التوتة في حديقتنا / بقلم الشاعرة مارلين سعادة

هزَّني السأم
أفقْتُ مجدّدًا من سباتي
نفضْتُ الضجرَ عنّي ونهضت
بينَ الوسادةِ والحياةِ خَطَوات
عَبَرتُها على عَجَل
أسرعْتُ أبحثُ عن أنفاسي قبلَ أن تضيع
في الليل تصفو الرؤيا
ينامُ الضجيجُ وتصحو الوحدة
التوتةُ في حديقتنا تتحنّى بضوءٍ اصطناعي
لا سُلالةَ لها هنا
ولا جُدود
كانت أرضُها مربِضًا لشجرِ اللّيمون والأكيدنيا
للضوءِ الأبيض على أوراقِها سحرٌ!
لا تدري لمن تتزيّن
ولا مَن يرث ماضيها!
تَقْبعُ بوداعةٍ آسرة
كراهبةٍ في معبدِ الجَمال!
تلتمعُ وريقاتُها بغُنج
تسكَرُ بسحرِ الكون
ونقيقِ الضفادع
الوجودُ يتغلغلُ بينَ أغصانِها
يغفو في ظلِّ أوراقِها
يهدهدُهُ سحرُ اللحظة
تصلُها همساتُ العابرين من فصائلَ أخرى:
“كُنّا هنا الملوك”!
تختنِقُ حسراتُهم كلّما لامستِ الضوءَ المسلّط عليها
هُم اعتادوا ضوءَ القمر
والفَلاةَ
بلبلتْهُمُ الغُربةُ المُهيمِنة
أضواءُ الأبنيةِ المحيطة
عالمٌ آخر لا يعرفوه
ولن تعرفَهُ العيونُ التي ألِفَتهُم
إن عادت
مِن أين تأتي توتتُنا بهذا السحر؟
مَن يمنحُها هذا العزم؟
لا الأسوارُ ولا الأبنيةُ العالية
ولا الأصواتُ الطارئة تُخمد سحرَها
أو تُطفئ وهجَها!
هي عروسُ اللحظةِ وكلِّ لحظة؛
لا ذكرى الماضي تُقلقها
ولا هواجسُ الآتي
تحلمُ بعصفورٍ ولا تُخيفُها الطائرة المحوِّمة
تعانقُ الترابَ ولا تفقهُ لغةَ الصواريخ
تجودُ بثمارِها لكلِّ عابِرٍ ولا تدّخرُها ليومِ الضيق
التوتةُ في حديقتنا تتحنّى بالضوء
لا يشغلُها أصلُه وفصلُه
تعانقُ اللحظةَ باتّحادٍ كلّي
تمتصُّ سأمي وتسرقُ منّي حكمةّ العقلاء
تُغريني بتجاهلِ العمر وأنا على مشارف الستين!
(المصدر/ كناية Kinaya )