بيان توضيحي من جمعية تجاوز في التهجّم على الشاعر حبيب يونس
بيان توضيحي من جمعية تجاوز في التهجّم على الشاعر حبيب يونس
فاجأنا بعض مدّعي الثقافة بهجومهم على الصحفيّ والشاعر حبيب يونس بسبب قصيدته التي كتبها في معالي وزير الصحة الدكتور حمد حسن، واتّهموه بالهرطقة، والتهجّم على الحرمات الدينية، وما أشبه من تهم مضحكة، تنمّ عن جهل عميق بالثقافة، وعن قلّة اطلاع على ما جاء في النقد والشعر العربيّين. وهذا هو نصّ القصيدة التي كتبها هذا الشاعر، ونشرها على موقعه في الفايسبوك، في 8/ 4/ 202، وعنوانها: “وِجّ اللآلام ونور القيامي”:
“وِجَّك دَرب عَ الجلجلي
عينَيك أَنّات مْسامير
وِجبينك المصلوب
عَ الخَشبي عِلي.
وإيدَيْك مِشْ إِلا رُسُل
طاروا بهَـ العَتمِه عْصافير،
وبَسمِتك وَعْد القيامي
وكِلّنا مِن فَيض نور رسالتك
رَحْ نِنْتِلي.”
الشاعر يستوحي من عذاب المسيح وآلامه، ليرمز بهما إلى المصاعب التي يمرّ بها هذا الوزير العظيم، مواجهًا أخطار الوباء المنتشر في تنقلاته المستمرّة لإتمام عمله بدقّة، حاملًا للبنانيين أملًا بالخلاص والحماية. لهذا يراه الشاعر رسول الأمل لشعبه، كما كان المسيح رسول الأمل للذين آمنوا به، وقد قال: “أنا هو القيامة والحياة.” (يوحنا: 11/ 26)
وفجأة طالعتنا ردود فعل على هذه القصيدة، تنمّ عن جهل وتعصّب مضحكين، وكأنّ مَن كتب لا يقرأ، أو لا يعرف أن يقرأ إلّا ما يعجب؛، وليس هذا غريبًا لأنّه يسيّس الأمور، كما اعتاد، ويُخرج الكلام من سياقه الشعريّ، ليضعه في سياق سياسيّ صغير وسخيف. لهذا السبب أنقل إليه، لعلّه يقرأ، بعض ما جاء في كتابات عدد من النقاد، وهو منشور في مواقعه التي سنشير إليها تباعًا.
جاء: “شخصية السيد المسيح تخلّلت الديوان الشعري للعرب علي طول تاريخه الفنيّ، ومع مجيء المدرسة الجديدة في الشعر العربي (مدرسة شعر التفعيلة) أصبح للرمز دور في تشكيل الصورة الشعرية، واعتلت الحلبة رموز شعرية معبرة عن آلام الانسان المعاصر، ويكاد يجمع رواد الشعر الحديث علي رمزية السيد المسيح في تشكيل الشعر، فنجد بدر شاكر السياب “المسيح بعد الصلب”، صلاح عبد الصبور “عيد الميلاد”، وبعد ذلك محمود درويش “أغنية صلب المسيح”. وقد ظل للمسيح الرمز هذا الدور البنائي للصورة الشعرية في أجيال السبعينات والثمانينات وفي القصيدة الحديثة المسماة بقصيدة النثر؛ حيث أصبحت رمزية السيد المسيح درعا واقيا من تهمة الفناء البشري في هذا العالم الكبير.” (أحمد ابراهيم الشريف، مقال: السيد المسيح أكثر شخصية دينية تحولت إلى رمز لدى الشعراء، موقع: قنشرين، 6/ 1/ 2010 – http://qenshrin.com/details.php?id=17208#.XpGOWjdR2Uk”
وجاء: “فالناصري الحاضر في أدبنا، صار رمزًا متعدّد الوجوه، لكن أهم ما فيه هو أنه رمز عربي عام وليس رمزاً دينياً أو طائفيًّا.(الياس خوري، مقال: عيسى بن مريم في الأدب العربي… رمز عربي وليس رمزًا دينيًّا وطائفيًّا، موقع: قنطرة، 2017، https://ar.qantara.de/content/يسوع-الناصري-لماذا-لم-ينزل-عن-الصليب؟-عيسى-ابن-مريم-في-الأدب-العربي-رمز-عربي-وليس-رمزاً)
- “لا نقلّل من أهمّيّة دخول الرمز المسيحيّ الأدبَ المعاصر، فهو حدث تاريخي، إذ فرض على الأدب العربيّ القبول بالتعددية. وفق هذا المعنى لعب المسيح دورا أساسيًّا في الأدب العربيّ، وفتح بابًا لم يكن موجودًا، وسمح بدخول عنصر جديد منذ العصر العباسي. واقتضى ذلك عشرة قرون لتعود الاقليّات وتدخل في المدّ الثقافيّ العربيّ” (ألين الموراني، مقال: المسيح في الأدب العربي المعاصر، موقع: إيلاف، الاثنين 28 ديسمبر 2009، https://elaph.com/Web/Knowledge/2009/12/517956.html”
وجاء: ” دخلت صورة المسيح المصلوب القاموس الشعري العربي بعد هزيمة 1948، عبر تجارب بدر شاكر السياب في العراق وصلاح عبد الصبور في مصر. وتردّد صدى هذه التعبيريّة في إنتاج بعض كبار الشعراء على مدى عقدين من الزمن، كما في تجربة محمود درويش. امتدّ هذا إلى الشعر العامي مع صلاح جاهين، وبلغ الأغنية المصرية مع عبد الحليم حافظ في قصيدة كتبها الأبنودي ولحّنها بليغ حمدي.” (محمود الزيباوي، مقال: مسيح الشعراء، موقع: تيريزا، http://www.terezia.com/section.php?id=2885) وهذا نقلًا عن جريدة النهار.”
وجاء: ” والذي يعنينا بشكل محدد هو دفاع الناقد المعروف محمد مندور عن لويس عوض في مجلة روز اليوسف، رافضًا اتّهام شاكر للشعر الحديث بالخروج على الإسلام لمجرد استخدام ألفاظ تتردّد في الدين المسيحيّ، مثل الخطيئة والصلب والفداء والخلاص، معتبرًا أنّ هذا من قبيل التراث الروحيّ للمسلمين ولكل البشر.” (سامي جعفر، مقال: اليسار وصلب المسيح في الأدب العربي المعاصر، موقع: صندوق الثقافة، الأربعاء 8 يوليو 2015، http://mbrkq1.blogspot.com/2015/07/blog-post_55.html)”
وجاء: ” ولم يمنع أن تدور جملة من الرموز في إطار دلالات معينة ذات صلة بالتطوّر الاجتماعيّ والحضاريّ الذي كنا نمر به ،على نحو ما نلاحظ في استخدام (المسيح ) رمزًا شعريًا، ففي شعر المدارس الشعريّة قبل الحرب العالميّة الثانية كانت الإشارة إلى شخصيّة السيد المسيح تمثّل (الطيبة، والرحمة والطهارة، والنبل)، أمّا في مدرسة الشعر الحر فتمثّل (عذابه وصلبه وتضحيته)، وقد كثر الوصف والاشتقاق من صيغة الصليب في مدرسة الشعر الحر، وثمّة قصائد مستقلّة تدور حول معنى الصلب وتتأمّل فيما انبثق عنه من مواقف.” (هدى قزع، مقال: الرمز الأسطوري في الشعر العربي المعاصر، موقع: تورس، 7/ 2/ 2012، https://www.turess.com/awttar/1028)”
هذا غيض من فيض؛ وهو يُظهِر أنّ المسيح صار رمزًا أساسيًّا من رموز الشعر العربيّ. فمحمود درويش، على سبيل المثال، وبدر شاكر السياب تقمّصا شخصيّة المسيح في عدد من كتاباتهما، وهما مسلمان، فهل يُعَدّان مهرطِقَين؟ وغيرهما كثير، لن نعدّده لكثرته. فحسب الذين يهاجمون وينتقدون بثقافة هزيلة أن يعودوا إلى الأدب العربي المعاصر، وغير العربي أيضًا، كبعض شعر صلاح ستيتية، ليقرأوا فيه روعة الرموز المستوحاة من المسيح وصلبه.
إنّ تسييس الشعر، أو تحريفه ليصير مسيَّسًا، يسيء إلى الشعر والثقافة معًا، ويكشف عن قصر نظر يتّبعه بعضهم للإيقاع بالناس، ما يذكّرنا بما فعلته كنيسة القرون الوسطى حين حاربت العلماء لأنّهم كتبوا ما هو مختلف عن تعاليمها، ثمّ أثبت الزمن أنّ هؤلاء العلماء كانوا على حقّ، وأنّ العقيدة الكنسيّة (التي تطوّرت كثيرًا مع الزمن) كانت على خطأ في موقفها معهم؛ وحسبُ مَن هاجم حبيب يونس أن يعود إلى حياة غاليليه ليفهم هذا، ويرى كيف أنّ تسيّس رجال الدين، في تلك المرحلة، هو الذي أدّى إلى إدانة المفكّر.
إنّ تسييس الفكر يدمّره ويقضي عليه. والشعر لا يتطوّر إلّا بالانفتاح على الآخر، وجمعية “تجاوز” تؤمن بهذا أشدّ الإيمان، وتمارسه في النصوص التي يقدّمها أعضاؤها.
حبيب يونس ليس مهرطقًا، ولا هو كافر، بل شاعر ملهم، يعرف كيف يستعمل الرمز ليصنع بناء شعريًّا مميّزًا. وربّما هذا ما لم يفهمه المغرِضون، ولعلّهم يفهمونه في يوم من الأيام إذا اتّسع ذهنهم وانفتح على الآخر ممّن لا يشاركهونم آراءهم.
نتمنّى أن يتّسع قلب اللبنانيّين ليتواصلوا مع بعضهم بالفكر والثقافة، لا بالتطرّف والتقوقع، فيكون هذا خميرة لوطن جديد نصبو إليه جميعنا.
جمعية تجاوز