أدب وفن

إلهي…مجموعة قصائد بقلم العلامة الشيخ حسين أحمد شحادة

إلهي
ما لي أراني أبحث عني
فاتحاً كنوز الأرض
بشهوة تخنقني
ويخنقها الصدأ
أجاهد الماء
فأرى صورتي بلون الماء
تفسرّ الماء بالماء
فيطاردني الهبوط
فأرتمي بين شرق وغرب
كمثل الراية المكسورة
بين أصابع الأزمنة
فأمشي بوحدتي
على عكاز الخطيئة
وقد فاتني القطار
أرى الدم اليمني بأحجار العقيق
وأرى الدم البابلي
في النهر الغريق
يجرّ قوافل المدن السبايا
وها رأيت الفرات يتمطى
بجنائز بلقيس
وجنائز العابرين إلى قدس المنافي
كلمّا انتظرت أوائل القمر
كلمّا انتظرت غبار الطريق
خرجت من أضلعي
جياد اللغة الهاربة
من أحرف القضاء والقدر
غفرانك
ولَم أزل يا إلهي
وأنا طريد الجنّة
أفتح للضوء
لشبابيك صلاتي
ممرات لأدمعي الصاعدة
إلى أحزان الغرباء
رحماك
ولَم أزل يا إلهي
أنا الحيران
بمزامير القدس
في كل غريب

🌾

إلهي
وقيل تصوّفت
لكنها الغربة تقيم بعينيّ
كدهشة السؤال
عند كل خطوة من خطواتي
وعند كل نهاية
تجرّ قلبي إلى بدء اللغة
وليس لي سوى قمر الحبّ
وزهرة العفّة التي ربيتها
في أخدار صيامي
تلهمني أسرار الحياة
تنوّرت في مخيلتي
فإذا بي
ليس لي في طريق الرجوع إليك
سوى عيوبي
وغيوب جمرتي الوردية
تسافر في يدي
وليس لي يا إلهي
سوى شميم الأزهار التي
غرستها تحت عينيك
وأراني لا أذكر منها
في غيهب العمر
إلاّ حنيني إليك

🌾

إلهي
بيني وبين السلام
حزني
وخطوتان
وحفرة لا تعرف ما معنى السلام
أوصدت بابي
لإفشاء روحي كما تشاء رغبتها
وأدركني الصيام
تقولين احتجب
إذا التبس الخيط الأبيض بالخيط الأسود
من كل الجهات
وضلّ عني ما يفتريه الظلام
غفرانك
وانبلجت سماء تكلمني
فتحت لها في حنايا الصدر
محراباً للصمت
فأينع بالتلاوات
وانكشف الغطاء
لترتيب صورة وجهي بين منازلها
وقلبي يسترقّ السمع على قلبي
ماذ سيفعل هذا الغريب
ومن يواسيه في لياليه اللابسة
جروح الزمان …
إلهي
لك البقاء
وليس لي سوى فاتحة الكتاب
تؤانسني كما لو أنها مدينة الروح
تمدّ بساطها لسلام الأرض
وأنا في انتظارها
يهفو حلمي
لنوارة تليق بها
ما أوجع السؤال
ما أوجع القلب بغير حبّ
لا يرتدي هذا الحجاب
وَيَا قمري الضيّق
في متاهاتي
ثمة ضوء يذوب في جسدي
أتقرّى عطر الفجر قبيل الفجر
فأغفو بيني وبيني
وأغسل لؤلؤة قلبي
لتدخل في عروقي أزهار الحبّ
فيكسوني الإسم الرحيم
فأسعى وبين يديّ
زنبقات الضوء بلا أشواك
ولا أحتاج في بوح صلاتي
إلى صلاة تسقط
في حفرة وحشية
تخاصر هذه الأرض الحزينة

🌾

إلهي
لك الغيب والأمر القدير
خلقتني كلمح البصر
بمفرداتك الخالقة
فاشتعلت بسرّك الجميل
وأضواني الحبّ
واشتدّ بعينيّ
فأخرجتني من أكمام اللغة
لأبصر الضوء الذي
يرسم لي طريق الكلمة
وهرعت بصرختي
أعدو إلى قدوس وجهك
كطفل حديث الولادة
وكيف لي
في مهبّ الولادة
وقد هيأت الأضاحي
لوردة أسوقها للذبح
في غلس الختام
ومشيت خلف من سبقوني
بلا عينين
فأعماني الزمان
أركض وحدي بهذا السراب
لا سرابيل تقيني بأس المسافة
ولا سرابيل تقيني بأس الظلام
إلهي شكوت
لا أعرف القتل
من بدايات هابيل
وحمحمات الموت الغريب
وليس لي بين الضفتين
متسع لأدمع النهر
تذكرّت هبوط كوكبي
بمقلتين من غيم وغربة
وتجمعّت في كتاب صلاتي
أتوب إليك أتوب إليك
وليس بين وهد ونجد
سوى قمري القتيل
فاض بي الحبّ
غلبني الحبّ
واستقرّ دمي على هواك
يهزأ بي الوقت
والحلم المستحيل
وأنا تحت القباب الحزينة
كمن يمدّ ذراعيه
لسرير السلام البعيد
أنا الغارق
في ليل الخطايا
وأنا الأعمى يا إلهي
ألوذ بحبّك
في يوم الحشرّ
غريباً سآتي إليك
فلا تحشرني بلا عينين

🌾

إلهي
عركت اللغة
بمجازات الماء الراكد
على حدود ينابيعنا الواقفة
لم يزل نوح الأنهار والبحار
يحفر في الألواح
أقداس أحلامي
ولست عليماً بتفسير رؤياي
حين تسقط أشلاؤها
في قبضة الوقت
وها يصافحني الغياب
فيزهر في قلبي وجع المحراب
ضاق صدري
بما يقول المرجفون بإسمك
فاكفني شرّ الألقاب
وشرّ الوجوه المستعارة
وقبل أن يسدل الستار
على كلامي الأخير
أشتهي أن أسند رأسي
فوق حزني
فأروي له حكاية الجودي
وحكايا الخراب الذي يلد الخراب
وأشتهي يا إلهي
أن أسند رأسي فوق قلبي
فأروي له
حكاية الطائر الذي سوف يأتي
بسماء لا تغرق
🌾

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى