أدب وفنمقالات واقوال مترجمة

الشر وفقا لدوستويوفسكي/ نظرة عميقة إلى أعمال الكاتب الروسي

تيودور دوستويوفسكي نظرة عميقة إلى أعمال الكاتب الروسي و بعض المواضيع التي تناولها
لماذا يؤذي الناس بعضهم بعضا؟
الشر عند دوستويوفسكي سر لا يباح، قال ذلك في رواية رسائل من تحت الأرض ، حيث أن هناك أسرار من الممكن البوح بها لبعض الأشخاص و أخرى لا يمكن البوح بها مثل الشرور ….هذه الأسرار تسكن في أعماق الروح الخفية و تعذبنا.
الشر و الكراهية تتأتى من كبرياء مجروح…عندما كتب اندريه جيد عن الكاتب دوستويوفسكي قدَّر ذلك عاليا حين كتب :

” التواضع يفتح أبواب الجنة بينما الذل فإنه يفتح أبواب جهنم” .


الكبرياء يعني الرغبة في التفوق و هو نواة النرجسية، و جرح الكبرياء يؤدي إلى احساس اللامبالاة أمام عذابات الآخرين ، و إلى الإحتقار ، جرح الكبرياء يسبب احساسا بالإحباط و شعورا سلبيا يقضم الضمير .
عيش المضايقات و المآسي و رؤية الكرامة مسلوبة يعتبر بمثابة غرفة الإنتظار التي تقود إلى العار و الخراب ، مجتمع يذل الناس سيضاعف الشرور بين المذْلولين ، الكراهية تولد الكراهية و البؤس المادي سيؤدي إلى البؤس الفكري بحسب ما قرأنا في مذلولين و المهانين .


في رواية الشيطان ، قال جيوفيني بابيني، الذي يكون أعلى يكون أيضا موضوعا للغطرسة…”اذا كان لوسيفر معاقبا بسبب كبريائه، مسجونا و مدفونا في ظلمات غير محدودة من الكراهية و الوحدة ” فماذا عن الرغبة الجامحة غير المحدودة للوصول دائما إلى الأعلى و الأعلى ؟ و بناء حيواتنا على اساس النجاح، و معاقرة الطمع الطفيلي و الحسد، و الخوف من الفشل اكثر من اي شيء آخر….!!!

الإحتقار:
الغطرسة، التكبر و التأليه دفع براسكولنيكوف في رواية “الجريمة و العقاب ” إلى قتل المرأة المسنة دون ادنى شعور بأي مخاوف ، لأنها كانت عائقا في طريقه .
عند الأشرار ، الآخرون ليسوا إلا أدوات تعيقهم من الوصول إلى اهدافهم، لذلك هم يحتقرونهم و لا يعتبرونهم كائنات بشرية بل لا يتاخروا عن التضحية بهم ببرودة من أجل الوصول إلى مآربهم ، فمن يحتقر يحس بالفوقية و يشعر بسعادة عارمة في التسلط .
الضجر و الحرية :
اذا كنا لا نملك الحرية أن نقرر من سوف نكون ، فلن يوجد الشر و لا الفضيلة أيضا…. في دواخل ابطال دوستويوفسكي تخاض المعركة الدامية التي تولد من قدرتهم على اختيار مصيرهم.
و في مناسبات اخرى يقع الاختيار ، أن تكون المعركة مع الآخرين و ذلك لكسر الروتين الرتيب…ربما هكذا يجري تبرير ميولنا برفضنا للهدوء و الراحة ، ربما غالبية الشرور تولد من الضجر … وهو فعل الأذية نحو الآخر بدل ان لا نفعل شيئا و هذا يقودنا إلى عبارة شهيرة:

بليز باسكال :”كل الشر الإنساني يتأتى من سبب واحد ، هو عدم قدرة الإنسان البقاء في غرفته مرتاحا و هادئا …”


في كتاب الأخوة كارامازوف وردت تلك العبارة : لا شيء يغوي الرجل أكثر من إرادة حرة …لكنها أيضا لا شيء أشد إيلاما منها …
و في هذا السياق فإن ابطال دوستويوفسكي يكونون على صلة بفلسفة جون بول سارتر الوجودية .
” نحن محكوم علينا أن نكون أحرارا “

الشخصيات في رواية دوستويوفسكي لا يمتون للضحالة أو السطحية بصلة ، بل تتجلى فيهم ازدواجية عميقة التناقض، الشخصية يتلاقى فيها سلوكان متضادان و هما الشر و الخير .
في رواية الشيطان مثلا شخص ستافروغين يصف انه يشعر بالرضا حين يرغب أن يرتكب فعل الشر كذلك عندما يرغب في فعل الخير . تطرف يلامس تطرف و الجميل ينتهي بالإنصهار بالقبيح.
في روايات دوستويوفسكي، الفضيلة و الرذيلة متلازمان متزامنان، هكذا نقرأ في دكتور هيغل و مستر هايد للكاتب البريطاني روبرت لويس ستيفنسن، في شخصية واحدة نجد تتاقض يجمع بين السماء و الجحيم، الضوء و الظلال كما في لوحات رامبرندت و هو شكل يتعلق بالتعارض بين الميل للبناء و الشهوة للتدمير، و كذلك عند فرويد نظرية الحياة و الموت(EROS Y THANATOS ) .
بادىء ذي بدء دوستويوفسكي كان يبحث عن الإمتلاء و الحياة اللانهائية ، بالنسبة له كان صعبا أن يترك جانبا البعد الشرير القديم، سيكون شيء من قبيل التخلي عن أجزاء أساسية ،فأبطاله يرمون أنفسهم في الهاوية الأخلاقية ،في العنف ، في اتون الشر و لا بد أن نذكر هنا

عبارة للكاتب ستيفان سويغ: ” أن نعيش بشكل جيد، يعني أن نحيا بعمق و نعيش الأشياء بكلها، الجيد و السيء بشكل كثيف

.
دوستويوفسكي استكشف هذه الجحيم بكل قسوتها، هذا الجانب الذي لا يريد احد أن ينظره وجها لوجه، قراءة دوشتويوفسكي ليست سهلة و مريحة بل تتطلب الإلتزام العاطفي من القارىء ،ربما نحن لا نرغب بكتابة تكتشفنا، فهذا في الواقع لا يرضينا و قد يقززنا احيانا و

لكن كما يقول كافكا: الكتاب يجب أن يكون الفأس التي تكسر الجليد في داخلنا . ”

و من دون شك فإن دوستويوفسكي يسبب عصفا و صراعا في داخل كل من يجرؤ على قراءته .

ترجمة / سمية تكجي

المصدر / la semana

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى