واقع جراحات القلب في لبنان والعالم في العام 2022 :واقع جراحة زراعة القلب عند البالغين في فرنسا حالياً(الجزء السادس والعشرون)
واقع جراحات القلب في لبنان والعالم في العام 2022 :
واقع جراحة زراعة القلب عند البالغين في فرنسا حالياً
(الجزء السادس والعشرون)
نستكمل اليوم الإبحار في عالم جراحة القلب والشرايين في لبنان والعالم في العام 2022، وسيكون موضوع حديثنا اليوم هو واقع جراحة زراعة القلب عند البالغين في فرنسا حالياً. وسوف تستند هذه المقالة بشكلٍ اساسي الى دراسة نشرتها الأكاديمية الوطنية للطبّ في فرنسا بتاريخ 10 كانون اول/ديسمبر 2020, حول واقع جراحة زراعة القلب عند البالغين في العام 2020. وقد قمت بالإطلاع على هذه الدراسة واجريت بحث شامل حول آخر واهم المعطيات حول هذا الملف واهم ما وصلت اليه هذه الجراحة حتى تاريخ اليوم. علماً اننا لا نزال نعيش حالياً بعض تداعيات “جائحة كورونا” التي اثّرت بشكلٍ خطير على كل القطاعات الطبية وعلى عمل مُعظم مراكز جراحة القلب في العالم وكذلك في فرنسا، نتيجة إستعمال اسرّة العناية المُركّزة الموجودة في مُعظم المستشفيات من اجل إستقبال وعلاج الأعداد الهائلة من المرضى الذين احتاجوا الى هكذا اسرّة طيلة الفترة الماضية. خاصةً وان هذه الجائحة ادّت ايضاً خلال السنوات الثلاثة الفائتة إلى إنشغال كل السلطات الصحية ومراكز الأبحاث ومُختبرات تطوير الأدوية وغيرها من التفنيات الطبية في معظم بلاد العالم في علاج تداعيات إنتشار هذا الفيروس، مما ادّى الى تراجع كبير في عمل معظم الأقسام الطبية واخّرَ الكثير من التجارب السريرية ومسار الأبحاث في شتّى الإختصاصات الطبية ومنها القلبية بشكلٍ خاص.
١-مقدمة:
لا تزال زراعة القلب هي العلاج المرجعي الأوّل والأساسي لمرض قصور او فشل القلب في المرحلة النهائية او المُتقدّمة للعلاج الطبي الأمثل، مع مُتوسّط عُمر بعد الزراعة يصل الى حوالي 12 عاماً تقريباً. ومع ذلك يميل عدد عمليات زراعة القلب الطبيعي حالياً في فرنسا إلى الإنخفاض. وهناك عدم تطابق بين عدد المرضى المُتلقّين وعدد المُتبرّعين. في هذه المقالة نستعرض مُؤشّرات وموانع زراعة القلب في فرنسا، الحالات التي تستدعي هكذا عمليات وكيفية إجراء عملية الزرع، المضاعفات التي تحدث أثناء المُتابعة وتوصيات الأكاديمية الفرنسية بالنسبة لمستقبل هذه الجراحة . علماً ان السلطات الصحية الفرنسية حريصة بشكلٍ دائم على ان يتمّ فحص شروط إدارة وعلاج مرض قصور القلب الحادّ بشكلٍ أفضل على جميع أنحاء التراب الوطني بهدف تحسين عرض زراعة القلب على كامل الأراضي الفرنسية، وهي في صدد مناقشة إستخدام الطعوم (القلوب) المأخوذة من المرضى الذين ماتوا بعد توقّف الدورة الدموية عندهم Donation after) (Cardiac Death: DCD من اجل اخذ القرار المناسب حيال هذه القضية التي لا تزال تطرح إشكاليات طبية، اخلاقية، فلسفية ومعتقداتية مُعقّدة.
٢-بعض الأرقام والإحصاءات الحالية في فرنسا: إن البحث عن موانع جراحية نهائية أو مُؤقّتة، وصقل تقييم ما قبل الزرع، والتحكّم في الفعل الجراحي ونتائج التدخّل الجراحي نفسه، وجميع بروتوكولات ترسانة الأدوية المُتاحة لمحاربة الرفض ادّت الى أنّ مُتوسّط البقاء على قيد الحياة بعد زراعة القلب هو حالياً 12 سنة تقريباً.
وقد أدّى عدم التوافق بين عدد المُتبرّعين والمُتلقّين إلى الإستخدام المُطوّل أو النهائي لأجهزة المساعدة الميكانيكية للدورة الدموية، بما فيها القلب الإصطناعي الكامل، كما ذكرنا في الأجزاء السابقة من هذا الملف.
ويتمّ حالياً إجراء عمليات زراعة القلب في فرنسا في 24 مركزاً.
من بين هذه المراكز، هناك 18 مركزاً لديها رخصة او تصريح زرع قلب عند البالغين، 4 مراكز يتمّ فيها الزرع عند البالغين والأطفال، ومركزين فقط للأطفال.
ويوجد مركز واحد على الأقل لكل منطقة من المناطق الإدارية الفرنسية.
وقد تمّ في فرنسا إجراء 471 عملية زراعة قلب على التوالي في عام 2015، و 477 في عام 2016، و 467 في عام 2017، و 450 في عام 2018،
و 425 عملية في عام 2019.
ويحتلّ مركزي مستشفى ال (Pitié Salpetrière) و (Bichat-Claude Bernard) في باريس المركزين الأوّل والثاني بالنسبة لعدد عمليات الزرع التي يتمّ إجراؤها سنوياً، ويليهما مركز Lyon في الجنوب و Lille في الشمال
و Bordeaux في الجنوب الغربي.
وقد بلغ عدد المُرشّحين الجُدد المُسجّلين على قائمة الإنتظار 622 مُرشحاً في عام 2015 ؛ 574 في عام 2016 ؛ 546 في عام 2017 ؛ 627 في عام 2018 و 573 في عام 2019 (مع الأخذ بعين الإعتبار لتداعيات جائحة كورونا التي بدأت بالإنتشار الكبير في تلك السنة)، وبالتالي فهذه الأرقام تتجاوز عدد القلوب المُتاحة بشكلٍ كبير.
وفي عام 2019، كان 35 ٪ من المرضى يستفيدون من اجهزة الدعم الميكانيكي للدورة الدموية، و 14.5 ٪ تحت علاج بواسطة العروق من اجل زيادة قوّة عضلة القلب في وقت التسجيل على قائمة الانتظار. وهناك حوالي 13٪ من المرضى الذين يتوفون للأسف لأنهم لا يخضعون لعملية زرع في العام التالي للتسجيل على قائمة الانتظار.
وبالتالي، في حين أن عدد مراكز زراعة القلب بالنسبة للسكان أكبر في فرنسا منه في البلدان المُجاورة والطلب مُستقرّ، فإن النشاط يميل إلى الإنخفاض بسبب نقص عدد المُتبرّعين والإزدياد الدائم في عدد المرضى على قوائم الإنتظار.
هذا واعلنت الأكاديمية الوطنية للطب انها ترغب من وراء هكذا تقارير في تقييم الحالة الحالية لزراعة القلب في فرنسا من أجل النظر في التنظيم الأمثل وتوضيح الآفاق المستقبلية.
٣-الحالات التي تستدعي زراعة القلب عند البالغين:
تُعتبر زراعة القلب الطبيعي من خلال التوصيات الدولية “العلاج الأمثل او المرجعي” لمرض قصور او فشل القلب في نهاية مرحله، اي بعد إستنفاذ كل الوسائل والوسائط العلاجية كما شرحنا في مقالات سابقة. ويليه تحسّن كبير في مُتوسّط العمر المُتوّقع ونوعية الحياة والقُدرة على مُمارسة الرياضة عند المرضى الذين تم اختيارهم بعناية من اجل الإستفادة من هكذا عمليات.
ويبقى قصور القلب في مراحله المُتقدّمة والذي يتفاقم تدريجياً على الرغم من “العلاج الطبي الأمثل” هو السبب الرئيسي لإجراء هكذا عمليات.
ويبقى تصنيف جمعية نيويورك لطب القلب (New York Heart (Association : NYHA هو التصنيف الأكثر إستخداماً لتعريف قصور القلب المُتقدّم، بحيث يتمّ تصنيف المرضى على عِدّة درجات من الخطورة بالنسبة لضيق التنفس والقيام بالجهد، من الدرجة الأولى الى الرابعة في هذا التصنيف وهي الأكثر خطورة. لكن مُعظم الفُرق الطبية تعتمد ايضاً على تصنيفات اخرى مثل “درجات المخاطر نتيجة فشل القلب”:
(Heart Failure Survival Score)
او مُؤشّر “سياتل”: (Seattle score) وتصنيف (Intermacs) – خاصة عند مُناقشة إستعمال وسائل الدعم الميكانيكي لعضلة القلب قبل الزراعة القلبية، وذلك لتشفير شِدّة قصور القلب قبل العملية. وهو تصنيف يأخذ بعين الإعتبار عدّة عوامل هي: وجود حالة صدمة قلبية مُقاومة لكل انواع العلاج، قصور قلبي يزداد سوءًا على الرغم من الجرعات المُتزايدة من مُقوّيات التقلّص العضلي في الوريد
(الأدوية المُساعدة في زيادة قوّة عضلة القلب)، الإستعمال المُستمرّ والمُستقر للأدوية السابقة دون إمكانية إيقافها، وجود أعراض قصور القلب في حالة الراحة، عدم القُدرة على مُمارسة الرياضة، عدم القدرة على القيام بجهد محدود واخيراً تصنيف المريض بأنه في الدرجة الثالثة من تصنيف جمعية نيويورك لطب القلب (NYHA Class (III.
يجب أيضاً إعلام المرضى عن ما سيحدث لهم بعد العمل الجراحي، وشرح كل تفاصيل تلك المرحلة الصعبة وتحفيزهم على قبول ذلك والإلتزام به بشكلٍ دقيق لأهمّيته، بسبب المُتابعة المُرهقة بعد الزرع، وإبلاغهم بوضوح بالقيود الناتجة عن ذلك، وفهم ما اذا كانوا قادرين على الإمتثال لكل هذه الضغوط والقيود.
وفي الغالبية العظمى من الحالات، يكون مرض القلب الأساسي الذي يستدعي اللجوء الى زراعة القلب، إما إعتلال عضلة القلب مع اتساع غُرف القلب (Dilated cardiomyopathy) أو قصور القلب الناتج عن مشاكل في شرايين القلب (Ischemic (cardiomyothy. ومع ذلك، يمكن ايضاً وجود حالات مرضية اخرى نادرة تستدعي زراعة القلب مثل حالات إعتلال عضلة القلب الضُخامي (Hypertrophic cardiomyopathy)، أو إعتلال عضلة القلب في الفترة المُحيطة بالولادة (Post partum (cardiomyopathy، أو أمراض عضلة القلب المُقَيِّدة (Restrictive cardiomyopthy)، أو مرض الحثل العضلي الدوشيني Duchene) (muscular dystrophy مع إصابة القلب أو في النهاية إلتهاب عضلة القلب الحادّ الخاطف (Fulminant myocarditis).
٤-تقييم المريض ما قبل الزراعة:
كما في حالة تركيب الأجهزة الميكانيكية لمساندة عضلة القلب، يتمّ إجراء التقييم قبل زراعة القلب، في مستشفى جامعي او في مركز جراحة قلب مُعتمد من اجل زراعة القلب وفيه “فريق قلبي” (Herat team) مُتعدّد التخصّصات ومُدرّب على إدارة ومُتابعة شؤون المرضى الذين يُعانون من قصور القلب المُتقدّم.
هدف هذا التقييم هو معرفة ما إذا كان قد تمّ تقديم الرعاية الطبية المثلى للمريض الذي يتمّ دراسة ملفه، التأكُّد حول مُسبّبات مرض القلب الذي يُعاني منه، البحث عن سبب مُحتمل أو عامل تفاقم قابل للعلاج عنده، تحديد فترة العمر المُتوقّع لديه، البحث عن موانع نهائية أو مؤقتة للزرع وتقييم مخاطر العملية الجراحية عنده بدقّة.
وقبل العملية يجب قطعاً البحث عن حالة “إلتهابات أو عدوى مُتداخلة” ليتمّ علاجها منهجياً بشكلٍ جذري.
ويجب ايضاً إجراء الفحوصات المورفولوجية للجهاز الهضمي (التنظير الليفي المريئي والإثني عشر، ماسح القولون أو تنظير القولون) للبحث عن الأسباب المُحتملة للنزيف (الزوائد اللحمية، السرطانات ، القرحة…) عند المرضى المُعرّضين للخطر، نظراً لوجود خطر مُتزايد من حدوث نزيف هضمي في مرحلة “أثناء او ما بعد الجراحة”. ويجب ايضاً تقييم حالة الرئتين (فحص الرئة، التنظير الليفي القصبي، إختبارات وظائف الجهاز التنفسي) وذلك بهدف البحث عن الفشل التنفّسي المُزمن أو عن سرطان الشعب الهوائية، خاصة عند المُدخنين.
ويبحث التصوير الشعاعي المقطعي المحوري أو التصوير بواسطة الرنين المغناطيسي للدماغ عن وقوع حوادث في الأوعية الدموية الدماغية قبل الجراحة. وتُعتبر أمراض الأوعية الدموية الدماغية “الشديدة” او “الخطيرة” من موانع الزرع.
ويبحث تقييم الأوعية الدموية عن إعتلال او مشاكل في الشرايين المُحيطية شرايين الحوض والأطراف السفلى خاصةً) وهذا ما قد يُشكّل موانع نسبية للزراعة إذا كان شديداً.
كذلك يتمّ إجراء فحوصات المسالك البولية وأمراض النساء بشكلَ منهجي.
اما التقيّيم البيولوجي فيجب ان يكون شامل ويسعى بشكلٍ خاص إلى البحث عن قصور كبدي (ويتطلّب تشخيص تليّف الكبد أحياناً استخدام خزعة من الكبد)، وعن قصور كلوي مُزمن او حادّ، قصور في الغدّة الدرقية، مشاكل وإضطرابات التخثّر والتجلّط في الدم، مُتلازمة خلل المناعة، نزيف غامض، إلتهابات جرثومية او متلازمة “إنتانية” أو إلتهابات لأسباب اخرى غير مُتحكّم بها، عدوى فيروسية نشطة (التهاب الكبد، فيروس نقص المناعة البشرية، HTLV) أو غياب التحصين ضد هذه الفيروسات، وهذا ما يتطلّب التطعيم أو بروتوكول الوقاية قبل وبعد الزرع.
كذلك ويُعدّ البحث عن الأجسام المُضادة لـ HLA منهجياً لمُطابقة المُتبرّع والمُتلقّي بشكلٍ أفضل في حالة وجود هذه الأجسام المضادة.
كذلك ويجب إجراء الإستشارات النفسية والسيكولوجية للبحث عن إضطرابات المزاج او المشاكل والأمراض النفسية التي يصعب تشخيصها غالباً في هذه المرحلة، خاصةً وان وجود هكذا امراض او مشاكل قد يُعيق عملية مُتابعة المريض بعد الزرع كما شرحنا.
كذلك يجب البحث عن وجود سوء التغذية وعلاجه.
وعلى العكس من ذلك، فإن وجود السُمنة المرضية هي موانع نسبية للزرع في حالة وجود مُؤشّر كتلة الجسم اعلى من 35 كجيلوغرام / م 2.
ويجب أن يُؤدّي القصور الكلوي العضوي الخطير أو الذي يتمّ علاجه عن طريق غسيل الكلى إلى مُناقشة إجراء عملية زراعة القلب والكلى في ذات الوقت.
ولا يُعدّ وجود مرض السكري الخاضع جيداً للسيطرة من موانع الزراعة القلبية. لكن مرض السكري الشديد، غير المُنضبط و / أو المُعقّد هو مانع نسبي للعملية. وقد يتعافى فشل الكبد الحادّ بعد تصحيح الصدمة القلبية اي بعد ان يعود القلب الجديد الى القيام بوظائفه بشكلٍ كامل، ممّا يُؤدّي الى تحسّن وظيفة كل الأعضاء بما فيها الكبد والكلى.
من ناحية أخرى، يجب أن يُؤدّي القصور الكبدي المُزمن في نهاية مراحله (اي المتقدّم جداً) إلى مناقشة زرع القلب والكبد المشترك.
ولا يُعتبر تاريخ او سابقة حدوث سرطان تمّ علاجه في السابق مانعاً لعملية الزرع.
ويُمكن أن يُشكّل التعايش بين العديد من الأمراض المُصاحبة المُعتدلة موانع رسمية لعملية الزرع مثل: التقدّم في السنّ، مرض السكري الذي يتمّ التحكّم فيه بشكل سيئ، القصور الكلوي واعتلال او مشاكل الشرايين المحيطة عند نفس المريض، ممّا يُؤثّر بشدّة على مخاطر جراحة الزراعة ويُبطل التدخّل.
ويعدّ قياس ضغط الشرايين الرئوية ودراسة مقاومة الأوعية الدموية الرئوية على الأدوية المُوسّعة لهذه الشرايين أمراً ضرورياً. فإرتفاع ضغط الدمّ الشرياني الرئوي الحادّ (Pulmonay Arterial Hypertension: PAH) عند المُتلقي يُعرّض المريض لحصول خلل في وظيفة البطين الأيمن من بعد عملية الزرع.
ويتمّ الحصول على هذا القياس (اي الضغط قي الشريان الرئوي) عن طريق قسطرة القلب الأيمن، تُكملها الإختبارات الدوائية عندما يكون الضغط الرئوي الانقباضي اعلى من 50 ملم زئبق، أو التدرّج عبر الشريان الرئوي (Trans-pulmonary gradient)
اعلى من 15 ملم زئبق أو مقاومة
الأوعية الدموية الرئوية (Pulmonary Vascular Resistance: (PVR اعلى من 3 وحدات خشبية (Wood Units).
وتشير توصيات الجمعية الدولية لزراعة القلب والرئة ( Internation Society for Heart and Lung (Transplantation: ISHLT إلى أن ان الضغط الشريان الرئوي الإنقباضي اعلى من 60 ملم زئبق، المُرتبط بتدّرج
عبر الشريان الرئوي اعلى من 15 ملم زئبق أو مع ارتفاع في مقاومة الأوعية الدموية الرئوية PVRs مُفهرس اعلى من 5 WU، أو 6 WU لا يستجيب لإختبار العلاجات الدوائية المُوسّعة للشريان الرئوي، بمفردها أو مُجتمعة، ترتبط بخطر كبير للوفاة بعد الزرع وموانع نسبية للزرع.
٥-دور وكالة الطب الحيوي وتنظيم الجهات المُترّعة:
أ- دور “وكالة الطب الحيوي” (Biomedicine Agency):
تمّ إنشاء وكالة الطب الحيوي في فرنسا بموجب قانون أخلاقيات علم الأحياء لعام 2004 ، وهي مؤسسة عامة لا تبغي الربح، ناشطة في مجال زراعة القلب (وغيره من الأعضاء)، مسؤولة عن القائمة الوطنية للأشخاص المُنتظرين (لوائح الإنتظار)، وتخصيص الطعوم (قلوب المُتبرّعين)، وتنظيم عمليات إستئصال ونقل القلوب المُخصّصة للزرع، والتطوير، بالتعاون مع المهنيين، من اجل تحديد قواعد توزيع القلوب المُتوفّرة، وتقييم نشاط المراكز المُعتمدة لإجراء هكذا عمليات ودراسة نتائجها والفروقات فيما بينها. ويتمّ إصدار تصاريح “إعتماد نشاط الزرع” من قبل الوكالات الصحية الإقليمية بعد إستشارة وكالة الطب الحيوي. وهناك حالياً تفاوتات في النشاط وإمكانية الوصول إلى الزرع بين المناطق والتي يُمكن تفسيرها بالإختلافات في عدد المُتبرّعين والمُرشّحين ونشاط وكفاءة مراكز الزرع المُعتمدة.
ب-كيفية أخذ العينات القلبية:
أحد القيود الرئيسية الحالية لزراعة القلب في فرنسا (ومعظم دول العالم) هو عدم التوافق بين العرض والطلب، مع وجود عدد أكبر من المُرشّحين عن عدد الطعوم المتوفّرة. وقد ظلّت هذه النسبة مُستقرّة خلال العقد الماضي بفضل الإستخدام المُتكرّر للطعوم من المتبرّعين مع إعتماد معايير مُوسّعة. وتُعتبر الأسباب الرئيسية لعدم إستعمال القلوب من المُتبرّعين المتوفين دماغياً هي العمر المُتقدّم للمتبرّع، والتاريخ القلبي الوعائي اي وجود مشاكل في شرايين القلب عنده ووجود ضعف في وظيفة البطين الأيسر.
كذلك فإنّ تقييم وظيفة القلب ودراسة ديناميكية الدورة الدموية لدى المُتبرّعين قبل إستئصال القلب، كان موضوع توصيات وطنية ودولية هامة. فيجب تكييف الظروف الديناميكية الدموية مع ملف المُتبرّع وسوابقه المرضية، وعلى وجه الخصوص: العمر، التاريخ المرضي، وجود عوامل خطورة للإصابة بأمراض الأوعية الدموية، سبب الوفاة ووظيفة البطين الأيسر.
ولقد ثبت جيداً أن عوامل الخطر المُرتبطة بالمريض المُتلقّي لفشل عملية الزرع لها تأثير أكبر على البقاء على قيد الحياة بعد الزرع من تأثيرها عند المُتبرّع.
وينتج الإنخفاض الحالي في عدد المُتبرّعين بشكلٍ خاص في فرنسا عن الوقاية من حوادث الطرق وحوادث الأوعية الدموية الدماغية وإدارتها بشكلٍ أفضل، ممّا ادّى إلى انخفاض عدد المرضى الذين يتوفّون من الموت الدماغي. ولذلك وعلى الرغم من توسيع معايير الإختيار لإستئصال الطعوم، يميل عدد المُتبرّعين بزراعة القلب إلى الانخفاض.
اما المرضى الذين ماتوا بعد توقّف الدورة الدموية والقلب بعد التوقف عن علاجات الإنعاش عندهم، والمعروفين باسم المُتبرعين من الفئة الثالثة في تصنيف مدينة “ماستريخت” (Donation after Cardiac Death :DCD)، وهي الطريقة التي اعتمدتها بعض الدول مثل أستراليا والمملكة المتحدة (والولايات المتحدة الأميركية مُؤخراً من خلال دراسة جارية حالياً هناك لتقييم وإعتماد هذه الطريقة)، والتي اعطت نتائج مهمة حتى الآن في تلك الدول، فهي طريقة غير مُصرّح بها في فرنسا حالياً لأخذ عينات من القلب، بينما هي مُعتمدة لأخذ عينات من الأعضاء الأخرى (الكلى والكبد والرئتين). ولكن يتمّ حالياً البدء في التفكير الجدّي لإعتمادها بين وكالة الطب الحيوي والمهنيين المعنيين بزراعة القلب لتحديد شروط إستخدام هذه الطعوم القلبية وتوسيع مروحة عدد المُتبرّعين المُحتملين.
٦-كيفية إجراء العمل الجراحي:
إن إجراء العملية الجراحية، بعد بضع عظمة القصّ المتوسط الرأسي بعد ان يكون الجرّاح قد وضع المريض تحت المضخّة القلبية-الرئوية الإصطناعية للحلول محلّ القلب مُؤقتاً اثناء عملية الزرع هو عمل مُقنّن ومُتقن جيداً حالياً.
وعادة ما يتمّ إستئصال القلب من المُتبرّع بعيداً عن مركز الزرع. ويسمح نقص التروية البارد بفترة تتراوح من 3 إلى 4 ساعات لنقل القلب الى المركز الذي يُوجد فيه المريض المُتلقّي. اما اذا تمَ إستعمال “آلة التروية” التي تحدّثنا عنها في الأجزاء السابقة والتي تُستعمل عادة خلال عمليات زراعة القلب من المرضى الذين توقّف القلب عندهم، فإن ذلك يسمح للفريق الطبي الذي إستئصل القلب بنقله بأمان تامّ لفترات قد تصل الى 16 ساعة او اكثر في بعض الأحيان.
إن إستئصال القلب المريض عند المُتلقّي بسيط بشكلٍ عام إلا في حالات قليلة خضع فيها المريض لعمليات جراحية قلبية سابقة عدة مرّات. وهو يستوجب قصّ الأوعية القلبية الكبيرة عند القاعدة بمجرد خروجها من القلب، وقصّ الوريدين الأجوفين عند الفم في الأذين الأيمن وفي قصّ الأذين الأيسر مع ترك طوق حول الأوردة الرئوية.
والتركيب الفعلي للقلب المزروع يتطلّب :
-خياطة او توصيل الأذين الأيسر من القلب مع الطوق الذي بقي حول الأوردة الرئوية للمتلقي.
-خياطة الشريان الرئوي والشريان الأورطي من القلب الجديد إلى الأوعية الكبيرة في قاعدة المتلقّي.
- أخيراً، خياطة الوريديين الأجوفين للمتلقّي في الأذين الأيمن للقلب الجديد.
وفي حوالي 40 ٪ من الحالات، وبسبب قصور او ضعف متوسّط الأهمية لعضلة القلب المزروع قد يضطر الفريق الطبي الى تركيب جهاز ميكانيكي لمساندة القلب وللدعم المُؤقّت للدورة الدموية بعد الزرع. ويُعتبر الخلل الوظيفي المُبكر في القلب المزروع من العوامل المساهمة الرئيسية في الوفيات الناتجة عن جراحة الزرع، خلال أول 30 يوماً الأولى بعد الجراحة، والتي تبلغ 12٪. ٧-متابعة المريض الذي حصل على زراعة قلب جديد: إن المريض الذي حصل على زراعة للقلب مُعرّض لعدّة إختلاطات واعراض جانبية تستدعي مُتابعة حالته:
أ- المضاعفات القلبية: وهي قد تأخذ عدّة اشكال:
a-الخلل الوظيفي المُبكر: من المُمكن اولاً أن يحدث خلل وظيفي مُبكر في القلب المزروع. وهذا ما لُوحظ بعد 42٪ من عمليات الزرع في فرنسا في عام 2019. وقد تكون اسباب ذلك أولية أو ثانوية (الرفض الحادّ، ارتفاع ضغط الدم الشرياني الرئوي، المُضاعفات الجراحية). ويتمّ ملاحظته، بحُكم تعريفه، في غضون 24 ساعة بعد الزرع. ويُمكن أن يطال ذلك القلب الأيمن أو الأيسر أو ان يكون “ثنائي البطين”. هذه الظاهرة هي سبب 40٪ من الوفيات خلال الشهر الأول بعد الجراحة. وتُعتبر مدّة نقص تروية القلب المزروع وخصائص مُعينة للمانح والمتلقّي من اهم اسباب حصول هذه الظاهرة. ويعتمد علاجها على أستخدام الأدوية المِساندة لعمل عضلة القلب اذا ما استدعت حالة المريض ذلك، وتركيب جهاز مساندة ميكانيكية لمساعدة الدورة الدموية اذا استدعى الأمر ذلك. وفي أغلب الأحيان في فرنسا يتمّ إستعمال جهاز أكسجة الغشاء خارج الجسم ال (Extra Corporeal (Membrane Oxygenation: ECMO. وتجدر الإشارة الى ان إستخدام جهاز إنعاش القلب المزروع الذي يترك القلب نابضاً في اغلب الأحيان ويسمح بترويته بالدم والأغذية الأخرى خارج الجسم الحيّ والتي تُقلّل من مدّة نقص التروية يمكن أن تساعد في منع هذه الإختلالات المُبكرة.
b -الرفض الحادّ: هو تفاعل مناعي مُوجّه ضد مُستضدّات HLA للمُتبرع، بوساطة الخلايا اللمفاوية التائية (الرفض الخلوي)، أو عن طريق الأجسام المُضادّة الموجودة في مصل المتلقّي (الرفض بوساطة الأجسام المضادة). وفي جميع الحالات، يعتمد تشخيص هذه الحالات على فحص خزعات “شغاف القلب” (Endomyocardial biopsy). وهي الطبقة الداخلية التي تُغطّي عضلة القلب. وذلك عبر إدخال مِسبر مُخصّص لذلك الى داخل القلب الأيمن واخذ عيّنة صغيرة من العضلة بواسطة مِلقط صغير.
ويتوفَر إختبار غير تدخّلي للكشف عن الرفض الحادّ الخلوي المُعتدل والشديد عند المرضى منخفضي الخطورة، وذلك عبر تقييم نسخ 11 جيناً في خلايا الدم أحادية النواة المنتشرة. وهو فحص متوفّر حالياً في الولايات المتحدة وهو مُكلف جداً.
ويحدث الرفض الخلوي الحادّ عند 20٪ إلى 40٪ من المرضى في السنة الأولى بعد الزرع، ويصبح نادراً بعد ذلك. وتعتمد الوقاية منه على أخذ مُثبّطات او مُضادّات او (كابحات) المناعة طوال الحياة. وهي ادوية تمنع واحدة أو أكثر من الطُرق الأربعة التي تُحدّد تنشيط وإنتشار وتكاثر الخلايا اللمفاوية التائية. بعض هذه الأدوية، وخاصة كابحات او مُثبّطات “الكالسينرين” (Calcineurin)
(Ciclosporin, Tacrolimus) ومُثبّطات الm TOR
(Sirolimus, Everolimus)، (وهي ادوية من “الجيل الثاني” من كابحات المناعة ولها آثار جانبية اقل بكثير من ادوية الجيل الأول من هذه الأدوية)، لها نافذة علاجية ضيّقة، اي انّ الفارق ليس واسع جداً بين “الجرعة الفعّالة” و”الجرعة السامّة او المُؤدية”. ولذلك يتطلّب هذا الأمر إجراء فحوصات دمّ مُتكرّرة لقياس مُعدّل هذه الأدوية في الدمّ.
ويحصل الرفض الحادّ بوساطة الأجسام المُضادة عند حوالي 10٪ من المرضى. ويعتمد تشخيصه على وجود آفات في الأوعية الصغيرة الموجودة في الأنسجة التي تُؤخذ اثناء الخزعة القلبية، مع وجود “رواسب معيّنة نموذجية مُكمّلة” عند الفحص عبر “الكيمياء الهيستولوجية المناعية”. وترتبط هذه الآفات او العلامات في الغالبية العظمى من الحالات، بوجود الأجسام المُضادة لـ HLA الخاصة بالمريض المانح في مصل المريض المُتلقّي. وأحياناً تتصاحب هذه الحالة مع خلل في وظيفة القلب المزروع.
ونشير الى انّ العلاجات الحالية لمنع حالات الرفض لها فعالية غير مُتّسقة. وهي تجمع بين تغيير البلازما والغلوبيلين المناعي مُتعدّد التكافؤ الذي يقضي على الأجسام المضادة وتحييدها، وإستعمال دواء ال (Rituximab) مع دواء ال (Bortezomib) اللذين يثبّطان بشكلٍ مُباشر وغير مُباشر إفراز الأجسام المُضادة في الجسم.
بالإضافة إلى الرفض بوساطة الأجسام المُضادة، أظهرت العديد من الدراسات أن تحصين المرضى بعد الزرع، أي ظهور الأجسام المُضادّة لـ HLA الخاصة بالمُتبرعين، له تأثير على حدوث الأمراض في الشرايين التاجية في القلب المزروع وبالتالي بخسارته لاحقاً.
c- مرض الشرايين التاجية في القلب المزروع: ويختلف مرض تصلّب الشرايين التاجية عند المرضى الذين حصلوا على زراعة للقلب من نواحٍ عديدة عن تصلّب الشرايين التاجية الذي نراها عادةً عند المرضى العاديين. ويتميّز هذا المرض بالتكاثر الداخلي لخلايا العضلات الملساء. وهو يتضمّن عوامل خطر مناعية وغير مناعية. وغالباً ما يكون بدون أعراض بسبب إزالة الأعصاب التي تتصل بالقلب خلال عملية الزرع. ويؤثر على الشرايين النخابية (Epicardial arteries) اي تلك تسير على الناحية الخارجية لعضلة القلب، وأيضاً على الشرايين التي تسير داخل عضلة القلب من اجل تأمين تغذيتها. ويتطوّر هذا المرض بسرعة أكبر من تصلّب الشرايين الإعتيادي.
ام نسبة حدوثه فهي حوالي 29 ٪ بعد 5 سنوات من عملية الزرع وحوالي 47 ٪ خلال 10 سنوات منه.
ويعتمد تشخيص هذا المرض على تصوير الأوعية التاجية المُتكرّر بواسطة القسطرة او التمييل. وتُعتبر شدة إنتشار الآفات خلال تصوير الأوعية التاجية عبر القسطرة، وكذلك زيادة السماكة الداخلية التي من المُمكن ان يتمّ الكشف عنها بواسطة التصوير بواسطة الموجات فوق الصوتية داخل الشرايين التاجية Endovascular) (ultrasound مُؤشرات مُهمة للتنبؤ بخطر حدوث حادث قلبي وعائي لدى هؤلاء المرضى.
ويشمل علاج هذا المرض السيطرة على عوامل الخطورة القلبية الوعائية، والإستخدام المُبكر للعقاقير المُخفّضة للكوليسترول مهما كان مستوى الكوليسترول، وإستخدام مُثبّطات المناعة من عائلة الm TOR، وأحياناً علاج الإنسداد بواسطة تقنيات التوسيع بالبالون والروسور عندما تكون الآفات الشريانية موضعية ومُمكنة العلاج بواسطة هذه التقنيات. وفي حالات نادرة، يجب اللجوء الى إجراء عملية زرع قلب جديد.
هذا وقد تحسّنت الوقاية منه ومُعدّل تقدّمه والتنبّؤ به في العقود الأخيرة. ومع ذلك، لا يزال السبب الأكثر شيوعاً للوفاة بعد 5 سنوات من الزرع، مع الأخذ في الإعتبار أن الوفيات الناجمة عن أختلال وظائف القلب المزروع الناتجة عن مرض الشرايين التاجية “غير المشخص”.
e- الإلتهابات: من المُعتاد التمييز بين الإلتهابات التي تحدث خلال الأشهر الستة الأولى بعد الجراحة، والتهابات المستشفيات (اي ان العدوى تنتقل للمريض خلال فترة مُكوثه في المستشفى في هذه الحالة) في الشهر الأول. وغالباً ما تكون هذه الإلتهابات “إنتهازية” (اي بسيطة وفي غير محلها الإعتيادي) بين الشهر الثاني والسادس. وهي الفترة التي يتمّ فيها إستخدام العلاجات المُثبّطة للمناعة بجرعات عالية. واخيراً هناك الإلتهابات الشائعة التي تحدث بعد مرور الشهر السادس.
وتشير الإحصاءات الى ان ما مجموعه 80 ٪ من مُتلقّي الزرع يُصابون بإلتهابات من انواع مختلفة خلال الأشهر الستة الأولى بعد الزرع.
وتُسبّب هذه الإلتهابات حوالي ثلث الوفيات التي تحدث بين الشهر الثاني والشهر الثاني عشر بعد الجراحة.
ويُعتبر عمر المتلقّي، وجراحة القلب التي تسبق عملية الزرع، وإستخدام جهاز الECMO بعد الزرع من اجل مساندة الدورة الدموية والرئتين بعد الزرع من عوامل الخطر للإتهابات البكتيرية والفطرية خلال الأشهر الستة الأولى بعد الجراحة.
وتُبرر خصوصية العوامل المعدية المعنية بهذه الإلتهابات استخدام طرق التشخيص الغازية، بما في ذلك اخذ الخزعات من القلب. وهي طريقة تُوفّر تشخيصاً ميكروبيولوجياً دقيقاً وتُمكّن من إتخاذ قرار سريع ودقيق بشأن العلاج المُناسب. وتبدأ العلاجات الوقائية ضد بعض أنواع العدوى او الإلتهابات الإنتهازية بعد وقت قصير من الزرع، ويُوصَى بتطعيم المريض وافراد العائلة الذين يعيشون معه وكل من يرافقه في حياته الخاصة وتنقّلاته قبل الزراعة وبعدها.
f- السرطانات: بغضّ النظر عن السرطانات النادرة التي ينقلها المُتبرع وتلك الموجودة قبل الزرع والتي قد تعاود نشاطها بعد الزرع بسبب تناول الأدوية المُثبطة لجهاز المناعة، فإنّ سرطانات جديدة قد تطفو على السطح وهي أكثر شيوعاً عند مُتلقّي زرع القلب أكثر من عامّة السكان. وبالفعل، فإنّ مُعدّل حدوثها التراكمي هو 16٪ بعد 5 سنوات من الزرع ، و 28٪ بعد 10 سنوات.
وعلى الرغم من أنّ سرطانات الجلد، التي لا تُهدّد الحياة، هي الأكثر شيوعاً (معدّل ظهورها هو 9.5٪ خلال اوّل 5 سنوات من الزراعة و 19٪ خلال 10 سنوات)، إلا أن الأورام الخبيثة تُفسّر 20٪ من الوفيات التي تحدث بعد السنة الثالثة بعد الزرع.
و إلى جانب عوامل الخطر التقليدية مثل العُمر والتدخين والتعرّض لأشعة الشمس والتاريخ العائلي، تلعب العلاجات الموصوفة لهؤلاء المرضى بعد الزرع دوراً مهماً بشكلٍ مباشر بسبب تأثيرها المُثبّط او الكابح للمناعة أو من خلال تكاثر فيروسات الأورام.
كذلك فإن الأنواع المُختلفة من مُثبّطات المناعة لها تأثيرات مُختلفة على ظهور السرطانات، مع زيادة مخاطرها مع مُثبطات ال Calcineurin وانخفاض هذا المُعدّل مع مُثبطات ال m TOR وهي ادوية من الجيل الثاني كما ذكرنا سابقاً.
ويتّبع الكشف على انواع هذه السرطانات ما هو مُوصى به عند عموم السكان والأشخاص العاديين مع تواتر مُختلف ومُكثّف، ومُكيّف مع ملف المخاطر الموجودة عند المريض الذي خضع لعملية الزرع.
j- مضاعفات علاجية المنشأ:
إنّ قائمة المُضاعفات المُتعلّقة بالعلاجات المُثبطة للمناعة طويلة جداً، وتشمل الآثار الجانبية الأيضية اي تأثيرات على عمليات إستقلاب بعض المواد الدهنية والنشويات وغيرها في الجسم، والروماتيزمية، والعصبية، وأمراض الدم، والجهاز الهضمي، وطبّ العيون. ولكن يسيطر عليها جميعها “الفشل الكلوي”، مما يتطلّب اللجوء الى العلاج بواسطة غسيل الكلى عند 3٪ من المرضى، 5 سنوات بعد الزرع
وعند 6٪ منهم بعد مرور 10 سنوات على عملية الزرع.
وتشمل إدارة التحكّم بهذا العارض الجانبي الخطير مُراقبة وعلاج العوامل التي تُساهم في تطوّر أمراض الكلى، بإستخدام الأدوية الوقائية للكلى، ومُثبطات الإنزيم المُحوّل للأنجيوتونسين، ومُضادات مُستقبلات الأنجيوتونسين، وتقليل أو حتى إيقاف مُثبطات الCalcineurin، جنباً إلى جنب مع استخدام دواء ال Mycophenolate او احد مُثبطات ال
m TOR. ومن المُمكن اللجوء الى زرع الكلى عند مرضى مُعيّنين يُعانون من الفشل الكلوي في المُتقدّم في نهاية المرحلة.
٨-تنظيم المتابعة بعد عملية الزرع:
لكل مركز زراعة قلب في فرنسا طريقة تنظيمه الخاصة لمراقبة مرضى الزراعة. لقد ثبت أن التنظيم الداخلي لفريق الزراعة، ولا سيما وجود “مُنسّق الزراعة”، له تأثير مُفيد جداً على جودة الرعاية وإمتثال متلقّي الزراعة للخضوع بشكل دوري للفحوصات المطلوبة ولتناول كل الأدوية التي يجب تناولها خلال الفترات الحرجة التي تتطلّب جهد كبير للتشيخص وللمراقبة. ويتمّ تقييم نتائج مراكز الزرع كل ثلاثة أشهر من قبل وكالة الطب الحيوي في فرنسا.
ويتضمن ذلك متابعة مُشتركة مع أطباء مستقّلين عن مركز الزرع وتدريباً مُحدداً ببن فترة واخرى ،بالإضافة إلى مراقبة طبيعة ونوعية الإتصال والتنسيق بين الجهات الفاعلة في المركز، وخاصة مع الأشخاص اصحاب المسؤوليات الهامة التي تمّ تحديدها مسبقاً عند توصيف دور كل مشارك في الفريق الطبي المعني بالزرع.
ويجب أن تُسهّل الأدوات الرقمية في المستقبل هذه المراقبة المُشتركة مع مراعاة أنها مهمة طبّية معقًدة جداً، وأن المركز يظلّ مسؤولاً عن نتائجه فيما بعد. كذلك يجب تطوير إستخدام التثقيف العلاجي للمرضى، والذي يعتبر هامشياً جداً حالياً في فرنسا ويجب تطوير برامج له في اسرع وقت.
وبالمثل، ينبغي تشجيع إعادة الإدماج الاجتماعي للمريض، وإذا أمكن، إعادة الإدماج المهني للمرضى الذين غالباً ما يُصابون بصدمات نفسية بسبب مرضهم، وفترة الإنتظار لعملية الزرع والمُتابعة التقَييدية لحدٍّ كبير. ويمكن أن تساعد إعادة التأهيل القلبي في مراكز إعادة التأهيل، والإستعانة بفرق من الأطباء النفسانيين بشكلٍ كبير في تسهيل العودة إلى الحياة الطبيعية قدر الإمكان.
٩-التنظيم الطبي الإداري لمرضى فشل القلب وزرع القلب وزرع اجهزة المساندة الميكانيكية لدعم الدورة الدموية في فرنسا:
نشير اوّلاً انه بعد عرض كل النقاط الأساسية السابقة، الى ان تقرير الأكاديمية الوطنية للطب في فرنسا خلص الى النقاط والتوصيات الأساسية التالية:
إذا كان قصور القلب مرضاً مُتكرراً ومعترفاً به، وترتبط إدارته بالعديد من التوصيات الصادرة عن الهيئة الصحية العليا في فرنسا: (High Authority for Health: HAS) أو الجمعيات العلمية المُتخصّصة بأمراض وجراحة القلب، فإنّ الصعوبة الرئيسية لإدارة شؤون هذا المرض هو بحسب الأكاديمية أنه يجمع بين فترات الإستقرار السريري النسبي وأحياناً حالات التدهور الخطير للغاية، مما يجعل توجيه مسارات الرعاية بشكلٍ خاص صعبة التنفيذ في جميع مراحل هذا المرض.
هذا ينطبق بشكلٍ خاص على قصور القلب المُتقدّم. في الواقع ان الوصول إلى العلاجات من نوع زرع اجهزة المساعدة الميكانيكية او زراعة القلب ليس مُتجانساً كلياً في جميع أنحاء الإقاليم الإدارية الفرنسية، لأن الكثير من المرضى لا تتمّ إحالتهم إلى مراكز الإختصاص التي يُمكن أن تسمح لهم بالإستفادة من هذه العلاجات، وينتهي بهم الأمر بالموت في المراكز النائية او الطرَفية البعيدة عن “المراكز المرجعية الثقلية” اي المُجهّزة بالكامل من اجل إجراء العمليات التي ذكرناها، دون الإستفادة من الدعم المُتخصّص والمطلوب لهذه الغاية. واحياناً تتمّ إحالة بعض المرضى الآخرين بعد فوات الأوان، في “حالة الفشل العضوي او الحشوي المُتعدد” اي الذي يطال الأعضاء الأخرى (وخاصة الكلى والكبد والدماغ وغيرها…) أو فشل القلب ثنائي البطين، مما يجعل الخيارات العلاجية محدودة للغاية، أو حتى مُنعدمة.
لذلك، ولجعل الوصول إلى الرعاية عالية المستوى أكثر مساواة بين الإقاليم الفرنسية، يبدو أنه من المُناسب إنشاء “عمليات مُتابعة شخصية” تسمح بالتعرّف المُبكر على المرضى المُراد او المطلوب إحالتهم إلى مراكز المساعدة الميكانيكية و/او الزرع وضمان الإدارة السريعة والمناسبة لهؤلاء عبر إختيار أي من العلاجين المناسب لحالة المريض، في وقت مُبكر جداً حتى لا تزدحم “مراكز الإحالة المعتمدة” اي “المراكز المرجعية”، ولا يتأخّر المريض جداً حتى يصبح العلاج الجراحي مُمكناً. وبحسب آراء خبراء الأكاديمية الوطنية للطب في فرنسا يتوافق هذا التدرّج في الرعاية تماماً مع منطق مجموعات المستشفيات الإقليمية: (Territorial Hospital Group) وبشكلٍ عام مع توصيات استراتيجية “صحتي للعام 2022”.
مع أخذ ذلك في الاعتبار، تُوصي الأكاديمية بأنه من الضروري جداً توحيد وتسريع عملية إتخاذ القرار لإرسال المرضى للعلاج في” المراكز الثقيلة” التي ذكرناها، وإنشاء “تدرّج على ثلاثة مستويات لإدارة مرض قصور القلب” وفقاً لمعايير بسيطة، يُمكن إستخدامها في المدينة، كما في المستشفيات، مما يجعل من المُمكن إدارة جودة قطاعات المرضى بشكلٍ أفضل، ولكن أيضاً لضمان المساواة في الحصول على الرعاية مع إعادة تركيز “المراكز الثقيلة” على مُمارساتها المُتميّزة، وهي الزرع والمساعدة. وبالتالي، فإن الأمر يستدعي بحسب خبراء الأكاديمية تنظيم سريع وفقاً لمنطلق “إجتماعات التشاور متعددة التخصصات” (Multidisciplinary Discussion Meeting) المُعتمدة في طب الأورام. وعندها يجري تنظيم الوصول السريع للمرضى الذين يمثّلون درجة عالية من المخاطر لقنوات الزرع والمساعدة. ويجب إعتماد ذلك في جميع أنحاء الإقاليم. ويجب ان تحصل مُتابعة فصلية أو نصف سنوية للمرضى في مرحلة الإستقرار السريري خارج هذه المراكز الثقيلة، من قبل أطباء قلب مُدربين على رعايتهم، وذلك لتخفيف الضغط عن هذه المراكز عبر حلّ المشاكل البسيطة التي يسهل إدارتها. وينطبق الشيء نفسه على المرضى في نهاية الأشهر الأولى بعد الزرع، والذين يُمكن بعد ذلك متابعة حالتهم بالتناوب. فتدار الأمور مُباشرة من قبل المركز الذي يعتني بالمريض عادةً وليس في مركزالزرع، بشرط أن يكون الأخير لديه اطباء من ذوي الخبرة في هذا النوع من الدعم.
والهدف من ذلك هو إعادة تركيز كل نوع من الخدمات على القيمة المضافة القصوى، أي بالرجوع الى مراكز الزرع والمساعدة في كل ما يتعلّق بالأمور الدقيقة والإجراءات الفنية وما هو من إختصاصها، ، وترك المتابعة “الكلاسيكية” للمرضى من ذوي المخاطر المنخفضة للمركز او الطبيب المعالج الذي ارسل المريض الى المركز المُتخصّص.
وتُوصي الأكاديمية بأنه يجب أن يكون هذا التنظيم الإقليمي لإدارة قصور القلب مصحوباً بتطوير “فرق مساعدة مُتنقّلة” من أجل رعاية المرضى الذين يُعانون من حالات القصور القلبي المُتقدّم ومن الضُعف الشديد الناتج من جرّاء ذلك، والذين يحتاجون إلى مساعدة طارئة من اجل نقلهم.
ومع ذلك ، فإن تطوير مثل هذه الفرق المُتنقّلة يعني التفكير في تمويلها، والذي قد يأخذ شكل ائتمانات حكومية لمهام ذات اهتمام عام.
وفي الختام، يقول خبراء الأكاديمية انه من الضروري مُعالجة مُشكلة قصور القلب المُتقدّم ليس فقط من الناحية التقنية البحتة بما في ذلك القدرة على أداء أعمال معينة، ولكن على جانب أكثر شمولية وإقليميه ومُرتكز في مشهد طبي مُنظّم من قبل مجموعات المستشفيات الإقليمية، ثم قريباً من قبل المُجمّعات الصحية الإقليمية المهنية (Territorial Professional Health Communities) اي من طرف مجموعات عمل تجمع كل المهنيين المعنيين في علاج قصور القلب في الأقاليم والتي سيتمّ تشكيلها تنظيم امورها ووضعها في الخدمة قريباً.
اخيراً، يجب أن تدعم الأدوات الرقمية الجديدة (التطبيب عن بعد، الملفات الفردية) سياسة تقوية الروابط بين المراكز الثقيلة والمؤسسات الأقلّ خبرة في إدارة مرض قصور القلب، من أجل تعزيز وتسهيل وصول جميع المرضى إلى الإستفادة من التقنيات الأكثر ابتكاراً.
١٠- التوصيات: في نهاية هذا التقرير في نهاية التقرير اصدرت الأكاديمية التوصيات المفصلية المُوجزة التالية:
أ-الدعوة الى هيكلة إدارة مرض قصور القلب في كل منطقة مع تدرّج في الرعاية على عدّة مستويات لتنظيم وصول المريض بشكلٍ أفضل إلى مراكز الزرع والمساعدة الميكانيكية للقلب.
ب-الطلب من السلطات الصحية العليا ومن الحكومة ومجلس النواب الفرنسي الإسراع بتعديل القوانيين والتشريعات القائمة حالياً او تطويرها وسنّ قوانين اخرى من اجل إقرار سريع للسماح بإستئصال القلوب من المرضى الذين ماتوا بعد توقّف الدورة الدموية بعد التوقف عن العلاج (Donation after Cardiac Death) اي عند المرضى المُصنّفين في الفئة الثالثة من تصنيف “ماستريخت”).
ج- تغيير مُخطّط ترخيص او إعتماد مراكز زراعة القلب لكي يعتمد على مخطط تنظيم رعاية صحية “وطنية” ذات بُعد اوسع واشمل بدلاً من الإعتماد على “المخططات الأقاليمية” التي يُعمل بها حالياً.
د-ضرورة ان يكون اتخاذ القرار بشأن تجديد تصريح او إعتماد اي مستشفى جامعي او مركز جراحي قلبي لزراعة القلب، بناءً على نتائج الفريق الطبي العامل فيه من الناحيتين النوعية والكمية.
ه-تسهيل إعادة الدمج الإجتماعي والمهني لمتلقّي زراعة القلب من خلال الإستخدام الواسع لمراكز إعادة التأهيل الوظيفي للقلب والأوعية الدموية، وإذا لزم الأمر عبر الدعم النفسي لأن الكثير من المرضى لديهم مشاكل مهنية او نفسية بعد زراعة القلب.
د طلال حمود- طبيب قلب وشرايين،
مُتخصّص في علاج امراض القلب بالطرق التدخّلية وفي علاج مرضى القلب المُصابين بمرض السكّري،
مُنسّق ملتقى حوار وعطاء بلا حدود