تضميد الشروخ النقدية في العصر الحديث في كتاب فلسفة السهروردي لـ محمد حسين بزي
ضحى المل*
تضميد الشروخ النقدية في العصر الحديث في كتاب فلسفة السهروردي لـ محمد حسين بزي
التوحّد بين البلاغة والنور في دراسة قدّمها «محمد حسين بزي» في كتابه «فلسفة الوجود عند الّسهروردي»، وفق استعارات جوهرية تُضيء على فكرة فيزيائية في عمقها الفعلي، بعيداً عن أساسيات فلسفتها التي ما زالت فكرياً ضمن سجالات تأخذ صفة دراسات مختلفة. لكل منها وجهة نظر متجذّرة بأساسيات فلسفة الوجود عند السهروردي، والصراعات الفكرية التي نشأت عنها طرائق تغلغلت في سياسات نشأ عنها أطروحات حول معرفة ماهية هذه الفلسفة، لتكون حاسمة في شأن حكمة الإشراق والمعرفة الإلهية التي ناقشها الكثير من الفلاسفة؛ ومن ضمنهم ابن سينا الذي لم يكتفِ به السهروردي ولا بسواه، فطبيعة المعرفة الإلهية المتمثلة بالأنوار ما بين المُدرك والظاهر، والنور ومعادلة حكمة الإشراق الميتافيزيقية السهروردية التي دخل في لجّتها محمد حسين بزي كواقع بحثي بلاغي أولاً؛ وتنويري يهدف إلى تضميد الشروخ النقدية في العصر الحديث، وعبر رسم خارطة جغرافية تتماثل مع خارطة حكمة الإشراق التي مشى في طريقها السهروردي عبر صرامة ما قدّمه ابن سينا، وصعوبة معرفة الجزئيات الفلسفية المتلاحمة مع الأحداث السياسية ثانياً. وهنا نسأل: هل العلم اللدنّي هو علم حسّي خيالي غير مرئي قائم على اكتناز المعرفة ومواصلة طريق الفلسفة؟ لأنّ وفق اعتقاد السهروردي: إنّ النور هو مبدأ الوجود الوحيد وأصل كل الأشياء. وأنّ الله هو نور الأنوار، وما الظلمة إلّا انحدار الوجود عن المبدأ-النور، وكلما انحدر هذا الوجود اتجه نحو الظلمة، لذا كان الهدف الأسمى للإنسان هو أن يترقى صعوداً حتى يتلاشى في مصدر الأنوار ويفنى.. فهل يمكن الانفصال عن مادية الوجود من خلال فلسفات ذهبية تؤسس بشكل إيجابي الوجود المعرفي في حكمة الإشراق عند السهروردي؟ وهل أراد السهروردي تطوير عقيدة معرفية إلهية لا نهاية لها؛ لأنّ كل دراسة تؤدي إلى أخرى؟ وهل خصوم السهروردي استطاعوا الحد من فلسفته التي تحوّلت إلى دراسات وأبحاث يُبنى عليها مختلف النظريات المعرفية؟
إن خيارات الدكتور محمد حسين بزي في هذه الدراسة لفهم فلسفة السهروردي «تفرّده وخصوصيته وتجربته الروحية الذاتية» تعتمد على نورانية حكمة الإشراق؛ لا الدفاع عن الفلسفات الأخرى الأفلاطونية منها؛ والقائمة على فكرة الاتصال والانفصال إن لم أخطئ في هذا، وإن اتصلت فلسفة السهروردي مع فلسفة ابن سينا؛ إلّا أنها انفصلت عنه ليفهم ذاته ويجد «الراحة في عالم المادة، عالم الظلمة، فقد خرج من قبضة السائد ومن قتامة الواقع وضغوطه التي لا تُطاق، وكان دائماً يحلق في سماء واسعة من الروحانية خارج الأطر التقليدية الدينية المعروفة». فالمعرفة بمجموع معارفها إلى ما لا نهاية مُستخرجة من الأحاسيس النورانية وحقائقها التي تحتاج إلى تعمّق لا يُدركه إلّا من فهم معنى هياكل النور وشروحاته وجوهر حكمة الإشراق وشروحاتها الإيجابية ما بين المعرفة والواقع وقوة الإبصار التي لا تنشأ عنها صورة مادية؛ وإنما انبثاق النور من النور لذاته، فالأساس الميتافيزيقي لحكمة الإشراق التي جعلتني أردد لا شعوريا {اللَّهُ نُورُ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ مَثَلُ نُورِهِ كَمِشْكَاةٍ فِيهَا مِصْبَاحٌ} وأيضاً {لَا يَعْزُبُ عَنْهُ مِثْقَالُ ذَرَّةٍ فِي السَّمَاوَاتِ وَلَا فِي الْأَرْضِ} فإدراك الذات من قوة إدراك الآخر والجذور الفلسفية عند السهروردي في كتاب محمد حسين بزي هي النموذج الفريد «للجمع بين المنهج العقلي الفلسفي ومنهج التأمل العرفاني المرتكز على الوجدان الذوقي الصوفي»، وبشرح يستفيض فيه، وبتعمّق في جذور الائتلاف والاختلاف ما بين السهروردي وابن سينا، فما بين الحرمان من الغياب والانفصال عن المادة جزء لتأصيل «المفاهيم الإشراقية في الفلسفة الإسلامية».. فهل لكل جذر من الجذور التي تناولها «بزي» توسيع لمفاهيم فلسفية لا يمكن أن تضيق؛ وإن تأثر السهروردي بالفيض الأفلوطيني؟ وما هو حجر الزاوية في فلسفة السهروردي الذي وضعه مؤلف هذا الكتاب تحت عنوان علم النور و حقيقته ؟
*أديبة و ناقدة لبنانية
جريدة اللواء عدد 29/10/2024