أدب وفن

فايسو وبوكَّة – قصة حب عصريّة/قصة قصيرة / بقلم د.محمد إقبال حرب

فايسو وبوكَّة – قصة حب عصريّة

كان الشابْ فايسو مولّعًا بالعالمِ الرّقَمي حتى بدا وكأنّه نتاجُ عصرِ الأتمتة*، تمامًا كالآنسة “بُوكَّة” وملايينِ العناصرِ البشريةِ التي وقعتْ تحتَ سطوةِ عصرِ العولمةِ الجديد. ذاتَ يومٍ غيرِ معروفٍ على صفحاتِ العالمِ الافتراضي، بينما كانتْ الآنسة “بُوكَّة” الشابةُ العصريّةُ الانسيابيّةُ تُبحرُ على صفحاتِ العالمِ الافتراضي ببراعةٍ شقيّة، لمحها الشّابُ “فايسو” وهو يتأرجّحُ من مكانٍ قصيّ على حِبال الشّبَكةِ العنكبوتيّةِ بحِنكةِ الخبيرِ وجُرأةٍ رقميّةٍ فأرسلَ لها طلبَ صداقةٍ سريعًا قابلَتهُ بالاستجابةِ الفوريّة. قدّمَ لها كوبَ “كابوتشينو”، قصَّه بيدهِ من صفحةِ موقعٍ إيطالي معروفْ يشتهرُ بأحلى النّكهات وألصَقهُ، بحنانٍ، على صفحتها عُربونَ شُكرٍ، كما قدّمَ لها بعضَ الأزهارِ التي لونَّـها من خلالِ برنامجِ “باينتPaint”. تقبّلتْ بُوكَّة الهديةَ وبادلَتهُ المشاعرَ الإلكترونية “تاغات ومَسِجات Tags and messages “.
بعد فترةٍ من تبادُلِ القصائدِ المسروقةِ والصّورِ المنهوبةِ، التهبا عِشقًا، وأعلنا خطوبتَهما على “تويتر Twiter ” في تغريدةٍ جريئةٍ. ازدانت صفحتاهُما على “فايس بوك Facebook” ومواقعِ التّواصلِ الاجتماعيّ بصورِ التّهنئةِ وعشراتِ “اللايكات Likes ” والنكزا “Pokes. اصطحبَها “فايسو” في رحلةِ استجمامٍ إلى كثيرٍ من المواقعِ الـمُباحةِ وغيرِ الـمُباحةِ ليُثبتَ لها عَميقَ حُبِّه. كلَّ يومٍ، كان يُغدقُ عليها عشراتِ القُبلاتِ المتوفرّةِ على لوحةِ مفاتيحْ “واتس آب” وبكلّ الألوانْ، فكانت تنتشي فرحًا وتخجلُ شاشتُها فتضيءُ باللونِ الأحمرِ. أمضيا وقتًا ممتعًا في مشاركةِ التعليقاتِ ونثرِ “اللايكات” على صفحاتِ الـ”فايس بوك” وغرّدَ لها بكلّ الأصواتِ على “تويترTwiter “، فعشِقَت ْكلماتِه وتراقَصَ قلبُها لتعليقاتِه فشكرتهُ على موقعِ “لنكد إن LinkedIn ” المرموقْ. وفي إحدى المراتِ، علّقت صديقة “فايسبوكيّة” بلهجةٍ وقحةٍ على صفحةِ الآنسة “بوكّة” فغضبتْ وثارتْ ثائرة “فايسو” الذي اقتحمَ صفحةَ غريمتِها وكالَ لها من الشتّائمِ ما تندى له شاشاتِ “آبل Apple ” و”ويندوز Windows “، وزرعَ لها “فايروسًا” قضى على صفحتِها.
قدَّرت الآنسة “بُوكَّة” هذا الموقفْ، فوافقَت على الزّواجِ منه. لم تشترط عليه أن يضعَ “بلوك Block ” أو يُلغي صداقةَ أيِّ فتاةٍ أو شابٍ، كما لم تشترطْ عليهِ عدمَ “نكزِ” الفتياتِ. تزوّجا بطريقةٍ رجعيّة على”الفاكس Fax ” بعدما فشلا في ايجادِ “تلكس Telex ” لاسترجاع التُراث في حدثٍ جريءٍ تحدّثتْ عنهُ جميعُ وسائلِ التكنو-افتراضي. لم يترُكا شاشتَهما على مدى أيامٍ طوالِ في شهرِ عسلٍ أمضياه في أحطِّ المواقعِ العنكبوتيّة.
بعد أيامٍ على عودتهما، نشرت السيدة “بُوكةّ” خبرًا على صفحتِها يُفيد بأنها حاملْ، ففرح جميعُ روّاد الـ “فايس بوك” بالحَمْل الافتراضي ونكزوها مئاتِ المراتِ ابتهاجًا، وأرسلوا التّهاني عبر الـ “واتس أب WhatsApp”” والـ “ياهو Yahoo ” كما غرّدوا لها على “تويتر” تغاريدَ الفرحةِ كونـَهم سيشهدونَ ولادةَ باكورةِ أطفالِ الوهمِ في عالمٍ غيرِ موجود. طار السّيد “فايسو” من الفرح عندما علِم بحملِ زوجتهِ “بُوكَّة” بتوأمين من الـ “يو أس بي USB “. تناولت السيّدة “بُوكَّة” فيتامينات خاصة عن طريق “القرصنة Hacking” لتمنح طفليها مناعةً ضِدّ كلّ الأمراضِ العنكبوتيّة، كما تناولت جُرعاتٍ من الذّاكرة الإضافيّة كي تلدَ “يو أس بي” بطاقةِ واحد “تِرَّابايتTerrabite”.
وبينما كانت السّيدة “بوكة” مع زوجِها “فايسو” يبحثانِ مستقبلَ مولوديهما الرقميينِ وأيُّ شركةٍ يمكنُ أن توفّرَ “أب لوود Upload ” ناجحًا وسريعًا لهما، اقتحم “فايروس” قاتلْ حسابَ السيدة “بوكَّة” بشراسة فأجهضت. حزنت السّيدة بُوكَّة وعاشتْ مُعاناةً كبيرةً ما استدعى دخولَـها مِنطقةِ الحظر على موقعِ “انتيفايرس Anti Virus ” للعلاجِ من الكآبة الافتراضية.
لم يحتملْ السيد “فايسو” الصّدمة فألغى حسابَه وفتحَ حِسابًا شرعيًا يستغفرُ فيه استغفارًا افتراضيًا عن إدمانِه وهلوستهِ.

  • الأتمتة Automation : آلية: هو استعمال الحاسبات ومكائن والأجهزة الآلية وذلك لتقليل حجم العمل الذي يقوم به الناس وبسرعة أكبر.
    محمّد إقبال حرب

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى