تطوّر عمليات تغيّير الصمّامات القلبية: من الجراحة التقليدية الى الزرع بواسطة التمييل او القسطرة :
تطوّر عمليات تغيّير الصمّامات القلبية: من الجراحة التقليدية الى الزرع بواسطة التمييل او القسطرة :
١-مقدمة : تُعتبر مشاكل صمّامات القلب (الإنسدادات أو القصور او التهريب والخلل الوظيفي الذي قد يشمل الحالتتين المرضيتين)في عمل هذه الصمّامات من أحد أهم الأمراض التي تتسبّب بقصور تدريجي في عضلة القلب، لأنها تتسبّب في إرتفاع تدريجي للضغط الشرياني داخل غُرف القلب وبتوسّع أو تمدّد تدريجي لغُرف القلب المُختلفة بحسب مكان وجود الخلل في عمل الصمّام. وهذه الأمراض مسؤولة عن حوالي ١٠ الى ٢٠% من حالات قصور القلب.
٢- الجراحة التقليدية : وقد بدأ أطباء وجرّاحي القلب بالتفكير بطُرق علاج هذه الصمّامات منذ سنة ١٩٦٢ من القرن الماضي. حيث تمّ يومها إبتكار طريقة لتغيير الصمّام المريض بصمّام آخر طبيعي موجود اصلاً في مكان آخر في القلب ( مثل عملية إستبدال الصمّام الأبهر بالصمّام الرئوي مثلاً )أو عن طريق تطوير صمّامات معدنية يتمّ زرعها في مكان الصمّام الذي يكون فيه خلل Mechanical Heart Valve. وهنا نُشير الى ان هذه العمليات تقوم على مبدأ إستئصال وإستخراج الصمّام المريض وزرع الصمام المعدني وتقطيبه بدقّة ومهارة في مكانه لمنع التهريب في مكان القُطب او لمنع الإنسداد او التضييق في الصمام في حال كان الصمّام صغير الحجم بالنسبة لقلب المريض او في حال كانت عملية التقطيب غير دقيقة وتتسبب في وجود حاجز امام مرور الدم في الصمّام.
وهذه الصمّامات المعدنية تطوّرت كثيراً مع مرور الزمن وهي لا تزال تُستعمل حالياً في العمليات الجراحية لتغيّير صمامات القلب منذ ذلك التاريخ . وفي سنة ١٩٦٥ تمّ تطوير الصمّامات البيولوجية Biological Heart Valve. وهي كانت عند ذلك الوقت مأخوذة من قلب الخنزير . وفي سنة ١٩٧٠ تمّ تطوير الصمّامات البيولوجية المصنوعة من “غِشاء قلب الخنزير أو العجل” Percardial tissue valve.
وحالياً يُفضّل جراحوا القلب إستعمال الصمّامات المعدنية عند الشباب والأشخاص التي تقِلّ اعمارهم عن عمر ٦٥ الى ٧٠ سنة لأن فعالية ومُدّة عمل هذه الصمّامات طويلة الأجل وتصل الى حد ال ٢٠-٢٥ سنة. لكن المريض الذي يخضع لهكذا عمليات مع زرع صمّام معدني عليه تناول الأدوية المُضادّة للتجلط Anti coagulant /Anti- vitamine K مدى الحياة مع ما يترتب على ذلك من مخاطر حصول حالات نزيف قد تكون خطيرة او حتى مُميتة في بعض الأحيان. وهم بحاجة لمراقبة فحص نسبة التجلّط في الدم كل ٣ اسابيع الى شهر على ابعد حد لأن عدم التوازن في نسبة تجلّط الدم قد يؤدي إما الى حصول حالات إنسداد مُفاجئ وخطير في الصمّام في حال كان الدم غير مُسيّل بشكل كافٍ وامّا لحالات نزيف خطيرة في حال كان الدم مُسيّل بشكل كبير.
اما اصمامات البيولوجية فتُستعمل للمرضى الذين يوجد عندهم موانع لتناول الأدوية المُضادة للتجلّط او عند المرضى المُتقدّمين في السن اي فوق ٦٥ الى ٧٠ سنة. وفي هذه الحالة ليس هناك حاجة لتناول مُضادات التجلّط القوية ومن المُمكن الإكتفاء فقط بتناول حبة اسبيرين يومياً فقط. لكن هذه الصمّامات البيولوجية تخدم لفترات اقل وقد تتعرض احياناً بسرعة لحالات خلل وظيفي ناتج عن تكلُّسها او تفكّك او تحلُّل المواد المُكونة لها. وهذا ما يستدعي احياناً إعادة تغيّيرها بالجراحة التقليدية او زرع صمّام معدني من “الأجيال الجديدة ” في داخلها لإعادة وظيفتها الى الوضع الطبيعي.
٣- الحاجة الى علاجات بديلة : لكن هذه الصمّامات المعدنية أو البيولوجية التي لا تزال الخبز اليومي لجراحي القلب حتى اليوم، قد تكون غير قابلة للزرع لأسباب مُعينة من أهمها تقدُّم عمر المريض (وهذا ما تشهده كثيراً في الدول المُتقدّمة حيث أنّها تشهد تقدُّم كبير في الأعمار ناتج عن الخدمات الصحية المُتطوّرة التي يحصل عليها المرضى في تلك الدول)، أو بسبب وجود قصور خطير ومُتقدّم في عضلة القلب أو بسبب إصابة المريض بمشاكل مرضية أخرى مثل الإنسداد الرئوي المُزمن المُتقدّم أو القصور الكلوي المُزمن أو مشاكل صحية أخرى تجعل من العملية الجراحية عملية مُعقّدة وغير مُمكنة وغير قابلة للتنفيذ). مما يجعلنا أمام حالات تكون فيها الجراحة مُستحيلة أو عالية الخطورة وهذا ما دفع أطباء القلب بالتفكير بإيجاد حُلول بديلة للجراحة عبر زرعها بواسطة التمييل او القسطرة (من دون جراحة).
٤- تطوير “الأجيال الجديدة من الصمّامات المعدنية ” التي تُزرع بواسطة التمييل: وهذا ما حصل فعلاً سنة ٢٠٠٠، حيث قام الطبيب الفرنسي الشهير Alain Cribier بزراعة أول صمام إصطناعي ( معدني) عبر التمييل أو القسطرة لمريض كان يعاني من مشاكل خطيرة في أحد الصمّامات( حالة قصور حاد في الصمّام الأبهر) وكان ذلك المريض في حالة صدمة قلبية أي حالة قصور قلبي ُمتقدّم ناتج عن خلل كبير في وظيفة عضلة القلب.
وقد توالت الإكتشافات منذ ذلك التاريخ وتنافت شركات مُتعددة لتطوير أنواع مختلفة من الصمّامات التي يُمكن زرعها مكان الصمّام الأبهر من خلال عمليات التمييل. أولاً عبر إختراق الحاجز الموجود بين الأذينين الأيمن والأيسر كما فعل بداية Alain Cribier وتالياً او ثانياً عِبر المُرور بواسطة الشرايين المُحيطة كشرايين الفخذ أو شرايين الرقبة او عبر ثقب صغير فط قمة القلب منذ سنة ٢٠٠٢.
وقد تنافست منذ ذلك الوقت شركتان اميركيتان عملاقتان هما شركة Edwards Sapien وشركة أخرى اسمها Medtronic على تقاسم السوق العالمي لهذه الصمّامات وعلى تطوير وتحديث وتصغير حجم الأدوات المُستعملة لزرع هذه الصمّامات من اجل تسهيل عمليات مرورها عبر الشرايين المُحيطة وتسهيل عملية زرعها. كذلك وطوًرا الشكل الهندسي للصمام والمعدن الموجد فيه ووريقاته وغطائه او غلافه ( كسوته) وكلها مواد مُستخرجة من غشاء قلب الحيوان ( خنزير او عجل) . وادخلوا تغييرات وراثية (مناعية) كبيرة على هذه الأنسجة لكي يتقبّلها جسم الإنسان ولكي لا يقوم بردّة فعل مناعية شديدة عليها عند زرعها.
وقد أصبح عدد المرضى الذين استفادوا من هذه التقنية اي عملية تغيير الصمام الأبهر للقلب بواسطة التمييل حتى تاريخ اليوم حوالي ٤٠٠ ألف مريض عبر مُختلف أنحاء العالم.
٥-إقتحام مجالات اكثر خطورة ومواجهة تحدي زرع الصمّام التاجي للقلب عبر القسطرة : ولم يكتفِ الأطباء بهذه الإنجازات بل توجهوا لعلاج أمراض الصمّام التاجي Mitral Valve بذات الطريقة. علماً أن عمليات زرع هكذا صمّامات مُعقّدة جداً بسبب وجود هذا الصمام في مكان خطير وحسّاس في وسط القلب. ورغم أنّ طبيعة تركيبته التشريحية والوظيفية مُعقّدة جداً فإن أطباء وجراحي القلب نجحوا في تخطّي كل هذه الحواجز وقاموا حتى اليوم بزراعة حوالي ٤٠٠ صمّام مكان هذا الصمام التاجي عبر تقنيّات التمييل وإجتياز الحاجز الموجود بين الأذينين الأيمن والأيسر في بعض الحالات، أو عِبر المُرور عن طريق ثقب صغير يُحدثه الجرّاح في قُمّة القلب ويتمّ من خلاله إدخال الصمام الذي يريد الجراح وضعه مكان الصمام المريض.
ولم يكتفِ الأطباء باستبدال الصمّام التاجي اي زرع صمّام معدني مُماثل بمكّوناته للصمّام الإصطناعي المُستعمل في عمليات زرع الصمام الأبهر ، فقد طوّروا طُرق أخرى تدخّلية (أكثر من ٦٠ تقنيّة مُتنوعة) تُستعمل عبر التمييل، ويقوم من خلالها الأطباء بإصلاح الخلل الوظيفي الذي يعاني منه هذا الصمام التاجي عن طريق إجراء عمليات ترميم وإصلاح لوظيفة هذا الصمّام المُصاب بقصور إعتماداً على المبدأ المُعتمد في العمليات الجراحية التي تُرمم او تُصلح هذا الصمام . وذلك عن طريق زرع حلقة عليه تُقرّب وريقاته الواحدة من الأخرى وتمنع تهريب الدم او الخلل الوظيفي الذي يصيبه. وقد تمّ حتى تاريخ اليوم إستعمال هذه التقنيات الجديدة والمُعقّدة نسبياً عند الآلاف من المرضى. وهي لا تزال قيد التطوير والأبحاث والتجارب اليومية . والمُنافسة شديدة على تقاسم سوق هذه الأجهزة الواعدة بين الشركات يوماً بعد يوم.
ولم يكتفِ ايضاً الخبراء في هذا المجال بكل هذا التقدم بل طوّروا طرق أخرى لزرع صمّام معدني مكان الصمّام الثلاثي الشرف Triscapid valve وطوّروا أيضاً تقنيّات زرع الصمّامات عبر التمييل في داخل صمّامات بيولوجية Biological valve كانت مزروعة سابقاً عند بعض المرضى لكنها تعرضت للخلل الوظيفي مع مرور الوقت(بعد مرور ١٥ الى ٢٠ سنة من عملية زرعها). وهذا ما يعتبر إنجازاً كبيراً وهائلاً في هذا المجال لأن عملية استئصال هكذا صمّامات أو إعادة تغيّيرها جراحياً تُعتبر عمليات خطيرة جداً . ولذلك فإن البديل الذي وفّره تطوّر التقنيّات التدخّلية يُعتبر ثورة هائلة في هذا المجال ولا تزال هذه الثورات قيد الحراك والإبداع والتطوير من يوم الى يوم.