بيروت و بلاغة الألم …بقلم الشاعرة الشاعرة حنان شبيب

بيروت وبلاغة الألم
يتقلب وجهي فيما حدث، فينكفئ على جرح بليغ…
عندما يعمى النور فكيف ننتظر جيوش الحياة ونرى زهور الأمل.
كم حاولت الكتابة وفشلت.. أفشلت أنا أم تمردت الحروف؟
لعلي خجلت من بيروت… فما الذي سأقوله وأي قول سيكفكف دموعها.. ويوقف نزيفها… ما أعجز الحرف اليوم!
وإذا كان الصمت في حرم الجمال جمالا… فإن الصمت بحضور الموت واجب.
أواه يا بيروت يا بنت الندى
قتلوك يا (شقّيقةَ النعمان) ؟
فستان عرسك لطخوه بجرمهم
ودم العريس يلوذ بالشطآن
بيروت يا أم الرواية
كم يطول حديثها!!
فمتى يكون الثاني؟
…..
ابني يسأل.
- أمي لماذا تبكين؟
لو كنت عرفت بيروت لما سألت!
هل عرفت بيروت؟
لا… لم تعرفها كما عرفتها..
هل شممت عطر بيروت؟
لا… لم تجربها كما جربتها
هل تمشيت في شوارع بيروت… أزقة بيروت؟
هل شحذتك نسائمها، وأمطرت عليك غيومها؟
هل رأيت بيروت بخلاخيل النور، تراقص نسائم الفجر على شواطئ السحر؟
إذا لم تكن رأيتها فأنت لا تعرف بيروت.
خزانة من أسرار التكوين الأول، حين انفتاق الرتق الذي كان يجمعها بالسماء بكلمة (كن)، فكانت حورية الأرض والبحر والسماء…كم مرة قتلت! وكم مرة قامت!
سيظل في عبِّ الزمان أريجها
سيظل رغم الموت والنيران
ويظل في سمع الزمان نشيدها
رغم النشيج المر والأحزان
وهل أحببتَ في بيروت؟
ليس كما أحببتُ.. كان حبّا فوق الوصف وفوق العزف..
كان يشبه عاصفة من كرز وتوت… كان قصفًا من بنّ في فنجان مجنون..
كان الحب في بيروت تحوطه النجوم وتراقصه جنيات الفصول.
تمت محاسنُها على أيامنا
يا طيبَ مبسمها ضحى الأكوانِ
هي نور روحٍ وانتشاءُ مشاعرٍ
هي بهجةُ الأركانِ والأزمانِ
هل تعلمتَ في بيروت؟ وهل تباهيت باقتناء الكتب وأنت تتجول في دور نشرها؟
لم تتعلم كما تعلمتُ… تعلمتُ من كل شيء فيها،
وتعلمت على أيدي نبلائها؛ أنبياء العلم ومبلغي رسالته.
تعلمت منهم التواضع ومسارات التفكير.
أحدهم الشيخ صبحي الصالح…كان يضع عِمّتَه على المكتب ويبدأ محاضرته بعد حديث ودود.. كان لعِمّته حديث فهمته الآن.. كان هذا الرجل ناصع الوجه يشبه بيروت… صوفي الملامح والنبرة… مسلحًا بالوقار والعلم. رجل مثله لماذا يقتل في عاصمة الجمال والكتب؟
لم أكن أفهم لماذا يُغتال الصالحون فقط !!!
لقد اغتيل إبان الحرب الأهلية في بيروت عام 1986 وبكاه لبنان ونعته بيوت الله، كل على طريقته.
في السنة الثانية من دراستي اشتعلت الحرب الأهلية – هكذا سميت- تغير وجه بيروت وتغيرت خارطتها بخطوط تماس هنا وهناك…
لماذا أتذكر الآن كل هذا؟
لأن ما حصل بالأمس البعيد كان مقدمة لما حدث البارحة..
لقد تفجرتُ معها… وتطايرت نتفي وأنا البعيدة
عن وجهها لكنها في قلبي…كنت كمن كان في عين القاصفة
.. لقد مسحت وجهي الذي تخضب بدم ألمه فامتلأت كفاي بالدموع والدماء.. حضر أمامي فجأة نزار يرثي بلقيسه وبيروت العرب.. وبيروت الحب.
بيروت هذه المرة بلا خطوط تماس أرضية… بيروت هذه المرة بخط تماس واحد مباشر إلى السماء.. موت لم يفرق… موت جامع.. رقصة التوابيت واحدة.
لم يلبس الموت رداء الطائفية… علينا أن نذكر محاسنه.
اختلطت دماء الكل لينبت أرز لبنان خصيبًا…ولتولد بيروت من جديد.
وحزن القلب ذباح
أَنّى نظرتُ.. براكينٌ و أفئدةٌ
تطير تهوي فحزنُ القلبِ ذبّاحُ
جراحُنا لم تزلْ في القلبِ نازفةً
حتّامَ نبقى وجرحُ الروحِ صيّاحُ
إنا انتُهِبْنا شرايينًا وأوردةً
ما عاد يلهمُنا عشقٌ وأفراحُ
هل كان حقًّا عبيرُ الأرضِ يملؤنا
وسال من نبضِنا تينٌ وتفاحُ؟؟؟
بيروتُ يا جبهة التاريخِ.. درتَه
رشّي عطورَك.. مسكُ الدمّ فوّاحُ
لكنني يا بيروت لا أخفي خوفي من هؤلاء( ال ماكرون وصحبه )
الذين رقصوا على وقع أحزانك رقص الذئاب…. لا تصدقي يا بيروت وعودهم….
الجوع صدأ الفكر، وانتظار المساعدة وهن العزائم، ومد اليد تصدع بنيان الكرامة….عقود المذلة تنتظر التوقيعات الكبرى عندما تزحف الشعوب على رؤوسها ويتوقف نبض تفكيرها….وتصير اللقمة أكبر همها.
إني أرى ما لا ترى
ضاع الطريق
وكلنا في المنحنى
حدّقْ ترى
فرعون مصلوبًا
بأقوال الورى
وترى فراعنةَ الزمانِ
تبجحوا
فاقوه فتكًا والدماء على الثرى
كل الرؤوس تدحرجت
لم يبق بيت للسماء فهل ترى؟
إن الطغاة تناسلوا خطفوا النجوم
وليلنا دامي الذرى!
ما عاد في الأفق البعيد ضيا يرى!
بيروت ثكلى فاحترس …!
جَرّدْ جراحك وانطلقْ
إما انتصار يستردُّ بريقَنا
إما الردى.
ساووا الحروف… فالصلاة جامعة
صلوا من أجل بيروت…وكل مدائن الحضارات التي تستباح تحت سمعنا وبصرنا.