أدب وفنمقالات واقوال مترجمة

في الذّكرىَ المائوية”لمعركة أنوال المجيدة” 1921- 2021/الحلقة – العاشرة – من – رواية “تحت ظِلال أشجَار التّين والزّيتُون”

في الذّكرىَ المائوية"لمعركة أنوال المجيدة" 1921- 2021

الحلقة – العاشرة – من – رواية “تحت ظِلال أشجَار التّين والزّيتُون”
( سيرة بطل مُجاهد شهيد معركة “أنوال” الماجدة)

د.محمّد محمّد خطابي


“..استلقىَ (مُوح) أمس على لحافه مُنهدّاً كصخرةٍ ثقيلة هوَتْ إلى قعر البّحر في سُكون ، ونام نوماً هادئاً ، عميقاً، لم يَسمع حتى أذانَ الفجر، ولا صياحَ الدّيكة ككلّ صبَاح ، بل ظلّ نائماً بلا حِرَاك ، ولم تشأ والدته إيقاظه ، فقد أدركتْ بذكائها الفطري عندما رأته أمس،أنه كان مُتعباً بعد اليوم المُشمس الطويل الذي قضّاه في شاطئ ” الصّفيحة” الذي لم يزره منذ مدّة طويلة ، منذ هلاك والده المأسوف عليه على أيدي ظالمةٍ ،غاشمةٍ ، آثمة ، استيقظ اليوم على غير عادته متأخّراً نوعاً مّا على سماع زقزقة عصافير”الحَسّون” (مَنقب) الجميلة التي كانت تشدو بدون انقطاع منذ الصّباح الباكر بجوار نافذة غرفته الصّغيرة التي تظلّ مفتوحة طوال الليل .
عندما كان يتناول طعامَ الافطار بمفرده في ركنٍ قصيٍّ من صحن البيت ،بعد أن كانت والدته قد فطرت رفقة إبنيْها حمّوش وأحمد ،وبنتيْها فَظْمَة ومنُّوش،كانت أمّه تُخْرِج قطيعَ الماشية، والبقرتيْن إلى خارج البيت ليذهب بهم أخوه حمّوش إلى السّهول الخصبة القريبة من البيت لترعىَ .
تراءىَ له سرب الدجاج يجري هو الآخر إلى الخارج،عندئذٍ مرّ برأسه اسمُ طير” الحِجل” الفاتن، ندّت عن مُحيّاه ابتسامة عريضة ، إذ تذكّر في تلك اللحظة أن ّ طيور الحُجُول هي ليست للأكل فقط، بل إنّها لفرط جمالها يُضرب بها المثل في التشبيه بوصف الجَمال الأخّاذ في المرأة الحَسناء، نظراً لألوان ريشها الزّاهية، المُزركشة ،والمتناسقة ،ولأناقة أرْجُلها التي تبدو للناظر إليها وكأنّها مُخضَوْضَبة بالحنّاء ، وهي طيورٌ ذات لونٍ رماديٍّ يميل إلى اللون البنيّ الفاتح ، بطنُها برتقاليّ ،ووجهُها أبيض اللون ، ومِنقارُها ضارب للحُمرة، وأجنحتها وأرجلها حمراء أيضاً.
هذا النوع من الطيورالبريّة كان (مُوح) يراها ويرمقها في مختلف الضّواحي والأرباض المحيطة ببيته ، زادت ابتسامته إشراقاً في خَفر عندما تذكّر أنّ الفتاة إذا كانت ذات حُسْنٍ باهر،وجَمالٍ ظاهر بين عشيرته أوبين سكّان القرىَ المُجاورة يُقال فى وصفها إنها مثل “الحَجْلة”، وهي تُسمّى عندهم (تاسكّورْت).
كان الفتىَ (مُوح) كثيراً ما يرى الصّبايا والفتيات الحسناوات في قريته وهُنّ يَحْملنَ القِلال الفخاريّة الفارغة الكبيرة على ظهورهنّ لملئها من الينابيع المائية القريبة من بيته ،أو للسّقي من الآبار أو الجِبَاب التي كانت توجد في أماكن بعينها في قريته ،كانت عيُونهنّ الصّافية النقيّة تشبه عيونَ المَها، في طرفها حَوَرُ تلمع كالبريق المُشعّ، وكانت الخُمُر أو اللُّثُم المُزركشة تغطيّ مُحيّاهنّ ،وتخفي جمالهنّ البدويّ الصّارخ، وهو جمال طبيعيّ عفويّ غير مجلوبٍ بتطريّة أو مساحيق، كما كُنّ يرتدين قبعاتٍ من العزف تقيهنّ لفحة الشمس الحارقة.. تُرى هل كان يفكّر في إحداهنّ .؟
ترك (مُوح) بنات أفكاره ،وشطحات خياله جانباً ،وانتفض واقفاً ،وتقدّم نحو خارج البيت ، وقف قليلاً في رحبة أرضية البيدر لدرس الحُبوب بعد الحصَاد (أنّار) ، وهو يحدّق النظرَ بإمعان في الأفق البعيد في اتّجاه البحر ،كانت الشّمس قد طفقت تنشر خيوطها الذهبيّة اللاّمعة في كبد السّماء، وكان قرصُها الوهّاج يبدو له مُنعكساً في بهاء على صفحة اليَمّ الفسيح مَكسوّاً باللّون الأورجوَانيّ الذي كانت حُمرة الغسَق القاني البهيج ما زالت تغمرُه من كلِّ جانب ..

(يتبع).

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى