أدب وفن

سنبلات مُضيئة… وهجٌ مكثّفٌ دهشةً!!

د. عماد فغالي

سنبلات مُضيئة… وهجٌ مكثّفٌ دهشةً!!

تطرحُ زينة حمّود منذ العنوان، إشكاليّةً لغويّةً ودلاليّة. شائعٌ جمعُ سنبلة سنابل. لكنّ جمعَها مؤنّثًا سالمًا، على غير شيوع، شاعريٌّ لفظًا جماليًّا، وفاعلٌ حياةً. في الذهن، جمعُ السالم مرتبطٌ بالعاقل على غير حصر. سنبلةُ زينة كأنْ ترتقي إلى مصاف العاقل… رتبةَ إنسان.
سنبلات، هي في التعريف ومضات. الومضةُ لُمعةٌ ضوئيّة، تضيء على ما لا نراه أو ما نعتقدُ سنراه…… الومضة تأخذُ إلى غير المتوقَّع، تحطّ في الجميل، فتُمتع!
هكذا، سنبلات زينة مضيئة، عنوانٌ يروحُ بكَ إلى مساحات النور، إلى عالم الدهشة، فيتجلّى الشعرُ صورةً وإيقاعًا!
هذا فعلاً ما تتبيّنه في إهدائها العملَ كاملاً. المُهدى إليهم فئات ثلاث. الفئتان الأوليان، تمازجٌ بين ضوءٍ وخلود: “…السنابل الخالدة التي تضيء…” و”… من أشعل المعنى بثقاب الخلود”. كأنّما الفئتان هاتان، تعرّفهما بالفئة الثالثة. هم “الأرواح الهائمة في عالم الكلمة”… الإهداء في حدّ ذاته، يأخذُكَ في ومضةٍ إلى عالم الكلمة، تهيمُ في تلك الأرواح لتدركَ ضوءَ الخلود المشعّ في كينونتها (الكلمة) هويّةَ “إله”!
وبعد،
في غوصٍ إلى ومضات الديوان، وأنتَ في سياقٍ فسيح، تخالُكَ في ساحةٍ تجمّعَ فيها عددٌ هائلٌ من نصوصٍ صغيرة متنوّعة الموضوعات والشكل، توزّعتْ زرافاتٍ ووحدانا، تتنقّل بينها ويجمعكَ فيها تفاعلٌ واحد، الدهشة. جديرٌ هنا التنويه كم تأخذكَ القفلةُ إلى عكس الكلمةِ الأولى لتهتف من صميم: آه! على سبيل المثال:
“هجرَتْه
لتحتفظ بحبّه
إلى الأبد”.
طبعًا، نحن في أدبٍ وجيز، يلدُ للجمال. بعضُ كلماتٍ، جملةٌ أو بعض، تستوفي المعنى… وتُكثرُ منه. يلدُ للجمال قلتُ… والأدبُ جمالٌ في علو… وقرأتُ تسميةً وصفت الكاتبة: شاعرةُ الومضة… قبلتُ في انسياب… الشعرُ قيل، “اللي بيقبّك من مطرحك”. الومضةُ إنْ لم تفعلْ، تبقَ دون اسمِها… شاعرةُ الومضة، شاعرةٌ وامضة…
الومضةُ أدبٍ وجيز، يميلُ إلى الشعر، حتى الشعر كلّه. بديهٌ أنْ ليس وزنٌ وقافية… الصورةُ والدهشةُ وافيتان…
غالبٌ في السنبلات، إضاءاتُ ومضاتِ الغزل… كأنّما القلبُ في زينة يكتبُ بيراعةٍ حمراء… حبًّا أكيدًا، لكن نزفًا دافقًا…
“ملائكةُ الليل
أمام عشقكَ
تصلّي
في معبد الشياطين”.
“عشقتُ دمعتي
بمرايا
وجهكَ المتشظّي
فوق أكتاف الغربة”.
ما يشي كم الحبّ النازف معاناةً يسيلُ لا مدادًا يجفّ على وشمات القرطاس، بل مُدامًا يحيلُ متذوّقَها نشوانَ من ارتشافاتٍ واجعة!! وكم تطابقٌ بين الألم والتكثيف، فعلاً أدبيًّا من فيض إنسان!
الموضوعاتُ الأدبيّةُ المختلفة وطنيّاتٍ ووجدانيّات، وبعضُ لمعاتٍ في الله، لوّنت لزينة حمّود سنبلاتِها، فأضاءت كنجومٍ سائرة شعاعاتِ فضاءاتها المنيرة.
في قراءةٍ أسلوبيّة، اعتماد الومضات نمطَ الوصف الداخليّ… مؤشّراته متوافرة على تفاوت… غالبِ النصوص جملةٌ فعليّة، وبعضٌ جملةٌ إسميّة، تشكّلتْ غنيّةً مغنِيةً السياق، تختالُ غانيةً من حلوِ إيقاع.
يخالُ إليّ وأنا أقلّب الصفحات، أنّ زينة كتبت سنبلاتها من دون ترتيب، ربّما إلاّ الكرونولوجيّ. وأوردتها بأرقامها فقط. هل تقصد بهذا أنْ هكذا ومضتْ فيها فدوّنتها على صفاء ورودها، من دون عناوين أو تصنيفٍ موضوعاتيّ؟ هل ينتمي هذا “اللا ترتيب” إلى النمط الومضاتيّ، يُعتمدُ هكذا؟ أسئلةٌ قد لا تتطلّب إجابةً، حلّتْ في ذهني فطرحتُها…
صديقتي زينة،
أصبتِ أدبًا، ظاهرٌ ولجتِه مواهبيًّا… في اعتقادي، اكتبي أيضًا، تُقدّمي جمالاً بعدُ… الومضةُ، لونٌ أدبٌ وجيز، يشبهكِ يبان… سيري إلى عمق محاره، تستخرجي جُمانًا عالقًا في انتظاراتنا!!

(دراسة قدمها د. عماد يونس فغالي
حول ديوان “سنبلات مُضيئة”
لعضو ملتقى الأدب الوجيز الشاعرة زينة حمود في ندوة للملتقى)

في ٢٩ أيّار ٢٠٢٤

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى