أدب وفن

مِنْ دلالاتِ تَحَوُّلاتِ لُغَةِ النَّصِّ الرِّوائيِّ على فاعِلِيَّةٍ الزَّمانِ المُجْتَمَعِيِّ (الحلقة الأولى) الزَّمان:مفهوماً وفاعِلِيَّةً

الدكتور وجيه فانوس

(دكتوراه في النَّقد الأدبي/جامعة أكسفورد)

1.مُعْطى أوَّل:

        فهم كثيرٌ من الفلاسفة أنَّ ماهيَّة الزَّمان تقومُ في الحَرَكَة؛ ولعلَّ من أبرز المفاتيح لاكتشاف أبعاد هذا الفهم وميزاته، الولوج إليه عبر ما يمكن استنتاجه ممَّا يُقَدِّمُه كلٌّ من أرسطو وهيدجر في هذا المجال. يَبْرُزُ”أرسطو”Aristotle(384 ق.م – 322 ق.م)  واحِداً مِن أهمِّ الفلاسفة الطَّبيعيين، في حين يُعتَبَر”مارتن هيدجر”Heidegger Martin(1889-1976)، مِن أبرز الذين أسَّسوا لكثير من مفاهيم التَّعامل مع موضوع الزَّمان في الفكر العالمي المُعاصِر.

مارتن هيدغر

2. مُعْطَى ثانٍ

رَبَطَ أرسطو، في كِتاب “الطَّبيعة“، الزَّمان بالحَرَكَة؛ ثمَّ حَدَّهُ بأنَّهُ “مِقدارٌ بحسب المُتَقَدِّمِ والمُتَأخِّر” (Aristote, Physique, 1. 4, c. 10-14)؛ فإذا ما كانَ “الزَّمان”، بهذا الفَهم، نَوْعاً من المعيارِ أو المقياس، فيُمكن، تالياً، تقريرُ بِضْعَةَ تأسيساتٍ لَعَلَّ منها:

  • لا يَكون الزَّمان بذاته
    • لا يُمكن للزَّمان أن يَكون الحركة
    • يَكون الزَّمان في عدد الحركة أو مقدارها
    • يُقاس الزَّمان، الذي هو مقياس لحركة ما يَكون فيه، بالحركة العامَّة لِلْكَوْن
أرسطو

ولكن، لا بُدَّ، في هذا المجال، من ملاحظة أمورٍ مُمَيِّزَةٍ من أبرزها:

  • إذا كان الزَّمان بحاجة أساسٍ إلى موضوع يَكون فيه، فهو متأثِّر بهذا الموضوع.
  • إنَّ الموضوع الذي يَكون فيه الزَّمان يُصبِحُ، بحكم ما هو فيه من الحركة العامَّة للكون، مِقياساً لهذا الزَّمان.
  • إنَّ الزَّمان، بحكم ما له من ارتباط بالحركة العامَّة للكون، يُصبح مؤثِّراً في موضوعه.
“فان كوخ” والانفعال بالزَّمان

3.خُلاصةٌ تأسيسيَّةٌ أولى:

يَكون الزَّمان، إذاً، في الموضوعِ الَّذي هو فيه، ويتجلَّى عبر قطبين:

  • التَّأثر أو الانفعال.
  • التَّأثير أو الفعل.

لكلٍّ من هذين القطبين خاصيَّة ينماز بها من الآخر؛ ففيما ينماز الانفعال، بما يمكن أن يُعْرَف بالسَّلبيَّة؛ يقفُ الفِعلُ، في خانة ما يُمْكِن أن يُسَمَّى بالإيجابيَّة. ولِذا، يُمْكِن فهم أنَّ الزَّمانَ يَكون مِقياساً وأساساً في الوقت عينه:

  • مقياس، بحكم ارتباطه بسواه وانفعاله به.
  • أساس، باعتبار:
    • فاعليَّتِه في هذا “غير المُرْتَبِط به”.
    • ما يُمَثِّله من أساس، في فهم حركة الكون وتَشَكُّلِ مسارات الوجود.

4.خُلاصة استنتاجِيَّةٌ أولى

خلاصةُ الأمر إنَّ الزَّمان، ووفاقاً لِما تَدلُّ عليه مفهومات أرسطو وتعريفاته، لا يكون من غير حركة، أي من دون ما يمكن وصفه بالتغيُّر؛ فإذا ما توقَّف المرء عن الشُّعور بالتَّغيير أو بالحركة، فإنَّه لا يعود يشعر بمرور الزَّمان.

يمكن، تالياً، استخلاص ما يلي:

  • ليْسَ الزَّمان واحداً من الأمورِ ذاتِ الصِّفات السَّلبيَّة في الوجود.
  • الزَّمانُ قوَّة فاعلةٌ وأساسيَّةٌ في فهم الوجود والتَّعامل معه

5.معطى ثالث

ينطَلِقُ “هيدجر”، في تفكيره في الزَّمان من تأسيسيَّة ترى أنَّ:

  • “الهَمَّ” “sorge”، هو الطَّابع الأساس للوجود الإنساني.
  • الموجود الإنساني مهموم بتحقيق إمكانياته في الوجود (Heidegger, Sein und Zeit, Halle, 1927).

إذا ما كان “الهَمَّ”“sorge”، بناءً على ما يذهب إليه “هيدجر”، يتَّخِذُ تراكيب ثلاثة تتوزَّع على:

  • تحقيق مُمْكِنات، أو الفِعْل الآتي
  • ما تحقَّق من مُمْكِنات، أو الفعل الذي كان
  • ما يَجْري تحقيقه من مُمْكِنات، أو الفِعل الرَّاهن

6.خلاصة تأسيسيَّة ثانية

لا بُدَّ للهمَّ “sorge”، تالياً، من أن يتَّصِفَ بالأحوال الزَّمانِيَّة المترابطة بهذه الأفعال:

  • المُسْتَقْبَل
  • الماضي
  • الحاضِر

7.خلاصة استنتاجيَّة ثانية

إنّ الزَّمانِيَّةَ، عند “هيدجر”، هي الوحدة الأصليَّة لتركيب “الهم”“sorge”؛ إذ هي ما يجعل هذا “الهمَّ” مُمْكِناً، وذلك باعتبار أنَّها الآنيَّة. ولا تكون، هذه الزَّمانيَّة، عند “هيدجر” مطلقةَ الوجودِ؛  بل تتزمَّن مرتبطة بالمستقبل الذي هو، برأي “هيديجر”، أساس ما هو زمن، والاتجاه الأساس له في الوقت عينه.

إذا ما كان تصوير هيدجر للزَّمان يُشير إلى ارتباط مبدئي للإنسان به، فإنَّه لن يُمكِن النَّظر في هذه المبدئيَّة إلاَّ من خلال تَشَكُّلات الزَّمان المرتبطة، هذه المرَّة، بموضوعه.

يُمْكِنُ لهذا النَّظَرِ في الزَّمان، كما يُسْتَخْلَص من مفهومات “هيدجر” ومقولاته، أن يؤسِّسَ لخُلاصةٍ مفادُها:

  • ثَمَّة فاعليَّة توجيهيَّة للزَّمان مُنقادة بأمرين:
    • أساسيَّة المُسْتَقْبَل
    • حتميَّة السَّعي إلى تحقيقه

8.استنتاجٌ عامُّ

الزَّمان، وفاقاَ لما تمَّ استخلاصه من مفهومات كُلِّ من أرسطو وهيدجر:

  • أمر أساسٌ مؤثِّر وموجِّهٌ لِما هو موضوع له.
  • أداة لحساب مقدار هذا الموضوع.

*******************

(إلى اللقاء مع الحلقة الثانية: الزَّمان والموضوع)

*نقلا عن موقع Aleph Lam

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى