أدب وفن

وما الحبّ إلاّ في 14 فبراير !!!/ بقلم د.علي ابراهيم أيوب

 وما الحبّ إلاّ في 14 فبراير !!!

وما الحبّ إلّا طاعة وتجاوزٌ وإن أكثروا أوصافه والمعانيا

وما هو إلا العين بالعين تلتقي وإن نوّعوا أسبابه والدّواعيا

عندما نقرأ هذه الأبيات الشّعرية العاطفيّة لأحمد شوقي نجد المشاعر تهتزّ لها ويخفق معها القلب لأن الإنسان عاطفي ومُحِبٌّ بفطرته ومائل إلى كل ما يُمَال به إليه وهي من سمات الإنسانية…

والحب تلك الكلمة الخفيفة في الميزان الثّقيلة في الميدان، من أكثر الكلمات والموضوعات رواجًا في النّثر والشّعر والدّراما وأحاديث الصالونات، هي بأبسط معانيها يُفترَضُ أن تكون علاقة سامية بين جهتين قائمة على المودة والعطاء والعهد والوفاء لا تجمعهما المصالح الشخصية أو الأهواء والنزوات، وهو بعيد عن الصداقة لأنّ الصداقة قد تنمو لتصبح حبًّا، ولكن الحبّ لا يتراجع ليصبح صداقة…

وفي الرابع عشر من فبراير من كلّ عام يحتفل الناس في معظم أنحاء الدّنيا بما يُسمّى عيد الحبّ أو عيد العشّاق، الذي يعتبرونه يومًا تقليديًّا يُعبّر فيه المحبّون عن حبّهم لبعضهم البعض عن طريق إرسال بطاقات الحب أو إهداء الزّهور الحمراء والهدايا أو الحلوى لأحبّائهم !!!!!

أما السؤال الذي يطرح نفسه…

هل نحن بحاجة إلى هذا اليوم للتعبير عن حبّنا لبعضنا البعض أو لتذكيرنا بالشخص بالآخر؟؟؟!!!

ولماذا لا تتلوّن جميع أيامنا بالحبّ والورود الحمراء ؟؟!!

ولماذا أردنا عن سابق تصوّر وتصميم تقنين الحبّ وبرمجته في الرابع عشر من فبراير سنويًّا في الوقت الذي يحتاج الحبيب دوْريًّا إلى احتضان أحبائه واحتوائهم والتعبير عن حبّه لهم بطرق متنوّعة ؟؟!!

 ولماذا هذا الاستنفار الأحمر الذي يغزو شوارعنا سنويًّا يريد تفريغ طاقاتنا المادية والنفسية والسلوكية وكأننا في حالة حرب استباقية على وشك أن تهبّ علينا قريباً ؟؟!!

إن يوم الحبّ أيها السادة زَحَفَ إلى مجتمعاتنا بفعل عوامل الانفتاح على الثّقافات، وبواسطة الإعلام الذي تحوّلت معه المجتمعات إلى قرية صغيرة، فما يحدث في أقصى الأرض يتفاعل معه من هو في أدناها !!!

وهذا الإعلام المُنفتِح بلا ضوابط سعى على مرِّ العصور سعيًا حثيثًا لتأصيل الاحتفال بالفالنتاين وتحسينه بكل ألوان التّجميل تحت عناوين واهية من أبرزها تقريب المسافات بين المُتحابّين، وبين مَن شتّتتهم الأعوام، وفرّقتهم شواطئ الحياة، في وقت لا زالت أمّتنا ترزح تحت نير الكوارث والاضطهاد والإرهاب الصهيوني الذي طحن الأخضر واليابس في غزّة ولا زال !!!

إنها صورة من صور العبث الفكريّ والتناقض الهجين التي تعيشه المجتمعات ما بين حرب وسِلم، وضحك وحزن، ودموع وأفراح، في عصر الفضاء المفتوح الذي أصبح الشّاب فيه صحنًا لاقطًا، يستقبل ويتأثّر بأيّ شيء من دون اعتبار أو وعي !!!

من هنا لا بدّ أن نؤكّد على أنّ الحب علاقة لا تقتصر على علاقة الرجل والمرأة بل تتخطّاها لتتركّز بين الوالدين والأبناء، والأشقّاء مع بعضهم، وأفراد العائلة فيما بينهم، وبين الوطن والمواطن، وبين الموظّف وعمله الذي أضحى في زماننا ميثاقًا ماديًّا بَحْتًا يفتقِد العطاء بحبّ للارتقاء بالعمل !!!

لذا نحن نريد الحبّ ذلك الشعور الداخلي المنضبط بتعاليم الشرع الذي ينعكس سلوكًا راقيًا وتعاملاً رحيمًا وتفاعلاً مع الآخر حتّى يؤدّيَ في نهاية الأمر إلى تنشئة مجتمع صالح والله تعالى يقول ” إنّ الَّذِينَ آمَنُوا وَعَمِلُوا الصَّالِحَاتِ سَيَجْعَلُ لَهُمُ الرَّحْمَنُ وُدًّا”

لذا نحن لسنا ضدّ الحبّ كما يروّج البعض ولسنا ضد المشاعر النبيلة ولكنّ الحبَّ عندنا يختلف بأشكاله وطرق التعبير عنه عن الحبّ في الغرب !!!

فالحبُّ عندنا حبٌّ يُنشِدُ الفضيلةَ والعفاف ويرفضُ استباحةَ الأعراض!!!

الحبُّ عندنا يستهدفُ إقامةَ البيوتِ على طاعةِ الله المُكلَّلة بالودّ والرّحمة !!!

 نحن لا نريد حبًّا يُفسِدُ دينَ شبابنا وشابّاتِنا ليُصبِحوا تائهين !!!

ولا نريدُ حبًّا يصلُ الى ما يريدُ من شهوةٍ ورغبةٍ من غيرِ مسؤولية ولا ضوابط !!!

ولا نريدُ حبًّا لا يعرفُ المرءُ معه كيف يبدأ وكيف ينتهي ويتغير مع تغيّر الجوّ!!!

ولا نريد حبًّا يحرقُ الهاتف ومواقع التواصل بالكلامِ المُستعر بنارِ الشّهوة والرغبة !!!

والأخطر من كلّ هذا أننا لا نريد حبًّا يأتي معه الولد قبل الزواج !!!

والأهمّ من كلّ هذا لا نريدُ حبًّا يُفقِدُنا حُبَّ الله وحُبَّ رسولِه !!!

الحبّ في ديننا هو الحياة هو النبض هو الطهارة هو العين التي تتفتّح مع كلّ صباح وتغفو بأمان !!!

المسلمون يسيرون وسط دائرة من الحب جذورُها عميقة وعميقة جداً…

حبُّ الله ورسولُه والوالدان والمؤمنون…

حبُّ الزّوجةِ وحبُّ الولدِ وأولو القربى والأرحام…

الحب يا سادة ليس مناسبة سنوية، وإنما علاقة دائمة تتجلّى في علاقة زوجية طاهرة على مدار العام، يعمرها حبّ صادق يظهر في سلوك العملي، ابتداءً من الابتسامة الصادقة والكلمة الجميلة والهدية اللطيفة والمفاجأة السارة.. وبكل ما يعرفه الأذكياء من فنون كسب القلوب.

الشيخ د. علي أيّوب

dr.aliayoub@hotmail.qa

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى