التشابه الثقافي في الأمثال العربية والصينية – الفصل الثاني
بحث للباحث والمفكر البروفيسور تشو ليه سليمان الصيني رئيس جامعة الدراسات الدولية في بكين
وكانت “حصاد الحبر ” نشرت الفصل الأول من البحث الذي يشرح التقارب الثقافي الصيني العربي والامثلة بخصوص الكتاب وما يعنيه بين الثقافتين، واليوم تنشر “حصاد الحبر الفصل الثاني، يتحدث عن تهذيب النفس والأخلاق، وعن الصدق في المعاملة والإلتزام بالوعود.
تهذيب النفس والاخلاص والالتزام بالوعد
ان الدعوة الى تهذيب النفس والاخلاص والالتزام بالوعد من الأخلاق الحميدة التقليدية للأمة العربية والأمة الصينية، وهي عنصر من العناصر التي تتكون منها نفسية الأمتين العربية والصينية وطبيعتهما. فهي تؤثر منذ القدم حتى اليوم في حياة الشعبين العربي والصيني الواقعية وتقيدها. فالعرف الأخلاقي السائد للمجتمع يتوقف على الوعى الأخلاقي والمستوى الأخلاقي لأفراد المجتمع. إن الأمتين العربية والصينية تهتمان اهتماما بالغا برفع الوعى الأخلاقي للجماهير وتتمسكان بمبادئ تهذيب النفس والانضباط الذاتي. فعبرت الأمثال العربية والصينية عن هذه الأفكار في الحذر في الكلام وتصحيح الأخطاء والاعتدال في الرغبات والشهوة والتواضع وتوبيخ التكبر والاخلاص والالتزام بالوعد وغيرها.
الحذر في الكلام يعني أن الكلام يجب ان يكون بعد التفكير الدقيق ويكون بسيطا واضحا ذا أساس وأن الصمت خير من الكلام وأن قلة الكلام خير من كثرته وأن الكلام العشوائي مصدر الحقد والكارثة. المعروف أن الأمة العربية تشتهر بفصاحة اللسان ورغم ذلك تدعو الى الحذر في الكلام والى أسلوب اللياقة واللباقة فيه حتى يحتفظ المتكلم على شخصيته السليمة المكتملة.
الأمثال العربية التي تعبر عن فكرة الحذر في الكلام كثيرة، منها:
اذا كان الكلام من الفضة فالسكوت من الذهب
.اياك وأن يضرب لسانك عنقك.
خير الكلام ما قل ودل.
سلامة الانسان في حفظ اللسان.
الصمت يكسب اهله المحبة.
قلب الاحمق في فيه ولسان العاقل في قلبه.
أما الشعب الصيني فيدعو الى التواضع والحذر في المعاملة والى الدقة والانضباط في السلوك والحياة ويرى أن ” تجليخ بقع الحجر الكريم أسهل من تصحيح الأخطاء في الكلام” وأنه ” على الانسان أن يكبح نفسه في الكلام” وألا يترك لسانه ينطلق وألا يبالغ في الكلام وألا يكسب محبة الآخرين بالمراوغة ويعتبر الحذر في الكلام عنصرا مهما للنجاح في العمل.
والأمثال الصينية التي تعبر عن فكرة الحذر في الكلام كثيرة أيضا، منها:
رب سكوت ابلغ من كلام.
ان البلاء موكل بالمنطق.
كثرة الكلام يسبب عثرة اللسان.
اجعل فمك صامتا كالأنف لا تخطئ طول الحياة.
خير الكلام في قلته وخير البقر في كثرته.
اللسان أقوى من السيف.
إن تصحيح الأخطاء مسألة أكثر ما يواجهها التهذيب الأخلاقي. لا يمكن للانسان أن يتجنب الأخطاء نهائيا، ولكن المهم أن يصحح الأخطاء بوعيه. واعتقد العرب والصينيون أن الانسان اذا أخطأ يجب عليه أن يعترف بخطئه بشجاعة ويصححه بجدية. فهذا موقف ايجابي واقعي. الانسان المهذب لا يعني الانسان الذي لا يخطئ بل يعني الانسان الذي يخطئ ويصحح ولا يكرر خطأه. والخطأ الحقيقي هو أن يخطئ الانسان ولا يصحح. ونستطيع أن نجد أمثالا عربية وصينية تعبر أيضا عن روح الجرأة على الاعتراف بالأخطاء وقبول النقد الصائب بالرضا وتصحيح الأخطاء ومن هذه الأمثال أمثال عربية:
الاعتراف بالذنب فضيلة.
أترك الشر يتركك.
الاعتراف يهدم الاقتراف.
النقد صابون القلب.
الرجوع الى الحق خير من التمادى في الباطل.
ومن هذه الأمثال أمثال صينية:
من يعترف بخطئه ويصححه لا يعتبر مخطئا.
العذر اقتراف آخر.
كسب ثقة الآخرين بالاخلاص وتصحيح الأخطاء بالأمانة.
الدواء المر صالح للعلاج والنقد اللاذع صالح لتقويم السلوك.
الرجوع من الخطأ كالتوصل الى الحق.
ان الاعتدال في الرغبات والشهوة مبدأ من مبادئ التهذيب الأخلاقي. الأمتان العربية والصينية قد دعتا منذ العصورالقديمة الى فكرة الاعتدال في الرغبات والشهوة، تريان أن الرغبة في المادة مصدر الشر. فالانسان لا يمكن أن يكون عاقلا وهادئ النفسية الا اذا كان تاركا الرغبات والشهوة او معتدلا فيها. ومن لا يؤمن بذلك فمصيره الهلال. الحقيقة ان اللعتدال المعقول في الرغبات والشهوة تهذيب أخلاقي وتقوية للارادة, فللانسان شهوة منذ ولادته ولكن يجب أن تكون الشهوة معقولة ومعتدلة, وكل تصرفات الشخص لا يمكن أن تتجاوز العرف الأخلاقي للمجتمع، والانسان ينبغي أن يكون عاقلا أمام المصلحة والشهوة. ان هذه المفاهيم انعكست عنها الأمثال العربية.
انعكاس مفهوم الاعتدال في الرغبات و الشهوة في الأمثال العربية
خالف هواك ترشد.
رب شهوة أورثت حزنا طويلا.
من ترك الشهوات عاش حرا.
هلك من تبع هواه.
الطمع في المال عار.
تقطع أعناق الرجال المطامع.
كما انعكست عنها الأمثال الصينية أيضا.
انعكاس مفهوم الاعتدال في الرغبات و الشهوة في الأمثال الصينية
من يترك شهوته يهدأ قلبه.
من يسع وراء الشهوات تقترب كارثته.
الصيت قفل يحبس من يسعى وراءه والمصلحة نار تحرق من يسعى وراءها.
الشهوات تهلك من يسعى وراءها.
السمك الذي يشتهي الطعم يهلك.
من يتمن راحة النفس فعليه أن يترك الشهوات.
الدعوة الى التواضع وتوبيخ التكبر من المواقع الايجابية في الحياة، وذلك يعني الاعتراف بذكاء وقدرة ومساهمات الجماعة والفرد، كما يعني عدم الرضا بالنفس. إن الوعظات مثل ” الغرور يسبب الخسارة والتواضع يأتي بالنعمة”، ” لا تكن متكبرا بنفسك”، ” لا تكن مقتنعا بما توصلت اليه”، ” لا تكن مغرورا بفواضلك”، ” كن راضيا بكونك رجلا عاديا” أدت على مرور السنوات الطويلة الى تكوّن الأخلاق التقليدية المجيدة للأمة الصينية مثل التواضع والتحذر والأمة العربية تتمتع بنفس الأخلاق التقليدية المجيدة. ففي رأي العرب والصينيين ان الذي يكون متواضعا ومتحذرا لا يتعرض لحسد الآخرين، ان المتكبر يحقده الناس ولن يحظى بالثناء والمدح، وان التواضع من أشرف الصفات.
ومن الأمثال العربية التي تعبر عن الدعوة الى التواضع وتوبيخ التكبر ما يلي:
التكبر قائد البغض.
كل نعمة يحسد عليها الا التواضع.
لا حسب كالتواضع.
رأس الجهل الاغترار.
ليس لمختال في حسن الثناء نصيب.
المغرور كالطائر كلما ارتفع في السماء صغر في عيون الناس.
و من الأمثال الصينية التي تعبر عن الدعوة الى التواضع وتوبيخ التكبر ما يلي:
التكبر يسبب الخسارة والتواضع يأتي بالنعمة.
المتكبر يهلك نفسه.
على العالم أن يتجنب التكبر والانطواء.
التواضع يجعل الانسان يتقدم والغرور يجعل الانسان يتأخر.
لا يعرف الناجح الا الاجتهاد والتواضع.
التواضع دليل الحكمة والذكاء.
ان الاخلاص والالتزام بالوعد هما من المتطلبات الأخلاقية التي لا يمكن لأي مجتمع أن يخلو منها، ومبدآن أساسيان للتعامل البشري. وفي رأي لو تسي العالم الصيني أنه على الانسان أن يختار منزلا متواضعا وأن يحتفظ على راحة البال وأن يعامل الناس بالأمانة والمحبة وأن يلتزم بالوعد وأن يكون مبسطا حكيما في الادارة وأن يكون معتمدا على ما يجيده في معالجة الأمور وأن ينتهز الفرص في اتخاذ الاجراءات. وفي رأي ليه تسي ان المخلص الملتزم بالوعد يستطيع أن يؤثر في المخلوقات حتى السماء والأرض والالاه والجن فلا يجد من يعارضه في الدنيا. فالاخلاص والالتزام بالوعد مبدأ السلوك الذي يمجده الشعب الصيني والأمة العربية أمة تدعو الى الاخلاص والالتزام بالوعد، وترى أيضا أن أكبر عيب للرجل خلف الوعد، وأن عدم الاخلاص من أكبر الخطايا التي يجب على الانسان أن يتجنبها فالاخلاص شريف والكذب بغيض، وأن علامة الود هي الاخلاص، وعلى الأصدقاء أن يصرحوا كل ما في قلوبهم. فهذه الأفكار الحميدة نراها في الأمثال العربية بوضوح.
الإخلاص و الإلتزام بالوعد في الأمثال العربية
آفة المروءة خلف الوعد.
الاخلاص له بريق ولمعان وان عميت عنه آلاف العيون.
الزمانة عدم الأمانة.
من عاش بوجهين مات بلا وجه.
وعد بلا وفاء عداوة بلا سبب.
وعد الكريم ألزم من دين الغريم.
الإخلاص و الإلتزام بالوعد في الأمثال العربية
ليس أمينا من يخالف الوعد
.الاخلاص له نور مثل نور الشمس والقمر.
الأمانة لا تشترى بالذهب.
الأمانة أساس الحياة.
لا يهدأ بال من لا يفى بالوعد.
الذي يشير الى أخطائى صديق حميم لي.
ومما ذكرنا تأكدنا مرة أخرى ان التهذيب الأخلاقي والاخلاص والالتزام بالوعد من الاخلاق والأفكار الحميدة لأمتينا العظيمنين. وان هذه المفاهيم والأفكار الأخلاقية ظلت تلعب دورا ايجابيا في تشكيل جو سليم للمجتمع وفي توعية أخلاق الجماهير.
*حقوق النشر و الطبع محفوظة لصالح الباحث و يرخص بالنشر عبر موقع مجلة حصاد الحبر اللبنانية من قبل الباحث ومركز الشرق الأوسط للدراسات و التنمية