منتديات

شخصيَّة ثقافيَّة/ ظافر القاسمي 1913- 1984

شخصيَّة ثقافيَّة
ظافر القاسمي
1913- 1984

إعداد: الدكتور وجيه فانوس


الأستاذ “ظافر القاسمي”، الحقوقي والمؤرخ والأديب؛ هو من بين الكِبار الكبار الذين عملوا جاهدين وبكل إخلاصٍ، مع الرَّعيل الأوَّلِ من مؤسِّسي “المركز الثَّقافي الإسلامي”، على توطيد ركائز هذا “المركز”، التي سبق أن اقترحها دولة الرَّئيس تقيِّ الدِّين الصُّلح. ولقد ظلَّ الأستاذ “القاسمي”، طيلة ما يزيد على سنوات العقد الأوَّل من انطلاق أعمال “المركز”، أحدُ الأجلَّة الكرام الذين لم يألوا جهداً في اقتراح موضوعات كثير من نشاطات “المركز” والعملِ على تنفيذها؛ فألقى من على منبره عديداً من المحاضرات، ونظَّم كثيراً من النَّدوات العلميَّة والتاريخية في رحابه، وساهم في إنجاح استضافات لكثيرٍ من أهل العِلم من المستشرقين ليقدَّموا ما لديهم من آراء واجتهادات، في لقاءاتٍ علميَّة وجولات معرفيَّة، كان ينظِّمها في مجالات الثَّقافة الإسلاميَّة والحضارة العربيَّة. وفوق كلِّ هذا، فالأستاذ “ظافر”، هو من أصرَّ على انتمائي إلى عضويَّة “المركز الثقافي الإسلامي”، بعد مرور سنة واحدة وبضعة أشهر على تأسيسه.
ولِدَ الأستاذ “ظافر، ابن الشيخ جمال الدِّين بن محمَّد سعيد، القاسمي”، في مدينة “دمشق”، سنة 1913؛ وهو ينتمي إلى أسرة ينتهي نسبها إلى الإمام “الحَسَن بن علي” رضي الله عنهما؛ ويُعتبر الشَّيخ “جمال الدّين”، والد الأستاذ “ظافر”، أحد رجال الإصلاح في العصر الحديث (1866-1914).
فقد “ظافر القاسمي” والده منذ كان في مطلع سني طفولته؛ فتربَّى يتيماً في كفالة عمِّه الشيخ “قاسم”؛ وحصَّلَ علومه المدرسيَّة في “الثَّانويَّة السُّلطانيَّة”، وكانت تُعْرَف باسمِ “مَكْتَب عَنْبَر”؛ وأخذ كثيراً من مبادئ معارفه الإسلاميَّة والعربيَّةِ عن مجموعةٍ من تلاميذ أبيه الشَّيخ “جمال الدِّين”. ولقد أتقن “ظافر القاسمي”، عبر مدارج تعليمه ودراساته، اللُّغة الفرنسيَّة، فضلاً عن العربيَّة؛ فتسنَّى له أن يكون، تالياً، صاحب باع طويلٍ في الثَّقافتين العربيَّة والفرنسيَّة.
تخرَّج “ظافر القاسمي”، في معهد الحقوق بدمشق؛ وعمل بالمحاماة، منذ سنة 1939، مع السِّياسي السُّوري الأستاذ “صبري العَسَلي” (1903-1976)؛ و”العَسَلِي” هو من سيتولَّى، لاحقاً، رئاسة الحكومة السُّوريَّة، في خمسينات القرن العشرين، ويكون، كذلك، نائباً للرّئيس “جمال عبد النَّاصر” زمن الوحدة بين سوريا ومصر، في الجمهوريَّة العربيَّة المتَّحدة، سنة 1958.
انتُخب الأستاذ “ظافر القاسمي”، نقيباً للمحامين في سورية، لدورة 1953-1954؛ فكثَّف جهوده في النَّقابة على موضوعي “رفع مستوى المحاماة” و”العمل على تأمين الضَّمان الاجتماعي” للمحامين؛ كما اختير عضواً للجمعيَّة الدَّوليَّة للعلوم التَّاريخيَّة؛ وشارك في مؤتمرات حقوقية عدَّة، وشغل منصب “نائب الرَّئيس” لمنظَّمة المحامين الدَّوليَّة،
تنقَّل الأستاذ “القاسمي”، في سنوات حياته، ما بين “دمشق”، في سوريا، و”الرِّياض”، في السَّعوديَّة، و”بيروت”، في لبنان، و”عمَّان”، في الأردن، و”باريس”، في فرنسا؛ وترك في كلِّ مدينة حلَّ فيها، بصمات وجود وثقافة وصداقة له.
أقام في مدينة الرِّياض، ما بين سنة 1966 وسنة 1969؛ حيث عمل مستشاراً قانونياً لوزارة الزِّراعة والصِّناعة؛ وكانت له، بعد الرِّياض، أقامة مطوَّلة في العاصمة اللُّبنانيَّة، بيروت؛ حيث دَرّسَ في الجامعة اللُّبنانيَّة فيها، وتحديداً في كليَّتي التَّربية والآداب، مقرَّرات “النُّظُم الإسلاميَّة” و”اللُّغة العربيَّة”، إلى جانب عمله مستشاراً قانونيَّاً لدى بعض المؤسَّسات الاقتصاديَّة في لبنان. وكانت له، خلال إقامته في لبنان، سفرات عدَّة إلى عمَّان، كان يقدِّم خلالها حلقات برنامجٍ ثقافيٍّ تلفزيونيٍّ كان يعدِّه.
انتقل الأستاذ “ظافر القاسمي”، إثر اشتداد أوار الاقتتال الأهلي الذي عمَّ لبنان، خلال محاولات القهر الصهيوني للبلد، سنة 1982، إلى العيش في العاصمة الفرنسيَّة؛ حيث جرت استضافته، بصفة أستاذٍ زائراٍ؛ في “جامعة باريس”، وكان له أن يلقي هناك محاضرات في موضوعات الأدب العربي والثَّقافة الإسلاميَّة.
توفي الأستاذ “ظافر القاسمي” إلى رحمة الله ، سنة1984، إبَّان إقامته في باريس؛ فجرى نقل جثمانه إلى دمشق، حيث صار دفنه في ثراها، إلى جانب والده الشّيخ “جمال الدِّين”.
ترك نبأ وفاة الأستاذ والباحث والعالِم والأديب “ظافر القاسمي” ألماً وحسرةً لدى محبِّيه وقادريه وطلاَّبه، وطبعاً لدى أهل “المركز الثّقافي الإسلاميِّ”؛ وقد رثيته، آنذاك، بمقالٍ نشرته لي جريدة “اللَّواء” في حينه، وهو أوَّل مقال لي نشرته الصُّحف اللّبنانيّة، بعد عودتي من إقامتي الطّويلة في إنكلترة.
كانت للأستاذ “القاسمي” اهتمامات سياسيَّة عدَّة، إذ هو مؤسِّس “الحزب الوطني” في سوريا، وهو الحزبُ االذي شارك أعضاؤه في خوض نضالات وطنيَّة جمَّة ضدَّ سلطة الانتداب الفرنسي؛ واعتقل أيَّام حُكم الرئيس “أديب الشِّيشكلي”.
انشغل الأستاذ “ظافر القاسمي”، منذ شبابه بالتراث العربي والإسلامي، فأسس مع صديقيه “داود الكريتي” و”عصام الإنكليزي”، “مكتب النشر العربي”، الذي صدر عنه عدد من الكتب المهمة؛ إلا أن ظروف الحرب العالمية الثانية أدت إلى إغلاقه، لغلاء أثمان الورق وارتفاع أجور الطباعة آنذاك.
كان “القاسمي” امرؤاً صادق الوطنيَّة، عاش في صميم مجتمعه، وانشغل بهموم أمَّته؛ ولقد انتسب إلى حزب “الكتلة الوطنية”، في سورية؛ فكانت له، عبر نشاطاته في هذا الحزب، وقفات جليَّة ومشهورة في وجه الانتداب الفرنسي.
مع أن “ظافر القاسمي” لم يكثر من التأليف؛ إلا أنَّ الأعمال التي تركها، وهي كتب متنوعة بين التاريخ والتراجم والأدب والقانون، تدلُّ، بجلاء على سعة معارفه ووثاقة قلمه؛ كما تشير، بوضوح، إلى أنَّه امتلك أدوات البحث العلميِّ وتمرَّس في دروبها.
يتجلَّى أسلوب “ظافر القاسمي” في الأدب، في كتابه “مكتب عنبر: صور وذكريات من حياتنا الثقافية والسياسية والاجتماعية”؛ وهو سجل ناطق لمرحلة من حياة دمشق العامة في العشرينات إلى أواخر الثلاثينات من القرن العشرين.
من مؤلفاته:
“توحيد التشريع في البلاد العربية” و”مكتب عنبر: صور وذكريات من حياتنا الثقافية والسياسية والاجتماعية” و”فصول في اللغة والأدب” و”جمال الدين القاسمي” و”وثائق جديدة عن الثورة السورية الكبرى” و”نظرات في الشعر الإسلامي والأموي” و”غزل من الصحراء (مسرحية)”؛ كما حقَّق، من تأليف أبيه وجده وصهره، “قاموس الصناعات الشامية”؛ كما سعى إلى طبع تفسير والده «محاسن التأويل» في 17مجلداً.
كنتُ، في سنوات النصف الأول من سبعينات القرن العشرين، أحد طلاب “كليَّة التَّربية” في “الجامعة اللبنانيَّة”، الذين نالوا شرف التَّلمذة في موضوعات “النُّظم الإسلاميَّة” على الأستاذ “ظافر القاسمي”؛ ثمَّ كانت لي حظوة الفوز بصداقته وثقته ومودته طيلة سنوات ما بعد التَّخرُّج؛ فما عرفت منه ومعه إلاَّ هذا الممعن في القيم السامية والغني باللطف ودماثة الخلق وعذوبة الحديث وصدق النصيحة. أذكر، يوم عرَّفني على نشاطات “المركز الثَّقافي الإسلامي”، متمنِّياً عليَّ الانتساب إلى هذه المؤسسة، أنّضه قال لي “عزيزي وجيه، كما تذهب في كل يوم جمعة إلى الصلاة في المسجد الجامع، فلا بدَّ لك من أن تتابع مساء كلّ خميس ما يقدَّم من على منبر “المركز” من محاضرات، وما يعقد في غرفه من ندوات”.
رحم اللهُ، أبا “جمال الدِّين”، كما كان يحب أن نناديه؛ و”جمال الدِّين”، اسم ابنه البكر الذي رزق به، في بيروت، بعد زواج له في المرحلة الأخيرة من عمره.
مراجع:
• أرشيف المركز الثقافي الإسلامي
• نزار أباظة، «جمال الدين القاسمي» (دار القلم، دمشق 1997م).
• ـ الجمعية الدولية للعلوم التاريخية «نبذة عن ظافر القاسمي» (الجمعية، بيروت 1984).
• ـ عبد الغني العطري، «عبقريات وأعلام» 375ـ382، (دار البشائر، دمشق 1996).
• ـ ظافر القاسمي، «جمال الدين القاسمي وعصره» (مكتبة أطلس، دمشق 1385هـ)
• ـ ظافر القاسمي، «مكتب عنبر» (المطبعة الكاثوليكية، بيروت 1964).
• جريدة الشرق الأوسط: الاثنيـن 04 ربيـع الثانـى 1425 هـ 24 مايو 2004 العدد 9309

.

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى