بين غريغوري بيرلمان عبقري الرياضيات وفشيخة بلادنا ملايين السنوات الضوئية !

بين غريغوري بيرلمان عبقري الرياضيات وفشيخة بلادنا ملايين السنوات الضوئية !
انطوان يزبك*
غريغوري بيرلمان لمن لا يعرفه ، هو واحد من عباقرة الرياضيات في العصر الحديث ، نراه يعيش حياة بسيطة ككل الناس إذ يتنقل بواسطة المترو مثل أي شخص عادي ويرتدي ثيابا أقل من عادية ، وقد آثر حياة العزلة، بعيدا عن أضواء الشهرة وصخب الحياة ، يسكن في شقة بسيطة في سانت بترسبورغ أمينا على موقفه من البذخ الذي لا فائدة منه ولا منفعة ، بعيدا عن الأضواء والضوضاء وفلاشات المصورين و أسئلة الصحافيين .
هذا العبقري هو من عباقرة العصر الحديث إذ تمكن من حل اللغز الرياضي المعروف ب “تخمين بوان كاريه” وقد تمكن من حلّ هذه المعضلة بعد مئة عام من وضعها . رفض بيرلمان ميدالية فيلدز في الرياضيات وهي جائزة تعادل جائزة نوبل في العلوم ، بالإضافة الى رفضه أيضا استلام مكافأة مالية بقيمة مليون دولار وقد فعل ذلك ليس بسبب التكبر أو لعلة ما فيه ولكنه لا يجد نفسه في هذا العالم العبثي المملوء بالأغبياء والمتملقين الفارغين من كل معاني الإنسانية والأحاسيس البشرية والثقافة والقيم .
أما في بلدنا الذي يعيش ناسه في أوهام واهية من التكبر والممارسات الباذخة ومظاهر الترف السطحي ، فتزداد أعداد “الفشيخة “التفهاء من الذين ” يعومون في شبر ماء ” كما يقول التشبيه الشعبي ، وقد أطلق عليهم في الماضي لقب الفشيخة وما أكثرهم لأنهم يقيسون ذواتهم وحياتهم بالفشخة أي بعدد الأمتار والأميال التي يقطعونها وكأن الإنسان مقياس لذاته من خلال إنجازاته المادية وكمية ثروته وما شقعه من أموال و ثراء ، هؤلاء الفشيخة ليسوا سوى جزء من الفاشلين من الذين يعجزون عن حلّ أبسط المشاكل في حياتهم ويتباهون بالمال والجاه والسيارات والثياب التي ينفقون عليها أموالا طائلة بينما غيرهم من اخوتهم في الوطن، يعيشون في فقر مدقع وعذابات أليمة بسبب الفقر والغني ينعم بالمال الوفير يبذّره على قاعدة :
“أن الله فرض في أموال الأغنياء أقوات الفقراء ، فما جاع فقير إلا بما متع به غني! “
هؤلاء البشر هم في حقيقة الأمر يعجزون حتى عن اختيار من يمثلهم في البرلمان ،بشكل صحيح ففي كل دورة يعيدون انتخاب الطقم ذاته من العصابات والقتلة واللصوص وكأن سلوكهم هذا ، مرتبط بعقد أبدي مع الحرامية والأنجاس وسيدهم الشيطان،طبقة السياسيين الفاسدين الذين لا شغل لهم سوى إفناء البشر وإفلاس البلد وحماية عشيرة الكومبرادورات الذين يمررون مصلحة الأجنبي وأجنداته على حساب و مصلحة الوطن وأبنائه، بينما في كل أنحاء العالم نجد عباقرة ومتفوقين يعيشون مثل النساك ولا تغريهم الأموال والأضواء والثروات يعيشون أوفياء لحياتهم البسيطة الهادئة .
نبقى نسأل : هل نجد في بلادنا من أمثال هؤلاء الطوباويين يقدرون على إنقاذ الوطن من شرّ الأوهام والبذخ القبيح ؟! …