حتى تعرف الحقيقة كن على الحياد !!بقلم الإعلامي محمد عمرو
حتى تعرف الحقيقة كن على الحياد !!
تعلمنا أن الكلمة بجوار الكلمة تصبح جملة، والجملة بجوار جملة تصبح حكاية، والحكاية لها بداية، والبداية لابد وأن يكون لها نهاية، لذلك سأحاول جعل الجملة تحضن الجملة لنصل فى النهاية إلى الحقيقة.
سألت نفسى لماذا أكتب؟ أجابت: أكتب كما قال نزار قبانى: كى أفجر الأشياء بداخلى، فالكتابة انفجار (وأيضا كى ينتصر الضوء على العتمة.. فالكتابة انتصار) …
اكتب كما قال الأديب التركى “أورهان باموك” أحد أشهر من فازوا بجائزة نوبل فى الآداب: أكتب لأننى لا أستطيع أن أتحمل الحقيقة وحدي، ولأننى عزمت على مقاومة هذه الحقيقة لتعيشوها معى…
ليست الكتابة ترفاً ولكنها فريضة، أن يكتب الإنسان فكرته وتجربته وذكرياته وهو مدرك لأهمية الكتابة، ليعلم ويتعلم من تجربته.
متى تستطيع أن ترى الحقيقة وتتقبلها؟ سؤال سألته لنفسى كثيراً، واحترت فى إلأجابة عليه ، ربما يعود ذلك لأشياء كثيرة…
لكن السؤال الثانى هو الأصعب.. هل كانت الحقيقة غامضة لهذه الدرجة؟ فى الحقيقة لا، فقد كانت تحت عيني طول الوقت ولكني لم أرها، فالإنسان لا يرى ما لا يحب، فإذا رأى ممن يحبهم ما لا يحبه بحث لهم عن تبرير يستقيم مع حسن ظنه وتفسير أقرب لفكرته وعاطفته، والحقيقة أنك تستطيع رؤية الحقيقة إذا خرجت من مشاعرك (نعم هذه هى الحقيقة وهذه إجابة السؤال الأول.. متى تستطيع أن ترى الحقيقة وتتقبلها؟ الإجابة: إذا خرجت من مشاعرك).
فالمشاعر تصنع للأشياء التى نراها (رتوشاً) وألواناً مبهجة، بل المشاعر فى بعض الأحيان تغير الحقيقة تماما وتستبدل أشياء أخرى مكانها، لذلك ستظل الصورة المزيفة للأشياء التى نحبها ساكنة فى وجداننا لا نصدق عنها ما يغيرها أبداً، وقد نصل فى سبيل الدفاع عن الصورة المزيفة التى نحبها إلى درجة (رجم كل من يضع الصورة صادمة بلا رتوش أمام أعيننا) وقد نتمادى فنكذب أعيننا ونسفه أسماعنا عن سماع الحقيقة.
وعلى نفس المنوال أيضاً سيبقى التصور الكريه للأشياء التى نكرهها قابضاً على قلوبنا، أقولها بصدق وعن تجربة شخصية لن تستطيع أن تحكم على الأشياء أبدا وأنت تحب وتكره، لن تستطيع أن تحكم بمشاعرك أبدا، فإذا جرٌدت نفسك (ما استطعت) من المشاعر حينها فقط ستتاح لك الفرصة للاقتراب من (الصورة الحقيقية). وحينما كنت أعيش فى (المشاعر الناعمة الحالمة) لم أر إلا ما يحرك هذه المشاعر الجميلة، وكنت أضع غطاء وساتراً على الأشياء التى قد تزعج خاطرى وتقلق مشاعرى وأى شيء يكون موجعاً ومزعجاً، وهكذا نحن جميعاً، فكل من انفعل بفكرته واندمج فيها ومشى بقلبه معها لا يمكن أن تطالبه برؤية محايدة، فالحياد ضد المشاعر (الحياد ضد المشاعر.. وكذلك الحقيقة ضد المشاعر) لا يمكن أن ترى الحقيقة إلا بعد أن تفصل نفسك عن مشاعرك. ولذلك فإننى لم أتعرف على الحقيقة إلا بعد أن اقتربت من منطقة الحياد، وشيئاً فشيئاً رأيت الصورة الحقيقية بعد أن فصلت نفسى عن مشاعري.