أدب وفن

مي سمعان تقرأ في قصص خليل حمادة

نزهة سريعة في ادب خليل حمادة من خلال مقالة عن الخالة


خاتون’ وبيت الطين في الريف” الرقّي ” .




اقصوصة سردية نقلتني خلال لحظات من عالم الالوان والازياء والابهار الاصطناعي الى انبهار بسطوح ترابية طينية وبيوت مجبولة بالصلصال و الماء وما جادت به الطبيعة ولاذ به الانسان ليبني ما يقيه الحر والقر والعيون وما هب ودب …
بيت يحدودب ليحمي ويقي واجساد اليه تؤوب وما اتحفنا به هذا النص التصويري الأحيائي الموغل في عبق الماضي وعنيد الارث وما كان للجدود من عزيمة ومن صلابة ومن مرؤات وتعاضد…هو جليل حقا
والمراة وما اضفته على تلك الأماكن من روحها وسكينتها وسخائها ومكرماتها أيضا.

خليل حمادة لم تتبرج لتعجب بل ازحت الاقنعة لتصدم بما في جعبتك من جمال غير مجلوب وليس الجمال الا الحقائق المطلقة في عريها وبساطتها ودنوها من عرش الذات الحية والتائقة دوما الى العودة الى عناصرها الاولى ومنابعها البلورية السنية.

مي سمعان


خليل حمادة وانت تسافر بنا الى تلك الازمنة الشاحبة احييت فينا الوان البراءة والاصالة والطبعية يوم كان الانسان ابن الحقيقة والارض والارادة والكلمة الفصل .
كتابة تأريخية معجونة بالحنان والعرفان تبدو في غير صحنها اليوم ولكنها في صحن الشبع الروحي والنفسي والدنو من نبض الارض وخط الاستواء الوجودي ..
خليل حمادة لم تتبرج لتعجب بل ازحت الاقنعة لتصدم بما في جعبتك من جمال غير مجلوب وليس الجمال الا الحقائق المطلقة في عريها وبساطتها ودنوها من عرش الذات الحية والتائقة دوما الى العودة الى عناصرها الاولى ومنابعها البلورية السنية.


الشاعرة و الناقدة مي سمعان
في ١٣/ ١١ /٢٠٢١

قصة الخالة خاتون

ماتت حبابتي « خاتون اليوم » 🥺 أُعزي نفسي و أُمي وأخوالي وأخوال أمي هناك عند ضفاف البليخ الغربية ،
كتبت عنها قبل السنتين ونيف :

في قرية « الهيشة » التابعةِ للريف الشمالي الرقّي و في هذه الدار الطينيةِ تحديداً زقزقت عصافيرُ بطوننا وشبعت على يد تلك الخاتون « الكّحيلة » المُتربعةِ تشحذُ بصيص دفىءٍ
من شمس الشتاءِ الرخوة …
تلك الجدةُ « المرندية » التي لازالت تعيش زماناً غير زماننا سبق ، لا زالت عالقةً بقشةَ بزمن البركة والمباركين …

من بين لَبِنات وحيطان هذه الدار الطينية الحنونة كحضن أم ، الدافئةِ شتائاً والباردةِ صيفاً يفوحُ عطر الديدحانٍ والصفّيرة وقد جُبل طينها بماء وردٍ شهر نيسان ،
إلى اليوم لا يُفارقني لبرهةٍ مشهد « الحج لقلق »
المُستأجر عشه فوق تلك القباب بحراسة البيت وهو يراقب كرادارٍ بعنقه الطويل خوفاً من اقتراب الأفاعي وغيرها من الزواحف ، ويقال له حج لانه يسافر للحج وقت موسم الحج ثم يعود، ولكن هاجر طائر اللقلق هذه المرة دون أن يُوضح السبب ولم يعد لغاية اليوم !
ولا ندري أغرق في البحر أم هو في زنزانةٍ عربية إنتهت إقامته بها ؟ أم رُفع مع البركة وحلق عالياً؟
لا أدري ربما كل الاحتمالات مفتوحةً كفضاءٍ رحب ،
ثم عاد ولحق به السنونو قاتل الحشرات الفعال المستثمر في تلك الدار عاموديها الغليظين بشرط أن « يصطهج »
بفيانة الدار صُبح مساء …
كانت أغلب وجاهات تلك القرية الريفية تجتمع بهذه الدار الطينية كونها دار المختار الجد « عيسى الخليل » رحمه الله
الدنُ يستقبلك على يمينك تتأبطه شوالة قمحٍ فارغةً مبللة، وقدرُ لبنٍ بارد من على شمالك تطفو فوقه طاسةٌ مُزركشة كطاسة الرعبة مصنوعةٌ من نُحاسٍ أحمر مغطسةٌ بالفضة، واليوم للأسف « ضاعت الطاسة »
البعض يلعب بحصى المنقلة والبعض الآخر يلعب البيناك والطرنيب بالشدةِ كل النهار …
هذه الدار صالحت المختصمين وتصافت فيها قلوب المتناحرين …
في موسم الحصاد كانت مقراً لتوزيع الزكاة على المحتاجين
من قمحٍ وشعير بَعلي وتجد داوود الخاجو صاحب الحصادات الأرمني السابق والمسلم اللاحق لا يفارق ظلالها وسيارة الشفر ليه خضراء اللون « متخوصرة » قبالتها طوال فترة الحصاد كبنت ليل فكانت القصص والحكاوي والمغامرات حديث سهرته الممتعه التي لا تملها وانت صغير…

جدرانها توثق الماضي فتجدُ صورةً « لخليل الحاچم إبن مهيد » هنا الذي جلس فيها مٍراراً كون أخت المختار فاطمة ربت أولاده ليُطلق بعدها على عائلة أولادها « بالمرابي » وهم من الأخوة البوجابر وصورة للإبن الكبير عبد وأخرى لأبو عبد المختار هناك …
ولوحة فاطمة النبية كما كانوا يعتقدون والتي لا يكاد صدرُ بيتٍ بالريف حينها لا يُعلقها ليتبارك بها ظناً منهم أنها فاطمة الزهراء لكن لها قصة مختلفة عكس ما يظنون ولكن بساطة أهل الريف وما آدراك …
بها غنينا اليابو الهيل والمندل ودابي دابي وصفقنا «ودربكنا عالدُنبك» عند كل فرح بعرسٍ لأحد الأخوال …
بها نمنَّا وضحكنا وأمنَّا ولعبنا الجلاد والحرامي والصقّله…
إنها دار القِباب الوحيدة التي بقيت على رجليها واقفة في القرية حتى الآن فقط أزاحوا رأسي قبتيها من الأعلى فبدل أن تكون محدودبة أصبحت قرطاء مُسطحة .

رحمك الله وغفر لك وجعل قبرك روضة من رياض الجنة
سامحك الله وداعاً اللُّقيا في الجنة بإذنه تعالى .

الشاعر و القاص خليل حمادة

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى