أدب وفنالمرأة

الأنوثة الحقيقية بين الجوهر والمظهر..(المرأة بين الاستهلاك والتمكين)

الأنوثة الحقيقية بين الجوهر والمظهر..
(المرأة بين الاستهلاك والتمكين)

بقلم: بناز عثمان

في عالم اليوم، تتعرض مفاهيم الأنوثة لصراع بين الجوهر الحقيقي والمظاهر الاستهلاكية الفارغة، تروج صورة نمطية للمرأة تعتمد على الاستهلاك والتجميل والمظاهر الخارجية، بينما يتم تهميش القيم الحقيقية للمرأة الجادة، العاملة، والناشطة في المجتمع.

ليست الانوثة زهواُ بالمظاهر أو انسياقاً وراء صرعات الموضة، بل هي اشراقة داخلية تجسدها نفحات من الرقي والوعي، وليست اداة لاستقطاب الانظار، بل لغة خفية تحاكي المشاعر بصدق هي ذاك التوازن بين الرقة والحكمة، بين الجرأة والحياء، بين الحضور اللافت والتأثير الباقي.

تتجلى الانوثة في هدوء الصوت الذي يحمل نبض القلب قبل الكلمات، وفي نظرة العين التي تقرأ العالم بحكمة، وفي خطوات واثقة لا تحتاج الى ضجيج لتعلن عن نفسها، هي الجرأة ان ترفضي كل ما يخدش كرامتك، والذكاء ان تتعاملي مع التناقضات بمرونة، والوعي ان تعرفي متى تعطين ومتى تتراجعين.

هي ايضا الشجاعة، والكرم وقوة التسامح،وهو أن ترفض المرأة ان تكون نسخة مكررة، وهي القناعة انها ليست بحاجة الى تصريح من احد لتاخذ مكانها تحت الشمس، كي تعيد اكتشاف نفسها كل يوم.

والأنوثة ليست الاستهتار بقيم الرجولة وليست الترجل والتشبه بالرجال وليست الميوعة الاستهلاكية وليست الانحدار إلى سفل الحياة الاجتماعية ،

والانوثة ليست اغماضة العين وترف التجميل والضعف، وانما هي القوة والثقة والشخصية الثابتة عن الحق، الكريمة والقادرة على إعطاء معنى المرأة الحرة ،المراة التي تعرف أين تبدأ حريتها واين تنتهي.

لا يمكن البحث عن الأنوثة في الاماكن الخاطئة، فالانوثة تنمو في الداخل وتزدهر كلما اقتربت المرأة من حقيقتها كقوة لها مساحتها وعمقها، وقادرة كانسانة ان تضيء دون ان تحترق.

فالأنوثة ليست مجرد مظهر أو تصرفات سطحية، بل هي مزيج من الثقة، الذكاء، والقدرة على التأثير في المجتمع. بعض الاتجاهات الإعلامية والتجارية تحاول اختزال الأنوثة في المياعة والمبالغة في الاستعراض، مما يُفقدها قيمتها الحقيقية. الأنوثة الحقيقية ليست في الصوت الناعم المصطنع أو التصرفات المفتعلة، بل في الشخصية القوية المتزنة التي تجمع بين الرقة والقوة.

المجتمعات الاستهلاكية تدفع المرأة نحو الانشغال بالمظاهر بدلاً من تطوير ذاتها، ويتم الترويج لثقافة شراء المنتجات الفاخرة، الموضة، ومستحضرات التجميل وكأنها معيار أساسي للأنوثة، مما يؤدي إلى إغفال القيم الأهم، مثل التعليم، الإنتاج، والاستقلالية الفكرية والمادية.
هذه القيم الاستهلاكية تجعل المرأة رهينة لمعايير خارجية، فتسعى للقبول الاجتماعي بدلًا من تحقيق ذاتها.

المرأة الجدية هي التي تدرك أن قيمتها الحقيقية لا تقاس بمظهرها، بل بعلمها، عملها، ومساهمتها في المجتمع. إنها المرأة القادرة على تحقيق التوازن بين أنوثتها ودورها الفعّال، فتكون قوية دون أن تفقد رقتها، ومستقلة دون أن تتخلى عن مبادئها.

المرأة العاملة والناشطة ليست فقط موظفة أو سيدة أعمال، بل هي تلك التي تسعى لتطوير ذاتها، وتؤمن بدورها في بناء مجتمعها، سواء كانت طبيبة، معلمة، مهندسة، أو أم تربي أجيالًا واعية. تمكين المرأة لا يعني فقط منحها فرصا مهنية، بل دعمها لتكون فاعلة بفكرها، قراراتها، وإسهاماتها

العلم والعمل هما مفتاحا القوة الحقيقية للمرأة. فحين تمتلك المعرفة والمهارات، تصبح قادرة على اتخاذ قراراتها بنفسها، دون الحاجة إلى التبعية لأحد. المرأة المتعلمة الواعية تدرك أن الجمال الحقيقي ينبع من عقلها وروحها، وليس فقط من مظهرها الخارجي.
وكانت المرأة الكردية وجهودها المستمرة ضمن الحراك المجتمعي سباقة في التمكين السياسي والعملي والإداري، وتحررت من هيمنة الأعمال المنزلية الروتينية واستطاعت أن توفق بين عملها في البيت والعمل خارج البيت ،كما استطاعت أن تحد لنفسها مكانا ضمن الحركة السياسية والثقافية ،وكان انتقالها للحراك العسكري ومشاركتها بالأعمال القتالية ضد عناصر تنظيم داعش مرحلة جديدة من مراحل نضالها، وتثبيتاً لدورها في المجتمع وبعيداً عن تلك الصورة التقليدية والنمطية، التي رسمها المجتمع الذكوري عنها، ورغم الأنوثة الطاغية التي كانت تمتللكها، فالأنوثة الحقيقية تكمن في الثقة بالنفس، الذكاء، والاستقلالية، وليس في الانقياد لمعايير سطحية يفرضها المجتمع الاستهلاكي.
المرأة القوية ليست تلك التي تتبع الموضة، بل التي تصنع بصمتها في المجتمع بعلمها، عملها، وتأثيرها الإيجابي. لهذا، يجب أن نعيد تعريف الأنوثة بعيدًا عن القوالب الاستهلاكية، ونؤكد على أن المرأة الجدية والواعية هي النموذج الحقيقي للأنوثة القوية.

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى