جائحة كورونا وأمراض القلب والشرايين (الجزء الأول)
جائحة كورونا وأمراض القلب والشرايين
(الجزء الأول)
١-مقدّمة:كما نعرف جميعاً فإنّ فيروس كورونا ظهر في نهاية شهر كانون الأول 2019 في مدينة “ووهان” في الصين.حيث كانت البؤرة الأولى لإنتشاره ومنها إنتقل هذا المرض وبشكلٍ سريع إلى معظم دول العالم. وقد تميّز بإنتشاره السّريع وبسرعة العدوى
حيث تسبّب بجائحة اعانت عنها منظمة الصحة العالمية في ١١ آذار ٢٠٢٠، لم تشهد مثلها البشريّة منذ حوالى قرن.
وحتى تاريخ كتابة هذا المقال نعلم أنّ هذا المرض إنتشر في 172 دولة او اكثر ، حتى اليوم وفي كل قارّات العالم وأصاب حوالي نصف مليون شخص ألف شخص منهم 82 ألف شخص داخل الصين و 420 ألف شخص خارج الصين. وهنا تجدر الإشارة إلى أنّ عدد المرضى الذين شَفِيوا كلّياً من أعراض هذا المرض هو عدد كبير جداً حيث بلغ رقم 112 ألف شخص تقريباً او اكثر هذا يعني ان هذا المريض غير خطير في معظم الأحيان.
وتُعْتَبَر أوروبا حالياً مركز الإنتشار الأوّل لهذا المرض(Epicenter)مع وجود حوالي 233 ألف حالة كما تسبّب هذا الفيروس بمقتل حوالي 12700شخص حتى تاريخ كتابة هذا المقال من ضمنها أعداد كبيرة في إيطاليا وإسبانيا وفرنسا وبريطانيا وسويسرا والمانيا.
وتُقَدًّر أعداد المصابين الذين يزدادون كل ساعة ، حالياً على الشّكل التّالي:
الصين:82ألف حالة
إيطاليا:69167 حالة
الولايات المتحدة الأميركية:89ألف حالة
إسبانيا:47 ألف حالة
ألمانيا:35 ألف حالة
إيران:27 ألف حالة
فرنسا 29 الف حالة
وقد تسبّب هذا المرض حتى الساعة بمقتل حوالي 22ألف شخص منهم 3000شخص في الصين مقابل عدد إصابات أكبر بكثير في إيطاليا حيث وصل العدد الى 8300 حالة وفيات وإسبانيا التي بلغ فيها عدد الوفيات 6700 وإيران حيث بلغ العدد 2077 حالة وأخيراً فرنسا حيث بلغ العدد حوالي1967 حالة حتى الساعة ولكن اشير مرّة اخرى ان هذه الأعداد كلها قد تكون غير نهائية لأن الفيروس ينتشر بشكل كبير في كل دول العالم وخاصة في اوروبا وفي الولايات المتحدة الأميركية.
ومن المعروف أنّ هذا الفيروس يتسبّب في غالب الأحيان بأعراض خفيفة مثل إرتفاع الحرارة، السّعال، أو الآلام في المفاصل وفي العضل او حالة تعب عام أو صداع أو أعراض في الجهاز الهضمي، او أختفاء مفاجئ لحاسّة الشمّ او الذوق كما ظهر عند بعض المرضى في فرنسا او في اميركا الشمالية.
لكنّ المعروف أيضاً أنّه يتسبّب في بعض حالات بإلتهابات رئويّة حادّة قد تؤدّي في بعض الأحيان عند حوالي 20 بالمئة من المرضى إلى متلازمة قصور التنفس الحادSARS-coV 2(Severe Acute Respiratory Syndrome) وهذه المتلازمة الرئوية الحادة هي السّبب الأول والأساسي لدخول عدد كبير من هؤلاء المرضى إلى غرف العناية الفائقة والسبب الأساسي لوفاتهم، لأنّهم يحتاجون للمكوث في غرف العناية المركّزة لمدة تتراوح بين 10 أيام الى 3 اسابيع.
وقد قسّم أطباء الإنعاش تقدّم هذا المرض في غرف العناية الفائقة على الشّكل التالي:
في الأسبوع الأول هناك “المرحلة الفيروسية” وهي مرحلة أقل خطورةً ينتشر فيها الفيروس في كل أنحاء الجسم ويتسبّب بأضرار رئوية حادّة، والمرحلة الثانية هي “المرحلة المناعية “حيث أنّ الأطباء أشاروا إلى ردّة فعل عنيفة من قِبل جهاز المناعة لجسم الإنسان المُصاب تؤدّي إلى أضرارٍ فادحة وإصابة الرئتين وكل الجسم خاصة القلب والكى والكبد بإختلاطات خطيرة تؤدي الى وفاتهم نتيجة النّقص الحاد في الأوكسجين والتي لم تُفلِح حتى اليوم كل العلاجات المُعْتَمَدة لإيجاد سبيل للخروج منها، رغم ان وضع كل المرضى المصابين بهذه الحالة(الإلتهابات الرئوية الخطيرة مع نقص الأوكسجين ) يحتاج الى أجهزة التنفس الإصطناعي لفترات طويلة وهذا ما شكّل تحديداً العائق الأساسي لعلاجهم في بعض الدول بسبب الحاجة الكبيرة الى اجهزة التنفّس الإصطناعي والنقص الكبير في الأسرّة والمعدّات والكوادر الطبية والتمريضية المُتمرّسة وصاحبة الخبرة والكفاءة العالية لعلاج هكذا نوع من إلتهابات رئوية كاسحة.
وقد وجدتُ أنّه من الضروري كتابة هذا المقال لأن الدراسات والمُعطيات التي ظهرت حتى اليوم أظهرت أنّ مرضى القلب والشرايين هم أكثر عُرضة للتأثر بالإصابة بهذا المرض بحيث أنّ الوفيات تزداد بشكل كبير عند المرضى الذين يعانون من أمراض قلبية وشريانية مُزمنة. كذلك وكما ذكرت في مقالات سابقة عند المرضى الذين يعانون من تقدّم في السّن (فوق سن ال 70 سنة)أو من مشاكل رئوية مثل الإنسداد الرئوي المُزمن او من فشل كلوي أو كبدي أو من نقص في المناعة.كذلك المرضى الذين يعانون من أمراض سرطانية أو يتناولون العلاج الكيماوي لهذه الأمراض أو عند المرضى الذين يعانون من نقص في المناعة لأسباب مرضية خَلقية أو لأسباب مُكتَسَبة. وقد أثبتت الدراسات التي ظهرت من الصين ومن بعض الدول الأوروبية ومنها الولايات المتّحدة الأميركية أنه من المؤكد أن المرضى الذين يعانون من أمراض قلبية وشريانية مُزمنة هم أكثر عُرضةً للوفاة بسبب هذا المرض، كذلك تأكّد أنّ الإصابة ب Covid-19 تؤدّي إلى إصابات وأضرار قلبية مُتعدّدة سوف نستعرضها من خلال هذه المقالة،كذلك فإنّ بعض الأدوية التي إستعملتها الطواقم الطبية لعلاج الإلتهابات الرئوية الحادّة التي يتسبّب بها هذا الفيروس تؤدّي لمخاطر قلبيّة مُهمّة جداً كان لا بدّ من الإشارة إليها.
وأخيراً، فإنّ الدراسات اكّدت انّ أطباء القلب والشرايين الذين يعالجون مرضاهم في عياداتهم أو في المُستشفيات هُم عُرضة للإصابة أكثر بعدوى إنتشار فيروس ال Covid-19 ولذلك عليهم التّنبه واخذ الحيطة والحذر تجاه نقل هذا المرض .
هذه المقالة ستحاول الإجابة على المحاور الأربعة التي تكلّمنا عنها تباعاً.
٢-بعض المُعطيات العلمية حول فيروس كورونا وإنتشاره:
إنّ فيروس Covid-19 كما الفيروسات الأخرى من ذات العائلة هو فيروس مُحاط بغلاف ويوجد خارج هذا الغلاف عدّة نتوءات بشكل “قرون او تاج ” ومن هنا التسمية بال “فيروس التاجي “. وهو يحتوي على قطعة واحدة إيجابية من الوحدات الوراثية الRNA ويستخدم هذا الفيروس بروتين معروف اسمه -Angotensin-Converting Enzyme-2 (ACE-2) للدخول في الخلايا وللتكاثر في داخلها.
ومن المعروف أنّ هذا البروتين له دور أساسي في عمل جهاز القلب والرئتين والكلى ووظائف كبيرة ومُهمّة في توازنات الضغط الشرياني ومعدّلات الأملاح الأساسية في الجسم وفي عمل الكلى. كما أنّ له أيضاً دور كبير في حماية خلايا الرئتين حيث يُوجد بكميات كبيرة في الغشاء الذي يُغطّي الخلايا الموجودة في جدار الأكياس الهوائية (Alveolar cells) الموجودة في الرئتين و يلعب دورًا كبيرًا في عملية حماية خلايا الرئتين والدفاع عنها.
ويتواجد إذاً هذا البروتين بكثرة في خلايا الأكياس الرئوية الصغيرة وهي الوحدات المسؤولة عن تنقية الدم
وإستخراج الأوكسجين من الهواء الذي نتنفّسه ورمي ثاني أوكسيد الكربون وباقي السموم الأخرى خارج الرئتين خلال عملية الشهيق والزفير. وقد أظهرت عدّة دراسات أنّ فيروس Covid-19 يدخل الخلايا الرئوية من خلال إلتصاقه بهذا البروتين الذي يلعب دور لاقطات لهذا الفيروس. وبعد دخوله الى الخلايا الرئوية يقوم الفيروس بالتسبّب بالأضرار الكبيرة بهذه الخلايا وتدمير أكبر عدد منها.
وهذا هو السبب الأساسي لحصول الضرر الكبير الذي يلحق بالرئتين الذي يلحظه الأطباء عند المُصابين بإلتهابات بهذا الفيروس. ومن هنا تنبع أهمية إستعمال الأدوية من عائلة ACI- inhibitors والتي سنتكلم عنها لاحقاً في هذه المقالة ودور هذه الأدوية في التخفيف من الأضرار الناتجة عن الإصابة بهذا الفيروس وخاصة الإصابات الرئوية والقلبية منها.
٣-لماذا يُصيب فيروس كورونا أعدادا ً كبيرة من مرضى القلب والشرايين:
رغم قصر الفترة الزمنية التي إجتاح فيها فيروس كورونا معظم أنحاء العالم والتي لم تترك للخبراء والباحثين المجال للبحث بشكل منهجي وعلمي دقيق في كل الحقائق العلميّة المُثبتة عن كيفية إنتشار ومخاطر هذا الفيروس، إلّا أنّ هناك مُعطيات كثيرة تُشير ومن مصادر ودول مُختلفة أنّ المرض الناتج عن الإصابة بفيروس الكورونا وأشكاله الخطيرة يصيب بشكل أكبر المرضى الذين يعانون من إرتفاع الضغط الشرياني وأمراض القلب والشّرايين ومرضى السّكري.وإنّ نسب الوفيّات هي أكبر بكثير عند هؤلاء المرضى الذين يعانون من هكذا أمراض.
أما عن كيفيّة زيادة الوفيّات عند المرضى المُصابين بأمراض القلب والشرايين والذين يُصابون بإلتهابات فيروس كورونا، فتشير الدراسات بأنّ القاسم المشترك بين زيادة الوفيّات بسبب الإصابة بإلتهابات فيروس الكورونا وأمراض القلب والشرايين هو وجود نقص أو ضعف في جهاز المناعة عند هكذا مرضى. ولذلك فإنّنا نُلاحظ هذه الزيادة بشكل كبير عند المرضى المُسنّين وخاصّة الذين تجاوزوا سن ال70 سنة أو سن ال60 أو 65 سنة في بعض الدراسات الأوروبيّة، حيث ظهرت عدّة مؤشرات على أنّ الإصابات في أوروبا كانت أكثر خطراً منها على الشريحة من المرضى الذين يبلغ عمرهم أقل من 60 سنة مقارنةً بالمُعطيات التي كانت قد ظهرت في الصين سابقاً.
وكذلك وللأسباب ذاتها اي ضعف او خلل جهاز المناعة فإننا نُشاهد أيضاً إرتفاع الخطر في حالة الإصابة بمرض السّكري أو إرتفاع الدهنيات لأنّهما يؤدّيان لخلل في عمل هذا الجهاز.
وهنا لا بدّ من الإشارة ايضاً بأنّ خلل عمل جهاز المناعة عند الإنسان يشكّل أيضاً أحد أهم أسباب زيادة أمراض القلب والشرايين ولذلك يُمكننا القول بأنّ الأمور مُترابطة فيما بينها ولا عجب إذا ما وجدنا أنّ الإصابة بأمراض القلب والشّرايين هي دليل على وجود ترهّل أو خلل في وظيفة جهاز المناعة.وهذا ما يشرح تفاقم حالة المرضى الذين يُصابون بفيروس الكورونا في هذا الوضع. وقد توقّّف الكثير من الخبراء عند ظاهرة أثبتتها بعض الفِرق العلمية وهي إرتفاع نسبة بروتينات الACE2 عند المرضى المُصابين بإرتفاع الضغط الشرياني أو بأمراض القلب والشرايين ووجود علاقة بين إرتفاع هذه النسبة وإزدياد مخاطر وخطورة ووحشيّة الأضرار التي يتسبّب بها فيروس الCovid-19، لكنّ بعض العلماء الآخرين يشيرون إلى ضرورة إجراء تجارب أخُرى إضافيّة للتأكّد من هذه النّظريّة وما هو الرّابط الحقيقي بين وجود أمراض القلب والشّرايين و تدهور وتفاقم حالتهم عند الإصابة بفيروس ال Covid-19.
* د طلال حمود – طبيب قلب وشرايين- مُنسّق مُلتقى حوار وعطاء بلا حدود