أدب وفنمقالات واقوال مترجمة

مطرٌ يخيطُ إبريل بالهواء قصائد للشاعر الكندي جوزيف كيدني Joseph Kidney/ ترجمة: مصعب أبو توهة

مطرٌ يخيطُ إبريل بالهواء
قصائد للشاعر الكندي جوزيف كيدني Joseph Kidney

ترجمة: مصعب أبو توهة

استراحة على الشاطئ
“لربما سوف نَضحكُ حتّى على هذه اللحظاتِ يوماً ما في المستقبل”1
لربما يستطيعُ – حتّى هذا – أن يُبهجَ أو يُساعد على التذكُّر في يومٍ ما.
عندما نزلَ المطرُ بِرَذَاذِه، بينما أشرعتُنا، ممزّقةً بصنَّارتِها ورفرفتِها،
استسلمتْ كي لا تخُور قُوَاهَا؛
عندما تُسخِّر الرياحُ ظهرَها لتَجْرِف البحرَ،
كمعجزةٍ من النوع الذي يجعلها المصائبُ جليّةً،
عندها، طارتْ نعامةٌ مُتحمّسة.
بساقيها المسلوقتين وهُما تُجدِّفان الهواء،
بجِيْدِهَا الكوبرا المُطعَّم وهو يتلوّى، حامَتْ
بينما الغيومُ أفرغتْ أمتعتَها.
جلبتْ معها حَيرةَ الطوارئِ،
شيءٌ لا أعرف سبَبَه، لكنّي ما زلتُ أرى مُصلحَ فجواتِ السَّفينة،
شَعْرُهُ كخيوطِ حبالٍ قديمةٍ متهدِّلة،
لا يُخْبِرُ سوى عن بذخها.
شرعتِ السماءُ تُدْلِي بحبلٍ صغيرٍ،
ووصلنا البرَّ، بينما الزعفران يُوَرِّطُ فصلَ الرّبيع.
والبعض يُلقي بالشُّكر والآخرون قد غفروا،
أمّا أنا، قُدْتُ نفسي لاعتقاد أنَّ بعض أنواعِ الألمِ
تَتَكاملُ بنفسها نَحْوَ العذوبة،
أنّ الأنهارَ تَهَبُ نفسَها للمحيطِ كثمنٍ
لتَشَكُّلِها بِحركةِ تلك الأُعْطِية،
وأنا نفسي قد وَهبتها أصدقاءً تعثَّروا
وانزلقوا نحو الذاكرة، ينادونني، كأنني شيطانُ شعرٍ
لقصيدتِهم التي ستأتي،
بأن آتي.
الماء يتحرّك.
■■■
فيلمٌ قصيرٌ عن الحب
“أنا إنسانٌ، وأعتقد أنَّه لم يُبعدني شيءٌ قطُّ عمّا هو إنسان”
كريميس، من مسرحية “المعذِّب لنفسه” لـ ترنتيوس
شائعٌ في كلّ أشكال الرعايةِ
(بطءٌ، حذرٌ، عنايةٌ متأنّية)
هو الطريقة التي يشاهدها فيها وهي ترفع الكرتونةَ
من الحقيبة الورقية، والبيضَ من الكرتونة.
في الليالي التي تنوحُ فيها، يفكِّر كيف أنَّ المعطفَ
يفقد هيأتَه عندما نُعلِّقه على المِشبكِ
وأنواعٍ أخرى من المخازن التي تشبه الانهيار.
بعدها، يُرَبِّت على نفسه حتى يندهش.
مُغطّياً التليسكوبَ بقماشةِ رسمٍ،
يتعجّب أيَّ نوعٍ من الاتصالِ تُجريه الأعين –
كيف يُمكن للجريمة أن تُوفِّر حُجّة الغِياب عنها.
سَرق الأداة من المدرسة الثانوية،
مُهشِّماً النافذةَ بمطرقةٍ،
هَوَتْ كالملح الذي نثرته يوماً
على لحمٍ لم يُدثَّر بالورق.
كان الغرض من ذلك إعادة تنظيم الدم
هناك مَغزىً لسكب الملح على الجرح
يجعل المذاق أفضل بكثير.
■■■
نقطة موري2
إدراكُ أنّ البحرَ غالباً ليس سوى مُتَلَقٍّ للشمسِ
غَرَسَ ثقةً ما في الماء.
الضوءُ كالقوةِ الكامنةِ في العضلة:
جليّةٌ لكن مغطّاة.
طيورُ الغاقِ، كلٌّ منها ربعُ نوتةٍ موسيقية متمايلةٌ
باستراحة ربعيةٍ، متكوّمةٌ على صخور يكسوها روثٌ أبيض.
اللقالق تُعلِّق أجنحتَها الـ “ديلوريون”3 على رياح الملح.
ماذا عساه يكون أغربَ من النّظر من على منحدرٍ
نحو حيواناتٍ تطير تحتك؟
لربّما الموتى يلاحظون الأحياءَ بنفس الطريقة:
من على سموٍّ ثابت، يُمعنون النظر في القفز
ما بين موت وموت،
مطرٌ يخيطُ إبريل بالهواء.
الأمواج بالنسبة لي دائماً ما بدت
كبحرٍ يُلاطف الشاطئ.
هناك، هناك، يشاطرها.
اسمع، اسمع، أتّفق مع ما يُقال.
كما نقول، “من الواضح مَن الذي روّض مَن”.
■■■
شَبَحُهُ الذي يسمح لي
لمْ أعرفْ قَطُّ من ذاك الذي يُعطي تلك الـ”ليكن”
في أوامرَ من مثل “ليكنْ هناك نور!”
ويْكأنَّ العالمَ لم يُصنع، بل شيءٌ سُمح له بالوجود،
كأنه نوعٌ من الدعاء لـ لاشيءٍ، دعاءٌ يَتَحَتّمُ أن يبدو

  • مظلَّلاً بالمرادفات – مثل الحِداد، مثل الرثاء.
    يستغرق ضوءُ الشمس حوالي ثماني دقائق
    ليسافر من انفجاره تُجاه تحويل الأرض إلى
    إجابة.
    مُذاباً،
    الطائرُ يَضْطَرِمُ فوق المزراب،
    ويداوي الْتهابَه الحلقيَّ بالِغنَاء.
    تَفكّرَ الطائرُ كيف أنّ “نيابةً عن”
    تبدو تقريباً كفعلٍ يرادف “أن تقطع شيئاً إلى نصفين”.
    ■■■
    انكشاف
    حُزِمَ بسلّة مع أخيه لتأكلهما تقلبات المناخُ.
    بالنسبة للعُقاب، جسداهما سيكونان كرغوة.
    لم يتنازل حتى أيُّ طائرٍ لهشاشتيهما.
    عندما وصلت العقبانُ بعد سنواتٍ عديدة، ستةٌ منها حلَّقت فوق رأس الأخ.
    بعدها، اثنا عشر منها، تجرُّ أثراً كدخان طائرةٍ، فضَّلوا تلّته4.
    تجادلوا حول الأسبقية، حول الكميّة. ومن ثمّ أخذ رومولوس5 جاروفاً
    وحطّم رأس أخيه6 وسوّاه بالأرض.
    حَكَمَ لسبعةٍ وثلاثين عاماً. كان ملِكاً قَتَلَ ملوكاً.
    في يومٍ ما، في “حقل المريخ”7، وبينما يعدُّ قوّاتِه
    على طريقة أولئك الذين يعدُّون الأغنام حين لا يستطيعون النوم،
    هبّت عاصفةٌ، تتبعها مدراسات8 البرق والريح الممزِّقة،
    فبدا له ذلك نوعاً من الاحتفاء
    فانتصب أمام العاصفة.

بطاقة
Joseph Kidney شاعر وباحث كندي من مقاطعة كولومبيا البريطانية، ويقيم حالياً في كاليفورنيا. أطروحته للدكتوراه في جامعة ستنافورد الأميركية حول دراما عصر النهضة. صدرت له مؤخراً مجموعة شعرية بعنوان “Terra Firma, Pharma Sea” يستعيد فيها بطريقة فريدة عصر النهضة وإرث الدراما والفكر اللاتينيين والتساؤلات الوجودية الكبرى بصوت شخصي، في توجّه يخالف السائد في الشعر الأميركي والكندي. حظي شعره بعدة جوائز وترشيحات.


هوامش المترجِم
1 وردت هذه العبارة في إنياذة فرجيل على لسان إينياس، حيث كان يمرُّ مع أصحابه بأوقات عصيبة.
2 Mori Point: هي متنزّه في مدينة باسيفيكا في ولاية كاليفورنيا – الولايات المتحدة، وهي جزءٌ من “منطقة البوابة الذهبية الوطنية الترفيهية”.
3 DeLorean: هي سيارة قام بتصميمها المهندس “جون ديلورين” للسوق الأميركي، وأُنتجت في الأعوام 1981 إلى 1983. تصميم السيارة يستخدم فكرة جديدة في تصميم أبواب السيارة تبدو الأبواب عند فتحها كجناحي النورس.
4 إشارة إلى التلّة التي اختلف الأخوان رومولوس وروموس في تأسيس مدينتهم الجديدة عليها.
5 رومولوس هو المؤسس الأسطوري وأول ملك لروما.
6 الإشارة هنا إلى حكاية رومولوس مع شقيقه روموس.
7 Field of Mars: وهو مصطلح لاتيني (Campus Martius) قديم ويعني المكان داخل المدينة أو قربها حيث يتم استعراض أو تدريب العسكرية فيها.
8 المِدراس: أداة زراعية قديمة تستخدم لفصل القمح.
ــــــ
العربي الجديد 28 يوليو 2022

  • اللوحة للشاعر الفرنسي: Guy Garnier

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى