أدب وفن

العلاج النفسي بواسطة الذكاء الاصطناعي هل هذا ممكن ؟تهافت الدراسات بسرعة الضوء !

العلاج النفسي بواسطة الذكاء الاصطناعي هل هذا ممكن ؟
تهافت الدراسات بسرعة الضوء !

أنطوان يزبك*

كان في الماضي ، الذي يمشي على الطريق ويتحدث مع نفسه ، أو يتخيّل شخصا يتكلّم معه أو يجادله و يقارعه يعتبره المجتمع مجنونا ، ويتهكّم عليه . وكانت جدتي أيضا في طفولتنا تحذّرنا من الوقوف أمام المرآة طويلا ، والتكلّم مع انعكاس صورتنا ، فإذا قلنا لها : ليش يا ستي ؟
تجيبنا : حتى ما تخوتوا يا ولاد …
أكيد لم تكن جدتي قد قرأت قصة دوريان غراي لأوسكار وايلد أو شاهدت أفلام الروائي ستيفن كينغ الذي أخرج الشياطين من المرايا و حوّل ليالي اليافعين الى رعب و خوف وقلق وجعل الناس (مهسترين ) خاصة في مسألة البلودي ماري Bloody Mary التي تحلّ روحها الشريرة في الذي يطيل التحديق بالمرآة ويناديها باسمها ! ولكن منذ أن ظهر الذكاء الاصطناعي على الساحة كان اللجوء إلى ChatGPT و محركاته للتحدث عن القلق والمخاوف لدى الناس ، الذين استبدلوا المرايا بالاختراع الجديد ، وهذا الموضوع ليس وليد صدفة ، وهو فعلا ليس بالأمر السخيف او العرضي ، هذا ما يعتقده الأخصائيون النفسيون الآن ، الذي بدأ القلق يعتريهم من توقف مصلحتهم أمام طفرة الذكاء الاصطناعي !

لأنه دائم التوفر ومن دون إصدار أحكام مسبقة ، بات الChatGPT بالنسبة لعدد متزايد من الأشخاص بمثابة مستودع أسرار. فما رأي الأخصائيين النفسيين في هذا السلوك الجديد؟
كل يوم يزداد عدد الأشخاص الذين يفتحون قلوبهم للذكاء الاصطناعي ، قد يبدو الأمر مستهجنا ولكن بفضل توفره الدائم، وغياب الحكم على الآخر من قبله ، وامتلاكه لتعاطف “مصطنع”، أصبح ChatGPT بالنسبة للبعض أكثر من مجرد مساعد ، لا بل أصبح صديقا افتراضيا و داعما عاطفيا خفيا.
لكن كيف يرى الأخصائيون النفسيون هذا التوجه الجديد او ما يصح اعتباره Trend؟

نعيش وسط بحر من المشاكل العاطفية، كذلك هناك توترات دائمة في العمل، أمّا الصراعات المتنوّعة كالصراعات العائلية فحدث ولا حرج ، لذلك لا بدّ من متنفس ، الناس يبحثون عن حلول فكان الذكاء الاصطناعي بمتناولهم ؛ يشاركونه مشاكلهم و “يفضفضون” له بمكنونات قلوبهم .
صرّحت مسؤولة إعلامية تبلغ من العمر 29 عامًا، أنها تفضي يوميًا بمكنونات نفسها إلى ChatGPT. في البداية، كانت تستخدمه للحصول على نصائح عملية: خطط السفر أو وصفات للطبخ. لكن سرعان ما تغيّرت وظيفته لديها . تضيف هذه الشابة : «بالنسبة لي، أصبح مثل دفتر يوميات أروي له كل تفاصيل حياتي، ليس لأحصل على جواب دقيق، بل فقط لأعبّر عمّا بداخلي».

بدأ عدد الأشخاص حول العالم ، مثل هذه الشابة يزداد ؛ من بين الذين يقومون بنسج علاقة قوية مع الآلة. هذا النوع الجديد من العلاقات يثير إعجابًا بقدر ما يثير الخوف من تداعيات كثيرة نذكر منها :
خطر العزلة، معلومات حساسة، أخطاء في “التشخيص” وأمور متعددة.
يراقب المتخصصون في الصحة النفسية هذا التطور بتحفّظ. وعليه تؤكد فانيسا لالو، وهي أخصائية نفسية متخصصة في الاستخدامات الرقمية: «من جهة، لا يمكننا الادعاء بأن ChatGPT رائع وسيحل محلّ الأخصائيين النفسيين. ومن جهة أخرى، لا يمكننا أيضًا معارضة هذه الاستخدامات التي تنتشر على نطاق واسع، لأننا نخاطر بفقدان المرضى إن نحن قمنا بالحكم عليهم».
و لكن وعلى الرغم من أن الذكاء الاصطناعي لا يمكنه أبدًا أن يحل محلّ الوجود البشري، إلا أنه قد يقدم فوائد في حال استُخدم بذكاء وبشكل محدود. بالنسبة للبعض، يسهل ChatGPT التعبير عن المشاعر، بل وقد يشكّل خطوة أولى نحو العلاج النفسي الحقيقي. تضيف فانيسا لالو: «هناك أناس ما زالوا يخشون الذهاب إلى الأخصائي النفسي. لذا، قد تكون هذه خطوة أولى يدرك فيها المرء أنه بحاجة للبوح بما في داخله». وغالبًا ما يُوجّه الذكاء الاصطناعي المستخدمين لاحقًا إلى مختصّين.

أمّا الأخصائي النفسي والمعالج النفسي جان بول سانتورو فيقول: «مجرد كتابة المشاعر، حتى لو كان الشخص بمفرده، على ورقة أو لوحة مفاتيح الحاسوب، قد يكون له أثر إيجابي . فهو يساعد الشخص على وضع مشاكله في حيّز اللغة». ويرى المحلل النفسي ميكائيل ستورا أن من يتوجه إلى ChatGPT يبحث غالبًا عن أجوبة سريعة وبسيطة وليس عن علاج طويل الأمد : «الناس لا يريدون دائمًا فهم ما يحدث لهم، بل فقط إيجاد حلول . وغالبًا ما تكون هذه الحلول بديهية، تشبه النصيحة من مثل : اخرج قليلاً، مارس نشاطًا يدويًا…». لكن العلاج النفسي لا يقدّم أجوبة جاهزة، بل يساعد المريض على طرح الأسئلة الصحيحة والدخول في مسار تغييري. هذا المسار، ولو طال، فإنه يحدث الفرق الحقيقي.

ومع ذلك، يمكن للذكاء الاصطناعي أن يوفّر دعمًا عاطفيًا محدودًا إذا استُخدم بشكل معتدل. تقول فانيسا لالو: «قد يكون من المفيد وجود هذا “التعاطف الزائف”، الذي قد يتأخّر البشر في إظهاره. حتى وإن كان واضحًا أنه تعاطف مصطنع خلقته الآلة». ويقارن جان بول سانتورو هذا الارتياح بما يمكن أن يمنحه صديق لطيف: «مجرد وجود مساحة للكلام يمكن أن يكون له أثر علاجي، مع أي شخص». أما أوليفييه دوريس، الأخصائي النفسي السريري، فيرى أن للذكاء الاصطناعي إمكانات مهمة إذا استُخدم كوسيط علاجي: «تمامًا كالعجينة pâte à modeler التي تُستخدم مع الأطفال، أو كوسيلة لطرح مواضيع حساسة في الجلسات العلاجية».

في هذا السياق لا بد و أن يذكر خطر “تأثير المرآة” على الشخص الذي يبدو و كأنه يكلم نفسه .
إذ من أبرز المخاطر – إلى جانب مسألة أمن البيانات – ما يُسمى “تأثير المرآة”. فالذكاء الاصطناعي مثل ChatGPT، مصمم ليتوافق مع كلام المستخدم، قد يعكس صورة مشوّهة للواقع. يقول جان بول سانتورو: «الصديق الحقيقي لا يوافقك دائمًا، بل هو من قد يقول لك: لقد أخطأت. أما المرآة الرقمية، فلا تفعل سوى تأكيد ما تقول». وتؤيّد فانيسا لالو هذا الرأي: «هذه الذكاءات الاصطناعية لن تغضبك، ولن تقول شيئًا ينبع من تفكير معقد وهذا هو الخطر الحقيقي».

هذا “المنطق التأكيدي” قد يضرّ أيضًا بالمتابعة العلاجية لاحقًا. يوضح ميكائيل ستورا: «عندما يقول المعالج شيئًا لا يريد المريض سماعه، عندها يبدأ العلاج الحقيقي. الذكاء الاصطناعي يوفّر راحة زائفة. ومن يعتاد عليها قد يتفاجأ عندما يتعامل مع معالج بشري». أما العزلة، فهي ليست نتيجة استخدام الذكاء الاصطناعي بحدّ ذاته، بل قد تكون غالبًا انعكاسا لوحدة موجودة أصلًا. تقول فانيسا لالو: «هذه الاستخدامات تلبّي حاجة إنسانية أساسية: أن يُسمع المرء.
الذكاء الاصطناعي لا يجعل الناس وحيدين، بل المجتمع هو من يبعدهم عن بعضهم البعض». ومع ذلك، فإن لبعض الفئات المهمّشة بالفعل، يكمن الخطر في أن وهم التواصل قد يعمّق العزلة ويؤخر الوصول إلى العلاج النفسي الحقيقي.
وعلى الرغم من صعوبة تحديد من هم الأشخاص الذين يلجأون إلى ChatGPT تحديدًا، يتفق الأخصائيون الذين أدلوا برأيهم على أمر واحد:
نجاح هذه الذكاءات الاصطناعية في المجال النفسي ، يكشف خللاً في السياسات العامة للعلاج النفسي في كل أنحاء العالم و هناك نقص صارخ في مراكز الطب النفسي و ندرة في الحصول على متابعة بأسعار مقبولة. لذا نجد أن الأشخاص الذين يعانون من هشاشة نفسية ، هم الأكثر توجهًا نحو الذكاء الاصطناعي، خاصة من يعيشون في فقر اجتماعي واقتصادي شديد، بسبب نقص الإمكانيات».

في المحصلة نستطيع أن نقول أن الصحّة النفسية ما تزال مهمّشة و لا يتم التعامل معها بجديّة . عندما يعاني شخص ما، يمكن أن يضيع وقتًا طويلًا دون أن يلاحظ أحد معاناته. يقضي الليالي على المنتديات، يرسل إشارات استغاثة يصعب فهمها ، هذه الاستخدامات ليست عبثية بتاتا بل على العكس تتضمن إشارات عديدة . تبقى الإجابات مفتوحة، لكن الأكيد هو أنه خلف كل سطر برمجي، هنالك حاجة إنسانية شديدة للتعبير. الحاجة لأن يتم الاستماع إلى الإنسان المعذّب والذي يعاني بصمت … حتى و لو من قِبل آلة ، نحن في مكان متوسط بين العزلة و بين معاشرة الناس والاختلاط ، ولكن هناك من يفضّل عدم الاختلاط ويهرب من صخب المجتمع ، فها هو الشاعر الراحل محمود درويش يقول : ” لقد ادمنت العزلة” . ففي حين يشكو كثير من الناس من الوحدة يمجّدها محمود درويش : ” ربيّتها وعقدت صداقة حميمة معها فالعزلة هي أحد الاختبارات الكبرى لقدرة المرء على التماسك وأشعر بأنني اذا فقدت العزلة ، فقدت نفسي .”
في المقلب الاخر هناك اشخاص لا يستطيعون العيش من دون علاقات وصخب واجتماعيات والتواصل مع عدد كبير من الناس بينما يبقى الشعراء والفنانون والحالمون يؤثرون العزلة على أي شيء آخر فهي مصدر الإلهام والخلق والكتابة والرسم والنحت والفن في أجواء هادئة تسمح للمفكر أن يعيش على هواه في عالمه الخاص من دون تاثيرات خارجية .

*كاتب و باحث

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى