*اليهود في الأندلس: عصر ذهبي في ظل حكم عربي

1 / 3
اليهود في الأندلس: عصر ذهبي في ظل حكم عربي

يقول تيودور هرتزل، رائد الصهيونية السياسية الحديثة، ومؤسس المنظمة الصهيونية العالمية، إن العنصر اليهودي في أي مجتمع من المجتمعات عنصر مثير للاضطراب والتمرد، وأن هذا أمر يتعلق بطبيعة اليهودي نفسه، الذي لا يستطيع الحياة مع الشعوب الأخرى. وإن عاش، فلكي يكون عنصراً مدمراً لقوة هذه الشعوب، ومحرضاً على الثورة وقلب الأوضاع.
وتالياً، فإن بقاء اليهود داخل تلك المجتمعات ليس في صالحها، ولا في صالح حكوماتها.
ولكن يبدو أن ما رمى إليه هرتزل ليس دقيقاً. أو على الأقل ليس بريئاً.
وإنما هدف من وراء ذلك، عبر مراسلاته مع ملوك أوروبا ورؤساء دولها، إلى الترويج لفكرة الوطن القومي لليهود، من خلال الإيحاء لهم بأن عليهم تشجيع فكرة الصهيونية، وإنشاء الوطن اليهودي، حتى تتخلص تلك الحكومات من العناصر المناهضة لها.
ونقول إن كلام هرتزل ليس دقيقاً، وليس بريئاً. لأن الشواهد كثيرة جداً عبر التاريخ عن اندماج اليهود في الحياة الثقافية والاجتماعية والعلمية والسياسية، في العديد من الدول والمجتمعات، ولا سيما العربية والإسلامية منها.
ففي العصر العباسي مثلاً، كان اليهود يمثلون الجزء البالغ الثراء في بغداد. وكانوا يعملون بالطب والترجمة، وفي الوظائف العامة في الدولة. وتبوؤوا مناصب عالية.
وتذكر كتب التاريخ أنه في العام 1170 كان في بغداد 40.000 يهودي يعيشون بأمان، ولديهم 28 كنيساً للعبادة، وعشرة أماكن للتعليم والدراسة.
ولكن العصر الذهبي الأبرز لليهود، بلا منازع كان في الأندلس. وتتفق الأدبيات اليهودية كافة على ذلك، إذ تطلق عليه اسم “تور هاذهاف”، أي “العصر الذهبي“.
فقد تمتع اليهود فيه بحريةٍ دينية وحركيّة كبيرة. وشغلوا مناصب عالية ورفيعة داخل الدولة الاندلسية.
2 / 3
ولم يُحرَموا من ممارسة نشاطاتهم السياسية، أو من تولي حقائب وزارية، بسبب ديانتهم.
ومن أبرز هؤلاء إسماعيل إبن النغريلة، كبير الوزراء في غرناطة، وأحد قادة جيوشها.
وحسداي بن شبروط، الذي عمل طبيباً وسفيراً لدى الخليفة عبد الرحمن الثالث، وابنه الحكم المستنصر بالله.
كما برز منهم أطباء وفلاسفة، لعل أبرزهم الفيلسوف والطبيب موسى بن ميمون، الذي تأثر كثيراً بفلاسفة المسلمين وأفكارهم. وكان لفكره العربي الإسلامي اليهودي أعمق الأثر في الفكر اليهودي في كل أنحاء العالم. وصار لاحقاً، بعد ذهابه إلى مصر، من المقربين من صلاح الدين الأيوبي وطبيبه الخاص.
وازدهر الفكر اليهودي، الديني والفلسفي، نتيجة الاحتكاك بالمسلمين العرب. واكتسبت اللغة العبرية أعماقاً جديدة
من خلال علاقتها بالعربية. وأبرز الشعراء اليهود في الأندلس كان موسى بن عزرا، وشلومو بن جبيرول، ويهودا اللاوي.
كما عمل اليهود في الوظائف الإدارية والمالية، واشتغلوا بالتجارة المحلية والدولية.
وبسبب وضعهم وثقافتهم، ولإجادتهم العربية والعبرية وبعض اللغات الأوربية، صاروا حلقة وصل، وجماعة وظيفية وسيطة، بين العالمين الإسلامي والمسيحي.
وهكذا صارت الأندلس أهم مراكز اليهودية في العالم.
ولكن يبدو أن سقوط الدولة العربية في الأندلس، سنة 1492، على يد فرديناند الثاني ملك أراغون، وإيزابيلا الأولى ملكة قشتالة، ذلك السقوط لم يضر بالمسلمين فقط، بل طال اليهود أيضاً. إذ صدر قرار بطرد اليهود، الذين رفضوا أن يتحولوا إلى المسيحية، كذلك الذي فرض على المسلمين في إسبانيا.
وتذكر كتب التاريخ أنه تم طرد عشرات الآلاف من يهود الأندلس، الذين تركوا خلفهم منازلهم ونقودهم وكل ممتلكاتهم.
يهود الأندلس باتوا يعرفون باسم سفارديم.
3 / 3
فيما عُرف اليهود الأوروبيون باسم اشكناز.
ويبدو أن هيرتزل كان يقصد اليهود الاشكناز بحديثه السابق. لأن اليهود السفارديم كانوا أكثر انفتاحاً على المجتمعات الأخرى، وأشد اندماجاً وتأثراً وتأثيراً بالثقافات الأخرى.
الدكتور علي عجمي
*كلمة السفير د. علي عجمي في الحلقة الرابعة من حلقات برنامج ” تاريخ الصراع العربي -الإسرائيلي ” خلال ندوة تحت عنوان “اليهود في الاندلس” عبر منصة المركز الثقافي العربي الاميركي للثقافة و الفنون