الدكتور محمد مسلم جمعة
أين نحن العرب والمسلمين من الثورات الدينية والصناعية والديمقراطية ؟
إن صدمة الكورونا والتي تضوي على مرحلة شهدها العالم ,ما عرف باللبرالية والمتمثلة بمفاهيم كالعدالة والديمقراطية وحقوق الإنسان , لتحل مكانها النيولبرالية والتي لاهم عندها سوى مراكمة الأرباح ,فالمنفعة هي القيمة المطلقة بنظر أنظمة لاتقيم وزنا إذا لم يكن وراء ربح أو منفعة ,إن شركات الأدوية لاهم لها سوى المزيد من الربح فصناعة كريمات للوجه أهم بكثير من اكتشاف علاج للسرطان أو لقاح لكورونا .
وبالعودة الى التصويب على الواقع العربي من كل ماشهدته المجتمعات البشرية على صعيد الحداثة وما تمثله من قيم .
إن واقع الأمر عرفت الإنسانية الحديثة ثورة دينية وثورة ديمقراطية وثورة صناعية ،كل واحدة منها تشكل تعبيرا عن تطور المجتمع كونه يشكل وحدة متكاملة .ونتج عن هذه الثورات انقلابات في الفكر تستأهل ان يطلق عليها اسم ثورات تمظهرت بثورة علمية وتاريخية وعقلانية ونتج عن هذه الثورات ايديولوجيات مختلفة أهمها ؛اللبرالية والإشتراكية ،وتعتبر الحداثة في المجتمعات الإنسانية الغربية هي المعبر الكامل والخلاصة العليا لكل هذه الثورات التي عاشتها الإنسانية والمادية والايديولوجية ،فهل حصل مثلها في عالمنا العربي والإسلامي ؟ الجواب سيكون سلبا بالطبع .
واقع الأمر لم يعرف المجتمع العربي إلا ثورة واحدة هي الثورة الوطنية ،واختلطت فيها ثورات متعددة :ذهنية فردية ،ديمقراطية اجتماعية واقتصادية اشتراكية .
هل استطاعات الثورة الوطنية في المجتمعات العربية ان تقوم بعملية اختزال تاريخي لجميع الثورات الأخرى ؟ وهل استطاع الفكر العربي ان يحقق طفرة تمكنه من استيعاب العقل الحديث ؟ قطعا لا والدليل على ذلك تلك الخيبة المريرة التي رأيناها والمتمثلة بالتخلف على صعيد البناء او توفر وسائل المواصلات الحديثة السريعة ، أو التمتع بوسائل الترفيه المتطورة .
بالعودة الى الثورات الكبرى التي عرفها الغرب ، وهي عبارة عن تطور كبير في ظهور المدن الكبيرة وهذا ليس خافيا على أحد ،ونحن في العالم العربي لا ينقصنا مثل هذه المدن من ناحية الكبر والإكتظاظ السكاني (الأبراج المشيدة في الخليج ) قد تكون هذه السمة هي المشكلة بالنسبة لنا ،انها عبارة عن تجمعات بشرية ،مدنية ربما المشكل يكمن في زيادة المدن ضخامة واتساعا دون ان تنتشر فيها ذهنية مدنية ،اذ تكثر فيها اللعب العلمية ،بينما تبقى الذهنية العمومية استهلاكية تواكلية .
ان ماينقصنا الذهنية المدنية مع وجود المدينة ،فهذا مثل يدل على تأخرنا ، فالذهنية المدنية لاتعبر عن نمط العلاقات الجماعية ،انما تعبر عن نظام متماسك تشكل فيه السيادة للإنتاج قبل الإستهلاك ،ويلعب فيه العلم نشاطا يتصف بالجماعية ولا يعرف الفردية والتقوقع .
الذهنية المدنية تعني وجود جو ثقافي مدني ،جو يتواصل فيه الناس بسهولة وتتجه فيه اهتماماتهم نحو الانتاج وتطويع الطبيعة ،وهذا ما لا وجود له في المدينة العربية وذلك لتأخر الذهنية العربية ،فالعلاقات السائدة في المدن العربية هي علاقات محكومة بالولاء الى العشيرة والدين والطائفه .
اذ لاغرابة ان نشاهد مجتمعا مدنيا وتاريخيا يختار كاسلوب في التعبير ثقافة بدائية قبلية ، ولا غرابة من وجود المثقف المتجه كليا نحو الماضي ،والبعيد كل البعد عن الحاضر ، انه يتعلق بأهداب ثقافة لاتربطه بها أدنى صلة معقولة ،تماما كما كان الشاعر الأندلسي في القرن الخامس الهجري ينعم بالقصور الفاخرة والرياض العطرة فيما كانت روحه متجهة كلية نحو صحراء لا يعرفها ولا يستطيع ان يعيش فيها .