قراءة في الإستبداد
قراءة في الإستبداد
د. محمد مسلم جمعة
مفهوم الإستبداد في القاموس العربي الإسلامي ,يختلف عن المضمون السلبي في المرجعية الغربية ,ولايقترب منه بشكل من الأشكال ,فإن مفهوم الإستبداد في التراث العربي الإسلامي ,يعني الحزم وعدم التلجج في اتخاذ القرارات وتنفيذها ,لقد مجدت الأدبيات العربية الإستبداد “إنما العاجز الذي لايستبد “من هنا يبرز الإنفصام بربط الإستبداد بالعدل ,فالعدل لاقيمة له مع العجز عن ممارسته , فالإستبداد المنتقص للعدل في المرجعيات العربية هو الطغيان ذاته .
انتشرت مقولة الإستبداد في القرن التاسع عشر والقرن العشرين ,بين دعاة الإصلاح في العالم العربي وهذا ما شاهدناه في كتابات كل من عبد الرحمن الكواكبي ( طبائع الإستبداد )وجمال الدين الأفغاني والشيخ محمد عبده من خلال مجلتهما “العروة الوثقى ” ويقول إمام عبد الفتاح إمام : إن مقولة “المستبد العادل “انتقلت من أوروبا إلى الشرق فالحل في الحكم الذي يستند إلى الشورى وقال ما مفاده : “لن تحيا مصر ولا الشرق بدولة وامارته إلا إذا أتاح الله لكل منهما رجلا قويا عادلا لايحكمه بأهله غير تفرد بالقوة والسلطان ” . هذه المقولة التي زاوجت مابين العدل والإستبداد مثيرة للجدل ,فكيف يكون الحاكم المستبد عادلا ؟وهنا نعود إلى الشيخ محمد عبده الذي بذل جهدا كبيرا في إظهار مساوىء الإستبداد ومخاطره على الدولة والأمة وبالتالي على المجتمع وكانت لمحمد عبده رؤيته للمجتمع المدني ,وبرأيه ان الذين يختلفون في العقيدة والمذهب ,إلا أنهم يتكلمون لغة واحدة ويحرثون في أرض واحدة ,الجميع إخوان في حقوقهم السياسية والقوانين متساوية .
لكن حتى اليوم لم يأخذ سلطان جائر في العالم العربي بالشورى ,ولم تكبح كل الدعوات المستمدة من الدين من طغيان الحاكم .
واقع الأمر بقي الشيخ محمد عبده أسير مخزون الفكر السياسي المتمثل بسلطان الدين ,وراوده الحنين إلى العودة إلى الجيل الأول من الخلفاء الراشدين ,وبذلك يظهر كمصلح يريد التغيير ولا توجه إليه سهام التغريب من قبل أصحاب التراث ,وما ينطبق على محمد عبده ينطبق على معظم أعلام عصر النهضة الذين أرادوا المصالحةمابين الدين الإسلامي وبين رؤية الغرب في الإصلاح .