إلى أين؟/ قصة قصيرة / بقلم الكاتب و القاصّ محمد حسين- سورية

إلى أين؟
كانَ مرهقاً حدّ الانشطار من تعاكسِ المرايا، وحيداً في هزيعٍ لم يعرفْ طعم النوم ، ينزفُ بصمتٍ يكادُ يفجّرُ أوعيةَ الينابيعِ عندَ أرضٍ حُبلى بالشقوق،
دخلتْ حياتهُ في مستنقعِ الاتّجاهاتِ المتعاكسةِ، لعنَ شحوبَ المسافاتِ منذُ ولادتهِ ، بصقَ على حظّهِ مع كلّ نسمةِ صباحٍ،
أصبحتْ الأرضُ تطبقُ ذراعيها على رقبتهِ كحبلِ المشنقةِ ، قطعَ تذكرةَ الّلاعودةِ من الحياةِ مراراً..
في ليلةٍ قمريّةٍ كان القمرُ يفردُ جناحيهِ على منعطفاتِ الطّرقِ الخاليةِ إلا من قلوبٍ تسلّلت خلسةً لتحكي قصصها الممزوجةَ بكلّ ألوانِ الحياةِ، جلسَ سعيدٌ يتأمّلُ هذا المشهدَ غارَ بعمقٍ في ثناياه، تذكّر الخيطَ الأبيضَ الّذي رآهُ في منامهِ ليلةَ البارحةِ عندما التفّ على خصرهِ النّحيلِ وسحبهُ بقوّةٍ إلى الخلفِ وبدأ يحدّثه:
إلى أين ذاهبٌ؟ إلى طاحونةِ الفراغِ المزركشِ بالألوانِ الموتُ البطيءُ،
عدْ أيّها الأبلهُ فما زالَ لديكَ فائضٌ من الوقتِ لترقصَ.. أجلْ لترقصَ…
أطلقَ سعيدٌ ضحكاتٍ متتاليةً حتّى فقدَ وعيهُ، نهضَ مسرعاً كأنّ شيئاً مسّ عقلهُ…
إلى أين ذاهبٌ أيها المتشطّي على مساحاتِ جرحكَ؟
أنا لستُ حلماً راودكَ في الّليلِ كما تظنّ،
أنا حقيقةٌ زُرِعتْ في ترابكَ منذُ ولادتكَ لكنّ ماءكَ لم يصلني لأنّ مجرى السّيلِ فقدَ بصرهُ من شدّةِ الظّلامِ، لن أدعكَ تفلتَ من يدي مرّةً أخرى..
أخذَ سعيدٌ يفركُ عينيه بقوّةٍ يغمضهما تارةً، يتأمّلُ الرّطوبةَ المنبعثةَ من كفّيهِ تارةً أخرى..
ماذا جرى؟ لمَ كلّ هذا العذابُ المتدفّق من رحمِ السّماءِ إلى شفاهِ أرواحنا المتشقّقةِ؟
اصمتْ يا سعيدٌ وتأمّل ولادةَ الفجرِ الأبيضِ الصّاعدِ من خاصرةِ القمرِ.
نظرَ سعيدٌ،
خلدَ في نومٍ عميقٍ كان يتمنّاهُ طوالَ حياتهِ.