أدب وفن

شجر الفيكس/ قصة قصيرة/ بقلم الكاتب عماد أبو زيد

شجر الفيكس

يطيب لي المشي في ميدان المنتزه أو كما يسميه بعض الناس القيسارية، وأن أشتم عبق التاريخ فيه، أتأمل العمارة الصفراء، التي يقع فيها “دكان الخواجة”، مازالت بمشربياتها الخشبية تحتل مكانة بارزة في قلب المنتزه. كنا نشتري من الخواجة السجائر الأجنبية، والجبن الرومي القديم، وزجاجات البيرة.
حدثني الأستاذ محمد جادو من قبل عن آخر يهودي رآه في هذه المدينة، يعيش في هذا البيت. هذه المدينة أحبها وأكرهها في آنٍ واحد.
في صبايَ اشتغلت مع العم عاشور النقاش، مدة أسبوع، منحني جنيهًا واحدًا فقط؛ أعطاني ذات مرة بضع جنيهات؛ لأشتري “بوية” من محل الدفراوي، كان الرجل الكبير هو الذي يدير المحل، المعاملة معه في كل الأحوال لم تكن تزيد عن كونها معادلة رياضية، واحد + واحد = اثنان، يأخذ حقه، ويعطي العميل حقه؛ كان لي قرش واحد باقٍ، لم يسمح بانصرافي، نادى عليَّ بعد أن رفعتُ يدي، وهممت صوب الباب، في إشارةٍ مني لعدم اكتراثي للقرش، أعطاني إياه، وهو يقول: حقك.
أما العم حسن درويش؛ “فدكانه” به قليل من الأرز، المكرونة، السمن الاصطناعي، الحلوى، المربى، والصابون، وقد اعتنى بوضع لافتة في مكان بارز بالمحل، كُتِبَ عليها “الشكك ممنوع والزعل مرفوع”.
أهل مدينتي يضعون قوانين لأنفسهم دومًا، لا يحيدون عنها عند تعاملاتهم.
مصطفى صاحب بوتيك عروستي، ابتاعت زوجي منه تنورة، ثم عادت إليه في أقل من ساعة، عندما وجدتها لا تليق بها. رفض أن يعطيها التسعين جنيها، قائلاً:

  • استبدليها بحاجة تانيهَ.
    لم تجد ما يعجبها بالمحل؛ فاستمسك بالنقود، وهو يردف:
    • تعالي بعد أسبوع، هيبقى فيه بضاعة جديدة بإذن الله.
      هذا الرجل صاحب بوتيك عروستي، ذو اللحية الكثيفة، يعمل مُدَرِّسًا في الوقت ذاته، وقد رأيته بعيني رأسي، يرجو مدير مدرسته؛ ليحتسب أيام انقطاعه عن المدرسة إجازة؛ لكي لا تطاله العقوبات ويحرم من المكافآت؛ حيث إن التعليمات تحظر عليه التغيُّب خلال أعمال الامتحانات. أما جابر زميلي لاحقته شائعة، مفادها أنه ليس له في “الستات”، في الفترة التي دبت فيها الخلافات بينه وبين زوجه، والتي لم تدم طويلا؛ إذ اختار الطلاق طريقًا للخلاص، وها هو الآن أراه يوميًا، مُتنقلاً هو وأبناؤه الأربعة ما بين بيت أم زوجه الثانية، وبيته.
      ربما تكون المزيّة الوحيدة التي تعجبني في أهل مدينتي، هي استحسانهم شجر الفيكس، وزراعته أمام بيوتهم؛ فهو له مزايا عدة، منها: أنه لا يحتاج إلى عناية، ويتحمل العطش، وقد يستعين بجذوره في استخلاص الماء من التربة، ويمكن التحكم في طوله، وقص فروعه، وتشذيبه كيفما يروق لصاحبه.
      وغالبًا ما يفضلون اصطفافه حول منازلهم؛ إذ يضفي على المكان جمالاً ورونقًا، ويُوحي بالمهابة، فضلاً عن أنه ليس محل طمع؛ فهو لا يُثمر ولا يُغني من جوع، ولا يُلقي ظلاً كثيفًا؛ فيأمن في كنفه عابر، ورخيص الثمن، كما يسهل التخلص منه دون أدنى تكلفة أو مشقة.

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى