أدب وفن
الحلقة – 5- من – رواية “تحت ظِلال أشجَار التّين والزّيتُون” ( سيرة بطل مُجاهد شهيد معركة “أنوال” الماجدة) بقلم : د. مُحمّد مَحمّد خطّابي

في الذّكرىَ المائوية ” لمعركة أنوال المجيدة” 1921- 2021
الحلقة – 5- من – رواية
“تحت ظِلال أشجَار التّين والزّيتُون”
( سيرة بطل مُجاهد شهيد معركة “أنوال” الماجدة)
بقلم : د. مُحمّد مَحمّد خطّابي
جاء في التقديم البليغ للصّفحة المُشرقة الخاصّة بمناسبة الذكرى المائوية ” لمعركة أنوال المجيدة” 1921- 2021 – الذي تفضّل ممنوناً ووافاني بها صديقنا الأبرّ الباحث الألمعيّ الدكتور علي الإدريسي- ما يلي : “كان خيالاً أن تكون يا أنوال عيداً، ولجيل القرن العشرين نصراً موعودَا، وللتاريخ أنشودة فخرٍ تعبُر الحدودَا، وللشّعوب المُستعمَرة مرجعيّة وأفقاً جديدَا، ولأهل الرّيف والشّمال إكليلَ عزّةٍ وحديثاً مَجيدَا، وللحريّة مَقصداً وعنواناً تليدَا، ولقيم العدالة انبعاثاً ومنهجاً سديدَا، وللإنسان الحرّ مَعلماً لن يضيع وعنه لن نحيد”.
بمناسبة قرب الاحتفال بالذكرى المائوية لمعكة أنوال الخالدة بقيادة الزّعيم البطل محمد بن عبد الكريم الخطابي رحمه الله ومتزامنةً مع هذه الذكرىَ الملحميّة الخالدة، يطيب لي أن أقدّم لكم ولكنَّ أحبّتي الأعزّاء، صديقاتي الكريمات كلّ يوميْن مقتطفاً من روايتي “تحت ظِلال أشجَار التّين والزّيتُون” ليتسنّى قراءتها والإطّلاع عليها مشكورين وممنونين من زوّار هذه الصفحة الفيسبوكية المتواضعة الخاصّة بي سنقدّم بحول الله في سطور مقتضبة ونعرض في سرد قصصيّ مشاهدَ وأحداثاً ووقائعَ استرجاعية مستوحاة من سيرة جدّنا الأبرّ المُجاهد الأجديري الورياغلى “مُوحْ نَسِّي أحمد خطّابي الذي قيّض الله له أن يسلم الرّوح شهيداً فى معركة “أنوال” الماجدة غِرّة المعارك خلال حرب الرّيف التحرّرية الباسلة الى جانب العديد من رفقائه من المجاهدين الشهداء الآخرين الابطال الذين أعطوا النفس والنفيس، وأبلوا البلاءَ الحسَن دفاعاً عن حوزة الوطن الغالي، وذوداً عن عزّته وكرامته ووحدته وأهله وعشيرته في مقاومتهم ومجابهتهم وردّهم وصدّهم ودحرهم لأعتىَ قوّةٍ استعماريةٍ نظاميةٍ غاشمةٍ اسبانية لم تكن تغيب عنها الشمس لسنوات طويلة خلت حيث منيت في خضمّ المعارك التي خاضها المجاهدون الصّناديد الأبرار، والشهداء الشجعان الأخيار سواء في معركة أنوال الكبرى أو في أخواتها الماجدات الأخريات فى ادْهار أُوبارّان، وإغريبَن، إغزَرْ أُووشّن وسواها من مواطن النزال ومراتع الملاحم التي لا تنسى والتي خلّدها التاريخ بأحرفٍ من نور ونار.
الحلقة الخامسة – من – رواية
“تحت ظِلال أشجَار التّين والزّيتُون”-5 –
” حَرِصتْ أمّ الفتىَ ” ميمونة أزرقان” – بعد اغتيال والده – على تعليم وتلقين ابنها فنون الرّماية بالأسلحة النارية منذ الصّغر ، كانت تصعد معه الى منطقة غير بعيدةٍ عن منزلهما تُسمّى “دهار أمقران” التي كانت تحيط بها غابة كثيفة خاصّة من الأشجار المحلية من كلّ صنف ،وكانت تضع له الأحجار فوق بعضها في تدريب يُسمّيه أهل الرّيف (ذحجُورث) ، وذلك بهدف تعليمه فنون الرّماية ودقّة التسديد، وكأنّ قلب الأمّ استشعر وتكهّن،وتنبّأ بالمستقبل الذي ينتظر ابنها ليتبوّأ منزلة كبرىَ، ومكانة خاصّة في نسيج المجتمع القبليّ الريفيّ سواء على صعيد قريته “أجدير” أو قبيلته ” آيت ورياغل” أو على صعيد الدّور الحيويّ الذي سيقيّض الله لهذا الفتى أن يضطلع به إلى جانب الزعيم محمّد بن عبد الكريم الخطابي وشقيقه الأصغرالسِّي مَحمّد، والعديد من رفقائه المجاهدين الصّنادين الأخيار، والشّهداء الأشاوس الأبرار فيما هو آتٍ من الأعوام القليلة القادمة، حيث ستعرف بلاد الرّيف مساراً جديداً، وطفرة هائلة في تاريخها ستعلو بها إلى أعلى علييّن .
كانت ولدتُه تقول له في مناسباتٍ أخرى : يا بنيّ ها هي ذي الغابة أمامك شاسعة ،واسعة، مترامية الأطراف مملوءة بمختلف أنواع الحيوانات، من الطيور الجارحة، والحَمام، والحِجل، والأرانب البرية لتتعوّد على إستعمال بندقيتك وتتدرّب بها على إتقان التسديد.
عندما اشتد عُود الفتىَ أصبح معروفاً في قريته بتفوّقه في فنون القنص، والطرد، والصّيد بمهارة فائقة قلّ نظيرها في قريته، بل وحتى في القرى المُجاورة ، كانت تُنظّم في مواسم عدّة خلال الأعراس، أو احتفالات العقيقة ، أو الأعياد الدينية وسواها من المناسبات مُسابقات للتباري بالرّماية ، وكان من تقاليد وأعراف المنطقة أن تُقام هذه المباريات في الغالب بعد صلاة العصر بعد الظهيرة بالأسلحة النارية ذات الذخيرة الحيّة والتي كانت تُستعمل فيها على وجه الخصوص البنادق حيث كان ل (مُوح نسّي أحمد) منذ نعومة أظفاره قصب السّبق ، والفوزالسّاحق في هذه المباريات التي يتمّ تنظيمها في مختلف مناطق الريف خاصّة على شواطئ البحر في سواحل “الصّفيحة” أو “الطّايث” أو “السّواني” أو”الحرْش”، أوفى الحقول الفلاحية الواسعة تحت ظلال أشجار التّين والزّيتون الباسقة التي تكثر في قريته، وفى مختلف مناطق بلاد الرّيف، حيث كان لهاتيْن الشّجرتيْن المباركتيْن مدلول خاص ، ومكانة أثيرة لدى ساكنة الرّيف على العموم لذكرهما في القرآن الكريم، ولدورهما الهام في توفير الغذاء اليوميّ، والإتّجار بمنتوجهما الثمين من زيت الزيتون ذي القيمة الغذائيّة العالية ،ومن ثمرات التينٍ الطريٍّ الرّطبٍ والمُجفّف اللذيذ، حيث يكثرُ الإقبال على استهلاك هاذين المنتوجيْن على امتداد الحوْل ،كما كانت للسكّان في هاتيْن الشجرتيْن مآرب أخرى مفيدة وعديدة” . (يتبع).
