أدب وفن

رهائن  الطفولة/ فاطمة اسماعيل*

رهائن  الطفولة
يعيشُ الطفل حياتُِه  وِفقَ نمط معيَّن لم يَخْتَره، ترتبط سلوكياتُه و خياراتُه و تجاربُه في الحياة الى حدٍ كبير بطفولته. فتشِّكل هذِهِ المرحلةُ  ملامِحَ شخصيَّته، و تَرسِمُ  خارطةَ طريق حياتِه. فيترتَّبُ عليها حاضرُه و مستقبله.
فيها يتم  تكوين الذكريات، و للأسف و بِحَسب تكوين البَشر فإنَّ الذاكرة السلبيَّة في الحَفظِ أقوى من الإيجابية .
تتركُ هذه الذكرياتُ السيَّئة ندوباً في الرُّوح عصيَّة على النسيان. ويُصبحُ  المرءُ رهيناً لها. يتألَّم منها بصمت.
و تتحوَّل التراكمات المؤلمة إلى جبلٍ ثقيلٍ يجثِمُ  على كتفَيهِ حيثما حلّ … يُفقدِهُ توازنَه في بعض المواقف، و كلما احتدمت مصاعبُ الحياة.. و تتالت الاحداثُ تتوالى الإخفاقات، و الفشل، تتزعزع ثقته بنفسه، فعيش مع جروحه و يتصرَّف مع الآخرين وِفقَها، و يختار طُرقاً معيَّنة في الحياةِ بناءً على هذه الجروح.
يجذِبُ إليه أشخاصاً ويختارُ شركاء حياة معيَّنين دون أن يعرف أن اختياراته وتصرفاتهم هذه نابعة من هروبهِ من جروحهِ العميقةِ أو محاولة حماية نفسِهِ منها.
و في بعض الحالات يوجِّهُ أصابع الإتِّهام و الملامة على محيطه، هروباً من حقيقة واقعه، أو عدم فهمه لمشكلته.
يعيش مع جروحه ويتصرف مع الآخرين وفقها دون أن يُدرك ذلك.
كل تلك التراكمات و الذكريات في الطفولة تطفو على سطح حياته على هيئةِ حسدٍ.. غيرة… تمرد… تخلي … برود…و قد  تحوّله الى خانع، إمَّعة، يستجدي الحب و الإهتمام و يكون عرضة للكثير من العلاقات السَّامَة،و للإنتهازيَّةِ و الوصوليَّة.  و يحاول جاهداً ان يضعَ أقنعة القوَّة، التمرُّد، و الوعي لحماية نفسه من أن يضع أحدٌ يدَهُ على هذا الجرح حيث الآلام الدفينة، و الأحزان الكامنة، و النواقص المميتة.
و كل ما أُسلف يضعُنا أمام مرحلةٍ من عمر الطّفل غايةً في الحساسية و الدِّقة،  تفرضُ على الأهل تحمُّلَ مسؤولية  غمرِهِ بالكثير الكثير من الحب، الإهتمام بتفاصيل حياته، و بكافة المجالات و الصعد ، وإحاطته بالأمان و الحنان ، إشباعه مادياً و معنوياً، و تقديم المساندة، و الدعم بقوة على الرُّغم من كل ما يمكن أن يتعرضَ له الطفل من اخفاقات أو فشل في هذه المرحلة و ما يليها من مراحل عمره. ليتجنبوا أن يحوِّلوها من مرحلة لتكوين الشخصيَّة المتوازنة الواعية بذكريات جميلةٍ تحملُ البراءةَ، البساطةَ، و الفرح، الي كابوس ذكرياتٍ سيِّئ يُزعزعُ إستقرار حياته.

((( إشفوا جِراحَ أطفالِكُم لِيَعثروا على ذاتِهم الحقيقيَّة)))

*مربية و مدربة

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى