أدب وفن

الإعلام الخفي في خِدمة المشروع الصهيوني/ د. محمد إقبال حرب

1 / 10

الإعلام الخفي في خِدمة المشروع الصهيوني

صُحفٌ ورقيةٌ وأُخرى رقميّة، محطات تلفزة عامّة وخاصة، أدواتٌ رقميّة لا تُحصى، وسائلُ إعلامية يعرفُها الجميع ويعرف مدى سيطرةِ الإعلام الصُهيوني والرأسمالي عليها. لقد أدرك الغربُ أهميّةَ الدعاية وأسرارِها منذ زمن طويل فخطّط وأبدع في السيطرة على ما يغسِل الأدمغةَ من الحقيقة، وزرع “حقيقة أخرى” تتناسب مع خِطط مدروسة ذات أهداف بعيدة المدى، ليس لخدمة المشروعين الرأسمالي والصهيوني خارج نطاق الولايات المتحدة فحسب، بل في عمق أنظمتِها الداخلية. من الواضح أن المحافظةَ على شعب مُبرمج كما يحلو للنظام داخل البلاد، أكثر أهمية من أي أمر آخر.  كلكم تعرفون ذلك، بل قد تعرفونه أكثر مني. أكبر شركات الإعلام العالميّة مُلكٌ للصهيونية أو من يدورُ في فلكها، مثل روبرت مردوخ صاحب شركةFox news، وماركوس أغويس صاحب الـBBC، والعشرات غيرهما في خوارزمية معقدة، أتت أكلها في توجيه الرأي العام الغربي، وكان لها الأثر في تشويه عقولِ شعوب البُلدان الأخرى إلى حدّ تجاوز البشاعة. لكن مع التكنولوجيا الجديدة وبحرِها، بل محيطِها المُتلاطِم برزت بوادرُ أملٍ لم تكُن في الحسبان غيّرت الرأي العام الغربي حول قضايا عدّة أهمُها تحوّل الرأي العام العالمي إلى نُصرة فلسطين /غزة بنسبة 90% واندحار تأييد إسرائيل إلى 10% ، حسب مراكز استطلاع أميركية وإسرائيلية، ما زعزع استراتيجيةَ الغرب الذي سيطر على عقول شعبِه لعقود طوال. ليس لأن الشعب الأميركي غبي أو كاره للحقيقة، بل لأنه شعبٌ طيّبٌ مُسالمٌ، يهتمُّ بأُسرته


2 / 10

وعملِه بحثًا عن الحُلم الأميركي الذي لا يعرف ماهيّتَه أحد. شعبٌ وثِق بإعلام دولته التي سقطت فريسةَ الصهيونية فسُلب الحقيقة. لكن ما أن أُتيحت له فرصةُ النظرِ خارجَ منظومةِ الحُكم تغيّر وناصَر الحقَّ إلى حدّ كبير.

التحدي الآن هو في قُدرة العالم العربي والشعوب المقهورة على تحويل هذا النصر إلى ما هو ثابت ومُفيد. برأيي أن استقطاب الرأي العالمي فُرصةٌ تاريخيّة نادرة يمكن البناءُ عليها لاستمراريةِ زخَمِ هذا الدعم والاستفادةِ منه على الصعيد السياسي.

لقد استهدف الكيانُ الغاصِبُ مع القوى العُظمى عالمَنا العربي بموجات وحمَلات إعلاميّة مُكثّفة ومُركزة منذ أن كان الراديو وسيلةَ الإعلام الأهمّ. وقد استحوذ، بمساعدة دول الخليج، على غالبية الصحافةِ الورقية، بما فيها من كتّاب ومُحرّرين، بواسطة الاغراء المادي تارة، والتهديد طورًا. لم يعد هناك صراعٌ فكريٌ يطفو على الساحة، بل لم يعُد لحريّة الرأي أيُّ وجود. فبعدما كنا، لغاية السبعينيات، ننعمُ بتعدُّد الرؤى والأفكار بين هذه الجريدة وتلك، أصبحنا نرى المقالات الرئيسية من المحيط إلى الخليج تتحدث اللغةَ نفسَها التي تؤيّدُ السياسةَ الصهيونية إلا من رحم ربي. من أساليبِ الإعلام في تهيئةِ شعبه ليتقبّل مشاريعَ حُروبه هي تسريبُ الأخبارِ بطرُق رمزيّة أو أخبار مكثّفة وقصيرة كقصيدةِ الومضة لتلويثِ الحقائق قبل طرحِها في سوق نخاسةِ السياسة. على سبيل المثال:

أذكر جيدًا أن جريدة Wall Street Journal المرموقة كانت تكتب خبرًا مُفبركًا عن العراق، يوميًّا، على الصفحة الرئيسية، قبل اجتياح العراق للكويت بحوالى السنة. خبر لا يتجاوز السطرين يُثير مشاعرَ الخوفِ من العراق لدى قراء هذه الصحيفة


3 / 10

التي تصلُ إلى صَفوة المُجتمع الأميركي المؤثر. وما أذكره جيدًا نشرها خبرًا يُفيد أن العراق أطلق صاروخًا يدور حول الأرض ذا قابلية لحمل رؤوسٍ نووية، وذلك لزرع فكرةٍ مسبقة حول خطر العراق، ما يساعد على التأييد الواسع لغزو أميركا  للعراق ساعة حصوله. والحقيقةُ الواضحةُ الصادقة أن العراق لم يُطلق أو ينجح في إطلاق صاروخ خارجَ كوكبِ الأرض.  

عرضتُ ملخصًا بسيطًا جدًا حول الإعلام كما تعرفونه، لكنّ ثمة إعلامًا صامتًا، خفيًّا أقوى وأعمق لا يلاحظه إلا من دقّق في عُمق المجتمع الغربي، إعلام يُبرمجُ العقولَ منذ الطفولة، يحدِّد سياسةَ الدولِ لما فيه مصالحُ القوى الشيطانيّة من خلال السيطرةِ على عقول الجيل الجديد في سن مبكرة جدًا. هذا الإعلام لا يترك أي مجال، مهما اعتبرناه تافهًا، إلا واستخدمه كدعامة لمشروع الصهيونية العالميّة التي هي جزء من مشروع كوني.

في أيلول 1986، مع بداية السنة المدرسية، كنتُ أتصفّحُ كتبَ أولادي وكانوا يدرسون في مدينة BrocktonMassachusetts .  أمسكت كتاب الـ social studies فرأيت صورًا مُقرفة عن بيروت كما القاهرة. في اليوم التالي، قصدتُ المدرسة مُحتجًا وأخذت معي بعض الصور العائلية التي تثبت جمال العالم العربي. قال لي المدير: ” أمر عجيب، في مدينتنا يقطن آلاف العرب منذ بداية القرن، خاصة من لبنان، ولم يحتجّ أي منهم”.

من السهل ملاحظة الوجود المكثّف للمعلمات اليهوديات في دور الحضانة والمدارِس  لا سيما الصفوف الابتدائية. وأظن، بل أجزم بأنهن يتقاضين أجرًا إضافيًا للقيام بتلك


4 / 10

الوظيفة كونها لا تُغني ولا تسمن من جوع. الهدف، كما راقبته واستنتجته بعد نقاشات طويلة مع الأصدقاء الأميركيين هو زرع التعاطُف مع اليهود في عقول بريئة، فالعلم في الصغر كالنقش في الحجر. مع حلول عيد الميلاد أو الفصح المسيحيَين أو عيدَي الأضحى والفطر الإسلاميين، إن وجد طلاب مسلمون في الفصل”، تحتفل المدرّسة بهذه الأعياد، وقد تُحضِر بعض الحلوى. وعندما يأتي عيد الهانوكا الذي يمتد لعشرة أيام، تمرّر المدرّسة للطلاب، على مدى تلك الفترة، شذراتٍ سامّةً عن مأساة اليهود والظُلم الذي تعرضوا له، بطريقة درامية، على غرار أساطير الصهيونية المسروقة، ما يزرع في داخل الأطفال تعاطفًا وحبًا لليهود. وبما أن الطفل لا يعرف القصةَ الحقيقيةَ يصدّق ما تفوّهت به المعلّمة كون معظم ما سمعه من الكتاب المقدّس، سواء التوراة أو العهد القديم. وبما أن المدرّس عادة هو الأيقونة التي يحملها الطلبة، فإن حبَّهم لليهود ومناصرَتهم لدولة إسرائيل ينغرسان في عقولهم وقلوبهم وقتًا طويلًا. كل ذلك، يُترجم تحت العباءة الصهيونية، دعمًا كاملًا لسياسات أميركا تجاه الشرق الأوسط في الانتخابات التشريعية. للأشخاص الذين لم يعيشوا في الولايات المتحدة، أشير، على سبيل المعلومات،  إلى أن أي نائب أو صاحبَ منصب لا يؤيد أي قضية لا يرضى عنها ناخبوه، لذلك يعتمد اللوبي الصهيوني، من البداية، على حقيقة برمجة الناخبين، ويتحرّك ضمن اللُّعبة بذكاء بارع، فلا يتركُ فرصة للتصويب على ما يخدُم الخديعةَ الصهيونيةَ إلا واقتنصها سواء في الإعلام أو الندوات أو المناسبات الرسمية. ولا يترك كتابًا مدرسيًا إلا ويضع عليه بصمةَ الصهيونية. ومما لا شك فيه أن الإعلام سيُكمل الحكايةَ في الجامعات والمصانع من خلال تزوير التاريخ الذي يصنعُه خبراء متخصصون في هذا المجال.


5 / 10

ومن ذاكرة الطفولة استرجع معكم مسلسل “بونانزا” الذي صوّر الهنود الحمر كشعب مُتخلّف، همجي ما جعلنا نتعاطف مع الأميركيين الغزاة. لكن بعد سنوات وقراءة التاريخ اكتشفتُ أن مأساة الهنود الحُمر تماثل قضيةَ فلسطين، وربما أسوأ. لكن كم من شخص قرأ عن الهنود الحُمر ليستعيدَ الحقيقةَ ويكون موقفُه عادلًا؟ ما زال كثر يؤيدون بونانزا كفلسفة اخترقت عقولَنا كأطفال ولازمتنا، علمًا أن مأساة الهنود الحمُر مستمرة في القوانين والمواثيق التي لم يحترم الأميركي أيًّا منها. وهذا بالضبط ما يحصل في الغرب من زرع الكراهيّة ضد العرب فيما الجالية العربية انعكاسٌ لأوطانها بمشاكلها وتعقيداتها المذهبية والعرقية والعشائرية، إضافة إلى الإرث السياسي العقيم.

النقطة الثانية في الإعلام الخفي هي عالم المُحاماة، الذي يُنتج حقوقيين قادرين على تغيير القانون أو إيجاد خروقات قانونية تسمح للصهاينة بتمرير برامجِهم الكثيرة خاصة قانون معاداة السامية المُثير للجدل. قد يتساءل البعض حول إدراجي عالم المحاماة تحت تصنيف الإعلام. أليس الإعلام هو المهارة في الحصول على معلومة ما والقدرة على إيصالها إلى شريحة البشر المقصودة؟ أليس هذا ما يفعله المحامي خاصة عندما يكون موجّهًا باسم رسالة ما؟ المحامي في أميركا حاضرٌ معك في شراء البيت وبيعه، في الزواج والطلاق، في أي حادث سير أو شجار مهما كان تافهًا وفي كل المعاملات التجارية صنوًا للمحاسب القانوني. يتعامل المحامي مع طبقات المجتمع كافة، ويعرف تفاصيل عنها لا تحصى كما يوصل رسائل سامّة برقة الموت البطيء. في ولاية نيويورك، 50% من الحقوقيين من اليهود مع أنهم لا


6 / 10

يشكلون أكثر من 6% من سكان الولاية، وهذا ينطبق على بقية الولايات، إلى حدّ كبير.  

تكمن أهميّةُ سيطرة الحقوقيّين اليهود على المشهد القانوني في القدرة على سنّ قوانين تتناسب مع الرغبات الصهيونية، وتطويع القانون، من خلال الثغرات، لما يخدم أهدافَهم واستراتيجياتِهم الطويلة الأمد، سواء على صعيد البلديّات أو الكونغرس وما بينهما. فمن خلال ثغرات قانونية منعوا صلاة الصباح في المدارس، في أواخر سبعينيات القرن الماضي، بهدف تنشئة جيل لا يهتم بالكنيسة ولا يمتلك إيمانًا صادقًا. كما أن الحقوقيين في أميركا من الجالية اليهودية، نجحوا منذ وقت طويل في سنِّ قانون يصنّف اليهود كأقليات، ما يسمح لهم بدخول الجامعات بسهولة أكبر والتوظُّف في الدوائر الحكومية أو المؤسسات التي تتعامل مع الحكومة من خلال قانون  Affermative Action، في حين فشلت الجاليةُ العربيةُ في الحصول على هذه الميزات والمحفّزات، بسبب اللوبي الصهيوني، لمنع العرب من تبوّؤ مراكزَ ذات أهمية والمنافسة في دخول الجامعات الحكومية حيث أن نسبة المستفيدين من قانون الـ Affermative Action محدّد بنسبة مئويّة. يعتبر دور الحقوقييّن في أميركا من أهم وأخطر الأدوار التي تؤثر على الرأي العام كون القضاء يحظى بمصداقية وحماية غير مسبوقين. فمع نشر أي خبر صادر عن مجلس القضاء الأعلى تكون له هالة قدسية يحترمها المواطن ويتبعها. وللتذكير، فإن مجلس القضاء الأعلى هو السُلطة الأهمّ في أميركا ولا يمكن فصل أو طرد أيًا من قضاة المجلس الأعلى لأي سبب من أجل ترسيخ حرية القضاء. للمعلومية، وصل ثمانية قضاة يهود إلى هذا


7 / 10

المنصِب الأهم في أميركا مع أن نسبتهم لا تتجاوز 1.7% من سكان الولايات المتحدة.  

النقطة الثالثة، ألعاب الفيديو

منذ ثلاثة عقود، تنتشر ألعاب الفيديو بين الشباب في أنحاء المعمورة، كالسرطان، وبين أعمار لا تتجاوز السبع أو الثمان سنوات. لو محّصنا في هذه الألعاب لوجدناها تحمل رموزًا شيطانية من رمز لوسيفىر Lucifer إلى أساطير شيطانية أخرى، فضلًا عن العمل الدؤوب على تكثيف استباحة الدم والقتل ما يقتل ملكة الرحمة في الأطفال ويحفّز ملكة القتل في العقل الباطن متى دعت الضرورة، كذلك تشجيع الموبقات بعرضها بطرق ينتشي لها الشباب. ولا ننسى أن هذه الألعاب لها قصص وفلسفات يُشرف عليها أطقم من علماء النفس لخدمة الماسونية والمتحكمين في صيرورة العالم في سرية تامّة. تكمن الخطورة في أن هذه الأجهزة مثل جهاز X Box أو ما شابه تعمل على غسل الأدمغة بصورة جماعية مسليّة، فتخترق الفلسفات المنشودة أجهزة دفاع الأطفال والشباب لا سيما خاصية إمكان أي لاعب أن يتبارى أو يلعب مع أي كان على سطح الكوكب، إضافة إلى تضييع الوقت الذي يعادل ساعات طوال من العمر في مواد إعلامية مبطنّة كانت في الماضي تُصرف في القراءة أو أي عمل مُجدٍ.  

ومن أسرار الإعلام المبطّنة، هناك أسلوب مبتكر يمرر صورة معينة في أي شريط سينمائي أو إخباري لا تلحظه العين المجردّة، بل يسجلها العقل الباطن. يتم تمرير الصورة لجزء من الثانية في أي برنامج، يلتقطها عقلك الباطن لتحفيزك على فعل


8 / 10

شيء ما، مثل شرب البيبسي أو البيرة أو الإثارة الجنسية. كانت هذه التقنية متوهجة في بداية ثمانينيات القرن الماضي، وقد درستها في أحد صفوف الكومبيوتر، وأثبتت جدواها حسب ما تعلمت. تحتاج هذه التقنيات التي تخترق العقول، من دون شك، إلى تشريع معين قام به فريق من الحقوقيين.

هذا الثلاثي من الإعلام غير المرئي هو الركيزة الأقوى والأهم في حربنا الإعلامية الوجودية مع العدو. الإعلام المرئي متوافر لكل البشر ويمكننا العمل ضده، وهذا ما تفعله بعض القنوات العربية. أما ما كان خفيًا فهو عدو يَسقينا السُمَّ بهدوء.  

علينا العمل الجاد للبحث والتمحيص في كيفية المواجهة من خلال خطّة محكمة يشارك فيها متخصصون في الإعلام والطب النفسي والإيديولوجي. ولا ننسى أنه إذا بدأنا من الآن العملَ وفق خطة محكمة فلن نرى نتيجة قبل عقدين من الزمن، ولن تكون الرحلةُ سهلةً مع إصرار الصهاينة على استحواذ هذه المناجم الثرية بأية وسيلة.  

كل شيء في أميركا قابل للتغيير من خلال معرفة نظام هذا البلد الاجتماعي والقانوني. القدرة على خلق بيئة جديدة تؤثر على الناخب الأميركي هي مفتاح التغيير. ليس هذا الطرح من ضروب التخمين، بل وفق ما سجّل التاريخ الأميركي من تغييرات في موقف الشعب الأميركي لصالح فئة من المهاجرين. الإيرلنديون، والايطاليون كما اليهود واجهوا تمامًا، على غرار الجالية العربية، التنمر والتهميش المقصودين، بل ما مروا به كان أسوأ إذ كان الأميركيون يكتبون على أبواب المحلات “ممنوع دخول الكلاب واليهود” أو “الكلاب والإيرلنديين”.  
لكنهم تعلموا أن تكون لهم جالية فعّالة من خلال الانخراط في الشأن العام وفق خطة


9 / 10

تُفرز أعضاء بلدية، ونوابًا وقضاة وضباطًا في الجيش مع المحافظة على خصوصياتهم. الانعزال والعيش في “غيتو” محدّد والخوف من الانخراط في الشأنين السياسي والاجتماعي أو الحصول قانونيًا على أسلحة للدفاع عن النفس، والعمل على توعية الأميركيين على ثقافتنا وفلسفتنا بطرق مبتكرة تنبع من عمق المجتمع الأميركي لا يثمر إلا هباء. لن يتغيّر الوضع إلا بالعمل والتخطيط ضمن القانون واستراتيجيات يحددها متخصصون، إضافة إلى ضرورة إنشاء لوبيات فعّالة مناصرة لنا.  

لكن قبل كل هذا علينا تنظيم البيت العربي الداخلي، إن كان من ناحية بناء الأسرة، وخلق بيئة حاضنة متعاطفة مع حضارتنا وثقافتنا ودعم حقوقِنا أو الانفتاح المدروس على البيئة المحيطة. لن أطيلَ في هذا المجال الذي يحتاج إلى حلقات، لكنني أودّ  التأكيد على نقطة في غاية الخطورة، وهي أن أولادنا في أميركا هم أميركيون بكل معنى الكلمة، فالمجتمع والمدرسة والإعلام في ناحية والعربي الذي لا يجيد الإنكليزية في معظم الأحيان في ناحية أخرى، ولا يعرف بواطن الأسرة الأميركية. الصراع داخل الأسرة العربية المقيمة في الغرب حول تقبّل قيم الغرب التي اخترقت عقول أبنائها يؤدي عادة إلى تناحر أسري وضياع الأولاد. سبب الاستهتار بمعرفة أولادنا “الأمريكان” عواقب وخيمة، وخسرت نسبة كبيرة من العائلات أولادها، وهذا ما شاهدته ولمسته مع مئات بل آلاف العائلات من المهاجرين العرب وغيرِهم.  


10 / 10

كنت قد اقترحت سابقًا على المركز الإسلامي في مدينة كوينزي ماساتشوستس إقامة مركز يستقبل القادمين الجدد لتهيئتهم حول كيفية التعامل مع الحياة في أميركا وكيفية انشاء أسرة ناجحة هناك. قوبل اقتراحي بالرفض وطُلب مني عدم العودة إلى المركز.

إن بناء جيل واعٍ مثقف، داعم لحقوقِنا، ناشر لثقافتنا هو الأمر الوحيد الذي نعوّل عليه لكسب الحروب الثقافية والحضارية والعسكرية، وبناء درع واقٍ من الإعلام الموجه. أما اختيار الهروب والانعزال في غيتوهات فسيزيد المشقةَ ويؤدي إلى نتائجَ قاتلة. هذا الوضع العربي المزري ليس حكرًا على العرب فالـ Hispanic والـ Portuguese يمرون بنفس الحال من الضياع.

أخيرًا، أشكركم على حسن استماعكم مع رجاء العمل على الوقوف بوجه الإعلام بالعلم والمعرفة والانخراط في المجتمعات الغربية، مع الإبقاء على هويتنا الثقافية ولنتذكر أن كل عمل في هذا الاتجاه مهما صغر هو إنجاز عظيم.

*محاضرة القيت على منبر المركز العربي الأميركي للثقافة والفنون حول
الصراع العربي الإسرائيلي
وعنوانها:
الإعلام الخفي في خدمة المشروع الصهيوني

بيروت 16 كانون الأول 2023


مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى