قراءة بين سطور رواية سيدات الحواس الخمس للروائي جلال برجس
قراءة في رواية سيدات الحواس الخمس
ثنائية الوطن والأنثى ..الوطن أم وحبيبة والحبيبة وطن ..هي اللوحة الأهم التي حاول الكاتب أن “يبروزها”ضمن نسيج الرواية التي وزعت على ست حكايا بقالب فني مشوق متسلحاً بمخزون ثقافي متعدد الينابيع ولغة سردية فنية ترشح بحمولة شعرية عذبة ..لا تقل شعرية عن القصائد ..وفلسفة جميلة للحواس وللعطور وللبناء ..وأيضاً فلسفة خاصة بفن التعامل مع المرآة.
ولا شك اننا سنشعر بأجواء متعددة في الرواية وكأننا ضمن أسلوب روائي له عدة نكهات : فالغرف المغلقة والقاتل الغامض يذكرنا برواية الفرنسي شارل بيرو (ذو اللحية الزرقاء ) والتي تحولت الى فيلم ومن ثم لمسلسل كرتوني , وفلسفة العطر أعادت للذاكرة رواية الألماني باتريك زوسكيد والتي أيضاً تحولت لفيلم ولعل العبارة الأشهر بها ( من يسيطر على العطور يسيطر غلى قلوب الناس, بالإضافة إلى أجواء روايات احسان عبد القدوس وخصوصاً عندما تبدأ كل سيدة بعملية البوح أو الإعتراف أمام سراج بطل الرواية عن ماضيها وأخطائها ..
يضعنا الكاتب في أجواء الحدث مباشرة عبر لقطتين تأسيسيتين ..حملتا عنوان اطلالة داخلية للأولى وخبر صحفي للثانية وأتبعهما بنظرية المثل لأفلاطون كركيزة ضرورية لفهم الرواية والولوج الى شخصية البطل الذي جعلنا نتعاطف معه رغم تلك الهواجس من أنه قد يكون القاتل .! فالنمو المعرفي عنده تشكل ومنذ أن كان طفلاً صغيراً عبر الحواس الخمس ( أولى درجات النمو المعرفي عند اخوان الصفا يليها العقل ثم التجربة ) وكان يتمتع بقدرة مذهلة على فن الفهم بالحواس بالإضافة للحاسة السادسة التي كانت تخيف أمه ..والتي يبدو ان الكاتب أهملها فيما بعد ..
وإن أشار اليها فيما بعد ..عندما اطلق عليها اسم الحاسة المضيئة ربما والتي أخذت اسم عطره الخاص ( ثمة حاسة مضيئة داخل كل انسان غير الحواس التي نعرفها , بإمكانها إن لم تنقذه مما سيحدث مستقبلاً , أن يتجاوز ألمه .)
حرص الكاتب على المدينة القديمة بكل مافيها من بساطة وجمال ومحبة تكرر في عدة أنحاء من الرواية وتلخص في ابداع جملة من وحي النفري ( كلما اتسعت المدن ضاقت القلوب )
الإضاءة على الفساد هو الركن الأساس والمهم وتعاطفنا مع الشخصية في جزء منه كان من مبدأ أنها تحارب الفساد وتقف مقابلاً له بالفن والجمال والموسيقا والأدب ..فبناء غاليري الحواس الخمس على شكل امراءة للتركيز على إعطاء قيمة للمرأة من جهة و( ليكون شمساً قبالة عتمة الذاكرة ,وقبالة سليمان الطالع ” رمز الفساد ” ) وعند سؤاله أن المخالب لاتواجه إلا بالمخالب أجاب ( إن رأى الثعلب لوحة لصياد فربما يهرب )
إذا ورطنا بالتعاطف مع هذه الشخصية (الدونجوانية ) وبدت كل المؤشرات تتجه إلى أنه القاتل رغم كل هذا الفن والجمال والفلسفة والطيبة وعمل الخيروالخصال التي يحملها ..
وأعتقد أن العقدة الغير مقنعة كانت بالخاتمة وبإعادة السيدات الخمس الى المسرح بطريقة مباشرة فجة دون مبررات درامية من نسيج الرواية فبدت الإعادة وكأنها مهرب لابد منه ..وانهاء الرواية بتفجير ارهابي للغاليري يقضي غلى الجميع ..مع استثناء ثلاث أشخاص دلاليين :
- أحمد الذي هو امتداد لشخصية سراج الفنان والذي تفوز لوحته بجائزة عالمية .
- جعفر ك رمز الفساد وهو ابن سليمان الطالع يتسلم منصب قيادي
- ريفال سبب معاناة سراج والتي هي لا يمكن ان تموت فهي الحبيبة الوطن والوطن الحبيبة .
ملاحظات عامة :
-لابد من الإشارة الى الثقافة المتنوعة الجميلة للكاتب في الفلسفة والموسيقى والسيارات والخشب وتفاصيل المدن إن كان في عمان أو في ولاية ويسكونسن بأمريكا ,وتوظيف كل هذه المعلومات ضمن حدث سردي متميز،
- الخيال الخصب والقدرة على التشويق والإدهاش ..
- كل النساء في الرواية لهن تجارب بالخيانة ..وهذا بعد له دلالات كثيرة منها الفساد الأخلاقي والاجتماعي في أسوأ أشكاله في بلادنا .
- الرواية في خطها الزمني ضمن حدثين سرديين (متذكر ومروي ) الصيف يغلب على كل الأحداث وصرصار الليل متكرر في اللوحات .
- أفكار فلسفية هامة تضاف إلى رصيد المتلقي محفزة على البحث والمتابعة (كن وفياً وأنت تلمس حتى الهواء .هنالك أبواب , ستحس بها تفتح فتأخذك نحو الحقيقة)
( ما نفع حواسنا الخمس ,إن لم تكن لها القدرة على التنبؤ بما يمكن أن يحدث لنا ..
- نشوء الإرهاب والتطرف على يد (القبضاي ) المدعوم لاحقاً من رموز الفساد بدت رؤية غير مكتملة او ناقصة نوعاً ما .
- محمد شعراني ، كاتب و ممثل مسرحي