌ فِيما بَين ناسِهِ، يجمعُ قادةَ السِّياسةِ؛ ويقفُ فيهِ رجالُ دِّينٍ وعلماءٌ في شرائعهِ، في ما يُشْبِهُ الصُّفوفَ الخلفيَّةَ المُساعِدةَ لهم عند اللُّزومِ؛ بما يُوَضِّحُ أنَّ الطَّائفةَ والمذهبَ، مِنَ العوامِلِ الخادِمَةِ للمصالِحِ السِّياسيَّةِ، وليس الدّيِنيَّةِ؛ لأِناس مُتحالِفونَ فِيما بَيْنَهُم على تنافُسٍ شخصيٍّ في استغلالِ ما في البَلَدِ مِن ناسٍ وخَيْراتٍ وإمكانيَّاتِ كَسْبٍ.
  • لقد أَثْبَتَت الأحداثُ المُتعاقِبَةُ على لُبنان، وخاصَّةً مُنْذُ مَحطَّاتِ الاقْتِتالِ الدَّامي، التي بَدَأَت سنة 1974، أنَّ الثَّقافَةَ السِّياسيَّةَ للطَّائِفَةِ والمَذْهَبِ، لَمْ تَعُدْ تُلَبِّي المصالِحَ الفِعْليَّةَ والحقيقيَّةَ العمليَّةَ للمُواطِنِ؛ أيَّاً كانت طائفتُهُ أو مَذْهَبُهُ؛ فما التَّعدٌّدِيَّةُ الطَّائفِيَّةُ والمذْهَبِيَّةُ، وفاقاً للتَّجربَةِ، سوى خدمةً لِمصالِحِ زعامَةٍ فرديَّةٍ أو أشخاصِ قيادَةٍ سياسيَّةٍ جمعِيَّةٍ. ثمَّة مطالبُ عيشٍ وطموحٍ اشتركَ فيها أُناسٌ يَنْتَمونَ إلى مُخْتَلَفِ الطَّوائفِ والمذاهِبِ؛ وثمَّة أذىً مُشْتَركاً في الوجودِ الإنسانيِّ والوطنيِّ، لَحِقَ بِكثيرٍ؛ رَغْمَ تَبايُنِ انْتِماءاتِهِم الطَّائفيَّةِ أو المَذْهَبِيَةِ. لَمْ يَعُد الانتماءُ إلى الطَّائفَةِ أو المَذْهَبِ بِقادِرٍ على أنْ يَقِفَ حالَ حمايةٍ أو ملجأ خلاصٍ لكثيرٍ من المُنْضَوينَ تحتَ لِوائِه.  
  • بدأ مفهوم “المواطنةِ” فرضَ وجوده، بِغَضِّ النَّظرِ عن أيِّ تعدُّدِيَّةٍ طائفيَّةٍ أو مذهبِيَّةٍ؛ بل بات أناسٌ كُثُرٌ ينطقونَ شهادةَ كُفرهم بالطَّائفيَّة والمذهبِيَّة منهجاً للعيشِ الوطنيِّ. ثمَّةَ حقوقٌ ومطالبٌ وطموحاتٌ ورؤىً، باتت واضحةً عندَ كثيرٍ من المواطنين؛ لا تَجِدُ جدوىً وطنيَّةً لها، في مَبادئِ التَّعدُّديَّةِ الطَّائفيَّةِ أو المذهبيَّةِ؛ التي قامت عليها معالمٌ أساسٌ مِنَ الثَّقافةِ الوطنيَّةِ والسِّياسيَّةِ في لبنان، منذُ الإعلانِ عَنْ إنْشاءِ “دَوْلَةِ لُبنان الكَبير”، سنة 1920، بلْ ومنذُ ما قبلِ هذا التَّاريخ. وأتساءل، تالياً، أَما آنَ للُّبنانيينَ، وللمثقفين منهم كما الأدباء، بِما لَديهِم مِن ثَرَواتٍ عقليَّةٍ وغِنىً ثقافِيٍّ، وبما يُمَثِّلهُ أبناؤهُم مِن طموحاتٍ راقِيةٍ، وما يَنْهَضُ في مجتمعِهِم مِن مؤسَّساتٍ أهليَّةٍ ومنظَّماتٍ لِلحقِّ المدنيِّ، وما يَضُمُّهُ بَلَدُهُم مِن تَجَمُّعاتٍ شَعبِيَةٍ واعيةٍ، أنْ يَنْتَظِموا فيما بَيْنَهُم، سَعْياً إلى قيامِ نِظامِ المُواطَنَةِ؛ وهو النِّظامُ الذي يَسْتَجيبُ، قَوْلاً وعَمَلاً، للمادَّةِ السَّابِعَةِ مِن “الدُّستورِ”، إذْ “كلُّ اللُّبنانيينَ سواءٌ لدى القانون، وهم يتمتَّعونَ بالسَّواءِ بالحقوقِ المَدَنِيَّةِ والسِّياسيَّةِ؛ ويَتَحمَّلونَ الفرائضَ والواجباتِ العامَّةِ دونَ ما فَرْقٍ بَيْنَهم”؟!

الحلقة الثانية

مقالات ذات صلة

‫10 تعليقات

  1. بين شعرية النص والنص الشعري طاقة تأثير ورؤية تستقرئ المستقبل وتؤثر في الذات .فإذا انفقد هذا التأثير ذهبت الشعرية وذهبت كمياؤها داخيلية التي تحرك الوجدان وتبث القشعريرة. ولا يزال النص الشعري كذلك حتى يفقد شعريته عندها يتحول الى مجرد قصد للكلمات

  2. بين شعرية النص والنص الشعري طاقة تأثير ورؤية تستقرئ المستقبل وتؤثر في الذات .فإذا انفقد هذا التأثير ذهبت الشعرية وذهبت كمياؤها الداخلية التي تحرك الوجدان وتبث القشعريرة. ولا يزال النص الشعري كذلك حتى يفقد شعريته عندها يتحول الى مجرد قفص للكلمات

    د. الفاضل الكثيري

  3. Hello! Someone in my Facebook group shared this site
    with us so I came to give it a look. I’m definitely enjoying the information. I’m book-marking and will be tweeting this to my followers!
    Wonderful blog and amazing style and design.

  4. Hello, i feel that i saw you visited my web site thus i got here to go back the favor?.I am attempting to find things to
    enhance my web site!I assume its adequate to use a few of your ideas!!

زر الذهاب إلى الأعلى