أدب وفن

الكتابة هي كل ما يعنينا…/ أدب / الكاتبة مهى عبد الكريم هسي

الكاتبة مهى عبد الكريم هسي

الكتابة هي كل ما يعنينا! أعرف أنني كاذبة تبسط كل يوم طريقاً طويلاً من الخدع المفتتة الرخيصة، لتمكنّها من رصف بضعة كلمات تجعلها تقهقه في الليل مثل الساحرات… وأتخيّل نفسي كل يوم وأنا أخرمش بأظافري جدران السّجن المؤبد، واتخيّل عباراتي تبدو على الجدران شروخاً عنيدة… وأعرف أنني لن أغادر المكان إلا جثة “غير هامدة” تتخبط مع روحها.. مقتولة بضربة شخص غاضب، وسوف يطفو حقدي حولي بحيرة مُرّة، وحين يسحبونني، سأصرخ في موتي، احملوني! كي تتساقط بعض الكلمات الأخيرة مني… أو اتركوني في الأرض كي أتحلل وأصير عبارات تزحف على الارض كالأفاعي…
لا أريد وطناً سالماً في كل الوقت، أريد لكلماتي أن تشتبك ، أن تهدّم الأوطان كي ترصف الأحجار الغريبة.. لا أريد حبًّا وديعاً يفتح الأبواب ويغلقها على مهل كي أنام، أريده أن يسحب البطانيات عن جسدي البارد، ويقترح عليّ الهرب في الليالي المثلجة حافية… عارية… كي أكتب عن تجمّدي في الزواريب النتنة، وأبكي طويلاً تحت الشرفات الرطبة، ثم أرمي أوراقي الممزقة بلؤم في مصارف المياه. ربما أريد أن أكتب عن هذا الألم الطويل المقيم منذ الازل، أريد وضعه في غرفة اعتراف، أو زنزانة كلها مرايا، عله يعترف، من أين جاء؟ من جعلني أقف هكذا في الليل مثل علاقة ملابس خلف الباب، مشدودة الظهر من شدة الألم، متشبثة بأسقف القرميد دون أن يراني أحد. من رمى عليّ تهمة الألم المسروق؟ وأنا تلك التي تتسول القصص من المارة كي تحيلها أوراقاً تسبح فوق المستنقعات. من أيّها العالم؟ هكذا سأسأل وأنا أطرق بيدي على طاولة الاعتراف، وحين لا يجيب، سأطعن أحلامي في جسده مرة تلو مرة، وأنتشل قطع لحمه صوراً وتشبيهات.
فليتقشر وجهي كلّما كتبت سطراً، فليتبعني الأطفال وهم يصفقون ويصفرون: كاذبة، كاذبة… مجنونة…. ثم ارمي عليهم الاحرف والنقاط وانا اسحب خيط الالم المديد من جوفي، حتى يصير امامي، فأسخر منه حتى الموت… ويرتد صدى قهقهاتي الشريرة…

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى