قرأت الكتاب بإمعان. الكتاب شهادات في شعره وكتاباته، “من شعراء ومحبّين”؛ ومن لا يحبّ تاريخاً في رجل، ورجلاً حمل في قلبه والضمير راية الشعر الشعبيّ، في لبنان، فغدا ضمير هذا الشعر وقلبه النابض بالحياة. كتاب الأكاليل، كما يظهر في ثناياه، إكليل، بل تاج علی رأس الشاعر الذي نذر عمره، في سبيل الشعر الشعبيّ في لبنان. روبير خوري ومجلّة صوت الشاعر صنوان. أكاليل الكتاب ليست من كلام، كما يعلن الشاعر، في عنوان كتابه. إنّها أكاليل من ألماس ولآلئ لا تُقدّر بثمن، لأنّها تحمل في طيّاتها أروع الذكريات، بل تاريخاً حافلاً بالذكريات التي تُصارع النسيان فتصرعه. وذكريات الشاعر خوري الواردة في الكتاب، تعيد القارئ إلی عمر حافل بالنشاطات الأدبيّة، في ميدان الشعر الشعبيّ، وفي العمل الصحافيّ، في مجلّة صوت الشاعر التي أسّسها الشاعر فيليب خوري، عام 1955، وكان مديرها وصاحبها الشاعر روبير خوري. وهي مجلّة”فتحت صفحاتها لكلّ شعراء لبنان العاميين…وحقّقت الكثير من التلاحم والتلاقي بين شعراء الزجل”(ص 7) بين الشاعر روبير خوري ومجلّة صوت الشاعر عمر طويل من العطاءات الشعريّة توّجها الشاعر بمجموعة من الموسوعات الرائدة في مجال الشعر الشعبيّ اللبناني تضمّ، فضلاً عن مجلّة”صوت الشاعر”، بمجلّداتها التي ناهزت العشرين مجلّداً، موسوعة “روائع الزجل اللبناني”، و”أعلام الشعر الشعبيّ”، وسلسلة “ديوان شاعر”، وغيرها من الإصدارات التي أرّخت بدقّة وتفانٍ لمسيرة هذا الفنّ الشعبيّ العريق، فوثّقت لأسماء وشعراء ومناسبات، كانت لتضيع في زوايا الإهمال لولا هذا الجهد الموسوعيّ الجبّار. روبير خوري، من خلال هذه الأكاليل، لا يستعرض مجده الشخصيّ، بل يُعيدنا إلى مرحلة زمنيّة غنيّة، كانت فيها الكلمة على المنبر فعل مقاومة ثقافيّة، وكان فيها الشعر الزجليّ هو لسان حال الناس، ومرآة أحاسيسهم وآمالهم. وقد حمل خوري هذا اللسان بكلّ أمانة وصدق، وجعل من “صوت الشاعر” منبراً حرّاً لكلّ شاعر موهوب، بصرف النظر عن انتمائه أو منطقته. وما يلفت في الكتاب أيضاً، هو تعدّد الشهادات، وتنوّعها، من شعراء مخضرمين إلى محبّين للشعر، إلى باحثين ونقّاد، وكلّها تتقاطع في نقطة واحدة: الإشادة بدور روبير خوري كمعلّم وأب وصديق لهذا الفنّ، لا كناقل فقط، بل كمطوِّر له، ومَن أعطاه طابعاً مؤسّساتياً رصيناً. إنّ “أكاليل” ليست فقط باقة ورد على رأس شاعر، بل هي وثيقة حبّ ووفاء، من جيل لجيل، ومن قلب لقلب. وهي شهادة بأنّ الشعر الشعبيّ، ما زال ينبض، طالما فيه أمثال روبير خوري، وطالما هناك من يدوّن، ويوثّق، ويُخلّد هذا الإرث الثمين، الذي لا يُقدَّر بثمن. بهذا المعنى، يصبح الكتاب نفسه أكليلاً نقيّاً، لا يغيب عنه عبق التراث، ولا ينطفئ فيه وهج الكلمة الأصيلة. روبير خوري، أيّها التراث اللبنانيّ الحي، كم أفتخر بك صديقاً، رمز الوفاء، وشاعراً صولجانه الإباء، أطال الله عمرك، ودمت ذخراً للأدب الشعبيّ اللبنانيّ، نبراس هداية للنقّاد والشعراء. د. جوزاف ياغي الجميل