لبنان إلى أين سياسياً واقتصادياً في مطلع العام ٢٠٢٣ ؟
الجزء الثامن والثلاثون
لبنان إلى أين سياسياً واقتصادياً في مطلع العام ٢٠٢٣ ؟
الجزء الثامن والثلاثون
الكاتب السياسي، الإعلامي جوني منير : الأفق الداخلي للحلول مسدود كلّياً، ولا إمكانية لأي خرق داخلي من دون أي “حدث أمني أو مالي كبير”، أو من دون مساعدة أو وصاية خارجية أو أممية بدأت علاماتها وإرهاصاتها مع بدء ظهور إرتدادات المؤتمر الخُماسي على لبنان!
حمّود
بعد أن قمنا في الملتقى باستشراف آراء العديد من السياسيين والخبراء الاقتصاديين والماليين والإعلاميين والحقوقيين والمثقفين من النخب اللبنانية، في ترقب حثيث لتداعيات الأمور على الساحة السياسية، والاقتصادية، والاجتماعية والقضائية اللبنانية، خاصة في ظلّ هذه الطغمة الحاكمة بأمرها، الضاربة بعرض الحائط كل معاناة الشعب اللبناني في ظل تدهور أوضاعه من هوّارة لهوّارة، ومن شوار لشوار حتى وصل إلى حضيض الأمل وفقدان كل مقوّمات الحياة الكريمة، في الوقت الذي ما زال، يا للأسف! كل هؤلاء الحُكّام يتنازعون فيما بينهم ويتناتشون ما تبقى من كرامة المواطن اللبناني فلا كهرباء ولا دواء ولا غذاء ولا تدفئة … ولا تعليم ولا جلسات لانتخاب رئيس جديد للجمهورية تلوح في أي أفق، بل انعدام كلّي للرؤية وتَكرار سيناريو على شاكلة إبريق الزيت وقصة الدجاجة أو البيضة، وطبعاً الدجاجة نتفُوها، والبيضة مسخ، ولا حوار بل نفسي نفسي وأنانيتي، ومن بعدي طوفان طائفي، وإذا عجبهم!
واليوم ننشر مداخلة الخبير الإعلامي المرموق جوني منير الذي يُعدّ من الإعلاميين المحوريين والمُخضرمين في لبنان، والذي يتميّز بقوة الشخصية وبشبكة علاقات داخلية وخارجية واسعة جداً، تسمح له بأن يكون من أقدر المُتابعين للأوضاع وأوسعهم اطّلاعاً ومعرفةً بخبايا الأمور وبما يدور في كواليس السياسة اللبنانية وفي مطابخ طبّاخيها الخارجيين، ما جعله من أبرز الإعلاميين والمحللين السياسيين الذين ينتظرون بمختلِف انتماءاتهم ومشاربهم انتظار إطلالته الإعلامية المتلفزة المتكرّرة، أو أحاديثه الإذاعية، أو مقالاته التي تنشر عبر صحيفة “الجمهورية” لإستشراف آفاق السياسة اللبنانية وتطوّراتها وخباياها وما ينتظره اللبنانيون في القادم من الأيام. ولكل ما ذكرناه سابقاً فهو يُعدّ من الأشخاص المُؤثّرين جداً في الرأي العام اللبناني. وهو صديق الملتقى وشارك معنا سابقاً في العديد من الندوات، خاصة تلك التي نظّمناها حول إمكانات نجاح المبادرة الفرنسية وفشلها ببنودها السياسية والاقتصادية والإصلاحية، والتي حملها معه الرئيس “إيمانويل ماكرون” عندما زار لبنان لعدّة مرات قبيل انفجار مرفأ بيروت، وجرى الحديث عنها بشكلٍ مطوّل يومها مع كل المسؤولين اللبنانيين، والتي فشلت، يا لَلأسف! لأسباب نعرفها جميعاً، ثم شاركنا الصديق منيّر في العديد من المبادرات والنشاطات التي أطلقها الملتقى في السنوات السابقة حول البحث في الأزمات السياسية والبنيوية التي يعاني منها لبنان، وفي محاولات استشراف آفاق الأحداث فيه. مع إشارة أخيرة هي ان هذه المُداخلة كانت قد أُجريت وأُرسلت لنا قبل التطوّرات الأخيرة والتصعيد الكبير الأخير الذي حصل في لبنان، والذي فسّره البعض على انه قد يكون مُرتبط ببداية ظهور تداعيات “المؤتمر الخماسي” (الأميركي، الفرنسي، المصري، السعودي، القطري) الذي عُقد مُؤخّراً في باريس والذي أُبلغ معظم المسؤولين في لبنان بمقرّراته عبر سفراء الدول الخمسة التي اجتمع مندوبون عنها في باريس، والتي قد تكون قد استفزّت او اثارت بشكلٍ مُؤكّد وجليّ البعض منهم، او رفعت من درجة التحدّي والتصعيد بين المحورين المُتصارعين بشراسة على ارض لبنان، وهذا ما ظهرت بعض تداعياته ربما على ارض المعركة وفي الشارع اللبناني. وهي تداعيات مُرشّحة للتفاقم في الأيام القادمة بسبب الترابط الكبير بين الأمور السياسية والإقتصادية والمعيشية والأمنية ولأن البعض رفض بشكلٍ صريح الإملاءات التي قد تحاول الدول الخمسة فرضها على الشعب اللبناني، مما قد ينتج عنه زيادة من شدّة الكباش الحاصل بين المحاور؟!
منيَّر
بدأ الكاتب السياسي، الإعلامي جوني منيّر مداخلته بشكر القيّمين على إدارة الملتقى على محاولاتهم الدائمة في السعي لتشجيع الحوار بين مختلف الشرائح اللبنانية والحثّ على طرح المقترحات والحلول للأزمات السياسية والاقتصادية والاجتماعية التي يعاني منها لبنان. وقال جواباً عن أسئلتنا المتعلّقة باستشراف الآفاق السياسية والاقتصادية في لبنان في مطلع العام: هذا العام الجديد، بالنسبة إلى انتخاب رئيس جديد للجمهورية في العام ٢٠٢٣، من دون أدنى شكّ هناك تعقيدات كبرى، واللعبة في الداخل أقفلت، حيث لا إمكانية لأي خرق داخلي من دون أي حدث كبير أو مساعدة خارجية أو تدخّل خارجي. فالقوى السياسية اللبنانية تمترست وتمركزت في مواقعها التي لن تتزحزح عنها بسهولة، وهذا ما يجعل كل المخارج مُقفلة. وأكمل أن هناك طريقين من المُمكن أن يتمّ تحقيق الخرق عبرهما، وأن يؤدي ذلك عبرهما إلى دفع الأمور باتجاه ما.
الخرق الأول قد يكون أمنيًّا، أو ماليًّا كبيرًا، أو حدثًا كبيرًا يُؤدّي إلى هزّة كبيرة. وهكذا من المُمكن أن نتوصّل إلى فتح الطريق. وهذا وارد لأن الأجواء غير طبيعية، وتنذر بالمزيد من التعقيدات أو الضغط للأمام. وأكبر دليل على ذلك ما شهده ويشهده لبنان في الأيام الأخيرة من توترات واحتجاجات واعتصامات متنقّلة، وقطع طرقات، وحرق لبعض فروع المصارف، واستمرار ارتفاع سعر الدولار بشكلٍ جنوني من دون أي علاج جذري كابح؟!
الخرق الثاني: هو الضغط الخارجي الذي من المُمكن أن يؤدّي إلى إعادة لمِّ كِيان البلد والذهاب إلى تسوية على غرار ما كان يحصل معنا سابقاً في عدة محطات تاريخية مفصلية، حيث تمّ جمع المسؤولين في أماكن مختلفة تحت الضغط الخارجي للخروج بحلول معيّنة، وبرعاية عربية ودولية متعدّدة الأقطاب.
وخلال هذين الشهرين، سيكون الضغط على لبنان في ذروته، وسيكون للدور القضائي والوفود الخارجية مهامُّ أساسية ستظهر نتائجها على التوالي في الأيام القادمة.
أولاً، باتجاه مصرف لبنان حيث سيكون هناك نيّة للعمل ولإنتاج شيء ما! ما يعني أنه قد يكون تجميد أموال في الخارج، أو الادّعاء على أشخاص معيّنين ومعنيين بالملفات المفتوحة، أو طلب توقيفهم، وعلى رأسهم حاكم مصرف لبنان، أو قد تطال تلك القرارات القضائية الخارجية الطبقة السياسية المُمسكة بالقرار في لبنان للضغط عليها ودفعها لتقديم تنازلات! فكلنا نعلم أن الحاكم ليس مُنفرداً، بل إن وراءه طبقة سياسية شريكة بالفساد. وعلى ما يبدو هناك رغبة داخلية لإيجاد مخارج له، كي لا يتمّ الوصول إليهم! وهنا ندخل في مستقبل حاكمية مصرف لبنان. وقد بدأ هذا السجال يخرج إلى العلن في الأيام الأخيرة عبر تصريحات بعض المعنيين بهذا القرار كما يلاحظ الجميع! إن كل هذه التعقيدات “تدفش” في هذا الاتجاه.
وأكمل منيّر، الضغط أيضاً سيطال كما أعتقد، محوراً ثانياً، وهو باتجاه تحقيقات المرفأ. وقد رأينا أولى هذه التجلّيات الجديدة للمتابعة الغربية لقضية انفجار المرفأ.
وهناك أيضاً الضغط المالي وفوضى الشارع التي تأتي نتيجة هذه الضغوط كلها.. وأيضاً هناك موضوع النزوح السوري وتهريب السوريين باتجاه لبنان والواقع غير السليم في المخيمات، وبعض التحرّكات التي تضع علامات استفهام. كل هذا المناخ يدل على أننا نمرّ في مرحلة خطيرة ودقيقة وضاغطة يجب أن تنتج في نهايتها انفراجاً مُعيناً مُترافقاً مع مناخ إقليمي ضاغط، ونأمل أن نذهب إلى تسوية كبرى. هذا الواقع الضاغط والمُتشنّج والمُحتقن لن يؤدي إلى خراب البلد، ولكنه سيؤدّي إلى تسوية كبرى ستكون كلفتها عالية الثمن.
وأضاف منير: إن انتخاب رئيس جديد للجمهورية يُحسّن وضع البلد طبعاً، بل سيترافق ذلك مع تسوية شاملة كاملة للمرحلة الكبرى وصفقة تطال ملفات أخرى مثل الاتفاق على اسم رئيس جديد للحكومة وتعجيل الاتفاق مع صندوق النقد الدولي وملف استخراج الغاز والنفط في لبنان. وهنا يجب ألا ننسى الترسيم البحري الذي هو ليس تقنياً فقط، إنما لديه مفاعيله وخلفيته السياسية، وهكذا فإن البلد يتوجّه للدخول في مرحلة ثانية، مرحلة ستؤدّي لاحقاً بحسب تقديري لمسار الأمور إلى ترسيم بريّ للحدود الجنوبية للبنان. وهنا سنكون بحاجة إلى مرحلة من الهدوء على الحدود الجنوبية؛ لأنه سيجري استخراج الغاز، وعلى ما يبدو أن شركة توتال بدأت جدّياً وفعلياً بوضع الأسس والبرامج والمُخططات اللازمة للبدء باستكشاف الغاز قريباً جداً خلال هذين الشهرين المُقبلين.
وأنهى منيّر مداخلته بالقول: إنّ المرحلة الجديدة لن تكون بعيدة عن مُتابعة مُستمرّة للأمم المتحدة من خلال صندوق النقد الدولي.
إذًا، يمكننا القول: إن لبنان يتّجه لأن يكون تحت الرقابة الصارمة أو الوصاية غير المُعلنة للأمم المتحدة عليه من خلال صندوق النقد الدولي، ثمَّ إنها مسألة أساسية جداً. مُضيفاً: إن القوى السياسية مُجتمعة تتحمّل كامل المسؤولية لِما آلت إليه أوضاع البلاد والعباد. والجيّد في الموضوع أن هذه الذهنية التي تتحلّى بها القوى السياسية، أي ذهنية المُحاصصة والزبائنية السياسية التي قتلتنا ودمّرتنا، لا بد من أن تتغير ، ونحن بحاجة إلى بناء طبقة سياسية جديدة، كون هذه الطبقة السياسية تتقاتل بالشكل الخارجي، وعندما تكون في الزاوية تشهر سلاح الطائفية لتفرز جماعتها. مُكملاً، أيضاً: إن هذه الطبقة السياسية، بذهنيتها التجارية الكاملة، أي تجارة المواقف السياسية والطائفية والدين من أجل الاستحواذ على الموضوع المالي، يجب أن تنتهي. فنحن اللبنانيين لم نتنعّم بهذا الموضوع، بسبب هذه السياسات، بل دفعنا ضريبة عالية كي نؤسّس لمستقبل أولادنا ولوطن يليق بهم، وليس كما نعيش فيه حالياً، فنحن أقرب إلى مزرعة في ظل المُحاصصات والسرقات والتصاريح الكاذبة.
د. طلال حمّود ـ ملتقى حوار وعطاء بلا حدود ـ جمعيّة ودائعنا حقّنا