منتديات

الحياد…بقلم الشاعر حسن علي شرارة


هناكَ فرقٌ بينَ الحِيادِ، والموضوعيّةِ، والإنصافِ، والانحيازِ، وموقفِ اللاموقفِ.
فالانحيازُ لغةً يأتي بمعنى: الانضمامِ، ومصدرُها: الفعل انحاز، فهو تبنّي مجموعة من الأفكار والاعتقاد بها دون غيرها، حتّى وإن لم يُعلن عنها الإنسان بشكل مباشر إلّا أنّها المحرّكُُ لكلِّ سلوكيّاتِه.
والحيادُ في اللّغة العربيّة من حاد أي مال عنه وعدل، ويأتي بمعنى: عدَمُ الميْل إِلى أيّ طرفٍ من أَطرافِ الخُصومة، والمُحايد: الشَّخص الذي يتَّخذ موقفًا محايدًا في إشكاليّة محدّدة.
والحياد نوعان: حياد تقليديّ سلبيّ، وحياد إيجابيّ أي أن لا تقف الدّولة المحايدة موقف المتفرّج إزاء حدث أو أحداث دوليّة، بل تحاول تخفيف حدّة التوتّر والنّزاع.
إنّ أساس الحياد هو اتّفاقات دوليّة أو قوانين داخليّة، أي أنّه ينبع من أساس قانونيّ، في حين أنّ عدم الانحياز يقوم على اعتبارات سياسيّة وليست قانونيّة.
ولقد برز هذا المصطلح بعد مؤتمر باندونج المنعقد عام 1955، وكان وراء هذه الفكرة أميركا، وذلك لحشد أكبر عدد ممكن من الدّول في كتل وأحلاف خارج إطار حلف وارسو وحلف الأطلسي، وذلك للوقوف في وجه بريطانيا وروسيا وغيرهما من الدّول الكبرى في تلك الحقبة التي شهدت صراعًا حادًّا على النّفوذ وعلى اقتسام العالم.
ولكن هذا الاصطلاح اختفى وبرز مكانه اصطلاح عدم الانحياز الّذي برز بعد مؤتمر بلغراد عام 1961، وظهرت بعده مجموعة دول عدم الانحياز، تلك الدّول الّتي كانت لأميركا هيمنة كاملة عليها، سواء أكانت تلك الهيمنة سريّة أم علنيّة. وفي مؤتمر بلغراد المذكور كان عددُ المشاركين فيه 21 دولة، وارتفع في العام الذي يليه أي عام 1962 إلى 47 دولة في المؤتمر الّذي عُقد في القاهرة وشارك فيه ما يقارب العشرة دول من دول أميركا الجنوبيّة الدّائرة في فلك أميركا.
ولعبة الحياد بأشكاله الإيجابيّة والسّلبيّة كافّة أصبحت مكشوفة، وكذلك فإنّ عدم الانحياز هو كذبة كبيرة، إن لم نقل إنّها كذبة فاضحة، ولا يوجد في العالم شيء اسمه حياد أو عدم انحياز، لأنّ الدول الكبرى تتقاسم العالم كمناطق نفوذ لها.
ولبنان منضم فعليًّا ورسميًّا إلى حركة عدم الانحياز منذ سنة 1961، وهو معتمد سياسة النّأي بالنّفس.
فلا ندري ما هو الحياد الّذي يرغب به البطريرك الرّاعي.
وقد ورد في الإنجيل: أنا عارف أعمالك، أنّك لست باردًا ولا حارًّا. ليتك كنت باردًا أو حارًّا، هكذا لأنّك فاتر، ولست باردا ولا حارًّا، أنا مزمع أن أتقيّأك من فمي. رؤيا يوحنا اللاهوتيّ – الإصحاح الثالث
ويقول مارتن لوثر كينغ: “إن أسوا مكان في الجحيم مخصّص لأولئك الّذين يقفون على الحياد في المعارك الأخلاقيّة الكبرى” فهذا حياد في غير موضعه أي في موقف يتحتّم على الجميع أن يقف مع العدل ضد الظّلم أيًا كانت انحيازاتهم وهو موقف أخلاقيّ نَصِفُهُ بأنّه موقف العدل والإنصاف.
وقالَ الإمامُ عليٌّ عليهِ السّلامُ عن الصّحابةِ الّذين خذلوه ولم ينحازوا إلى خصمِه أولئك لم ينصروا الباطل لكنّهم خذلوا الحقّ.

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى