موقف “ندوة العمل الوطني” من الوضع الدَّاخلي الرَّاهن في لبنان ومن “الخطَّة الإصلاحيَّة” لحكومة الدكتور دياب

موقف “ندوة العمل الوطني”
من الوضع الدَّاخلي الرَّاهن في لبنان
ومن “الخطَّة الإصلاحيَّة” لحكومة الدكتور دياب
بيروت، في 13 أيَّار 2020
ترى “ندوة العمل الوطني”، إلى الوضع الداخلي الرَّاهن في لبنان، وإلى “الخُطَّة الإصلاحيَّة”، التي وضعتها حكومة الرَّئيس الدكتور حسَّان ديَّاب؛ محاولةً من هذه الحكومة لوضع قدم لها على مسار مكافحة الانهيارات المتتالية، التي تضجُّ بها الساحة اللبنانية حاليَّاً؛ وليس الوضع المالي والحال الاقتصادي وما يُلِمُّ بالبلد من ظروف صحيَّة وأمنيَّة مع القلق السِّياسي العام، بأقلِّها على الإطلاق.
ترى “النَّدوة” أنَّ هذه “الخطَّة”، بحدِّ ذاتها، لا تُشكِّل بنياناً ينهض على ترابطٍ عضويٍّ بين أجزائه، بقدر ما هي أفكارٌ وآراءٌ ومقترحات مختلفة؛ جرى تجميعها وتصنيفها، في محاولة لملء فراغٍ ما؛ وكان الأجدى لو عمدت الحكومة إلى وضع خطَّة متكاملة؛ غير أنَّ العذر المفترض، في تصرُّف الحكومة، يقوم على أنَّ الوقت المتاح لها، منذ تشكيلها، إلى حين إعلانها عن “الخطَّة”، وقت قصير وحافل بالضُّغوط القاسية.
مِن هنا، فإنَّ الموقف المبدئيِّ لـ”ندوة العمل الوطني”، يبقى في مراقبة عمل الحكومة؛ وتقديم أقصى ما يمكن من النَّقد الإيجابي البنَّاء لِما تقوم به؛ إيماناً مِن “النَّدوة” أن أيَّ بديل وطنيٍّ مرحليٍّ من هذه الحكومة، ما زال، حتَّى اللَّحظة، غير ناضج وغير جاهز.
بناء عليه، تُنَبِّهُ “النَّدوة”، في هذا السِّياق، إلى ما يلي:
1) على جميع السِّجالات السِّياسيَّة أن تتراجع اليوم، أمام عِظَم المسؤوليَّة الوطنيَّة وأولويَّتها الأساس في مواجهة ما يعيشه الوطن وناسه في المرحلة الرَّاهنة.
2) أيّ احتماء بالطَّائفة أو المذهب أو المنطقة، لا يعني سوى ممارسة قتلٍ لحقيقة السِّلم الأهليِّ وجوهر التَّعايش الوطنيِّ الطَّامِحِ إلى دولة المواطنة الحرَّة في لبنان.
3) كثيرة جدَّاً هي النّقاط والمشاريع والقوانين التي أعلنت الحكومة أنَّها ستعتمدها عند تطبيقِها “الخُطَّة”؛ غير أن هذه النقاط والمشاريع والقوانين، تبقى بحاجة بنيويَّةٍ ماسَّةِ إلى سندٍ تشريعيٍّ وقانونيٍّ للعمل بها؛ وهذا ما يشكِّل واحدةً من أكبر نقاط ضعف “الخُطَّة” الإصلاحية؛ الأمر الذي يُشيرُ إلى أنَّ هذه “الخُطَّة” ستبقى حبراً على ورق، إذا لم تجد لها مواقف إيجابيَّة من قِبل السُّلطة التَّشريعيَّة، ممثَّلة بالمجلس النِّيابي.
4) إنَّ العمل الرَّصين والسَّريع، وغير المُتَسَرِّع في آنٍ، مِن قِبل الحكومة وبإدارتها، على تقديم خطَّة نهوضٍ وطنيٍّ فعليٍّ؛ يبقى مسؤوليَّة أساساً، على عاتق جميع الأحزاب والهيئات والتَّجمعات، التي تهتمُّ للشَّأن العام وتسعى إلى خيره الشَّامل.
5) لايمكن أن يبقى العمل على استعادة، ما اصطُلح على تسميته “المال المنهوب”، والسعي إلى محاسبة من أساء استخدام سلطته المالية، في الشَّأن العام وإدارات الدولة؛ مجرَّد غَوْصٍ في كلامٍ إنشائيٍّ لا طائل منه؛ فثمَّة قوانين وتشريعات راهنة يمكن الإفادة الفوريَّة منها، كما ثمَّة مجال وطنيٌّ، عبر المجلس النِّيابيِّ، لتقديم تشريعات وإقرار قوانين تُجيب على متطلَّبات المرحلة.
6) التَّعامل مع “البنك الدّولي”، ووفاقاً لما تشير إليه محطَّات تاريخيَّة عديدة ومع دول كثيرة، هو تعامل مع تاجرٍ عازمٍ على السَّيطرة، وليس تعاملاً مع صديق على الإطلاق.
7) لم تتطرَّق “الخُطَّة”، بوضوحٍ وعملانِيَّةٍ وشفافيَّةٍ مسؤولة، إلى مطالب الشَّعب، وخاصة ما يتعلق منها بموضوع إسترداد الأموال المنهوبةتُشير “الخُطَّة” إلى ما قد يفيد عن عزم الحكومة على فرض ضرائب جديدة، والعمل على رفع نسب استيفاء بعض الضرائب الأخرى؛ وهذان من الأمور التي لا تُبَشِّرُ بأيِّ خيرٍ، في مجتمعٍ أموالُ ناسه منهوبة أو مجمَّدة، ولا حريَّة لهم في التَّصُّرف بها؛ وكذلكَ في بلدٍ أُنهكت مؤسَّساته الإنتاجيَّة، إلى مرحلةٍ أعلنت فيها كثير من هذه المؤسَّسات الإفلاس.
9) حقوق الموظفين والعاملين كافَّة، من مرتَّبات وتعويضات، وخاصَّة العاملين منهم في القطاع العام؛ وكذلك حقوق المتقاعدين، كلُّها حقٌّ مقدَّس لا يجوز ولا يمكن المساس به بأي حال من الأحوال؛ بل لا بدَّ من وضع خطَّة لاستعادة القيمة الشِّرائيَّة، لما كان تعنيه هذه المرتَّبات والتَّعويضات والمعاشات التَّقاعديَّة قبل الانهيار العام الحاصل.
10) أموال المودعين لدى المصارف، أكانت بالعملة اللُّبنانيَّة أو بالعملة الأجنبيَّة، هي حقوق شرعيَّة وقطعيَّة لإصحابها؛ جرى إئتمانُ المصرف عليها وصونها؛ وكلُّ مخالفةٍ لهذا الإئتمان، والحدّ من حريَّة المودِع في استخدام وديعته، لا يمكن إلاَّ أن تكون جريمةً مباشرةً تخضعُ للمحاسبة القانونيَّة الجزائيَّة وللمحاسبة الوطنيَّة المسؤولة.
11) الارتفاع الفاحش والمجرم في أسعار السّلع، لا يعني إلاَّ تفلُّتاً من ربقة القوانين والإذعان لمصالح المضاربين والسِّير في ركاب من يسعون، بجهد كبيرٍ لا يمل، إلى خراب البلد، والإفادة من سلبيَّات هذا الخراب؛ ومن هُنا، فلا بدَّ من استخدام الشِّدَّة في شأن مراقبة أسعار السِّلع والخدمات كافَّة؛ بل لا بدَّ من اعتبار كلّ من يسير في هذا الرَّكب المجرم خائناً للسِّيادة الوطنيَّة.
12) لا بدَّ من الانتباه إلى أنَّ احتمال المعاناة المعيشية الصَّعبة والمتصاعدة مساراتها، من قِبل فئاتٍ عديدةٍ من المجتمع، فضلاً عن جميعِ المهمَّشين والفقراء؛ تشكِّل واحداً من أكبر التَّحديَّات التي لا تُتيح أيَّ انتظارٍ أو تسويفٍ، للسُّطلة التَّنفيذيَّة.
13) يواجه لبنان تفكّكاً خطيراً ومتَّسعاً لكثير من مؤسَّساته، وخاصَّة تلك المختصَّة بالتَّقديمات الخدماتِيَّةِ ،الاجتماعيَّة والصحيَّة والتَّربويَّة وغيرها؛ وهذا أمرٌ لا بدَّ من تَدَبُّرِ معالجاتٍ حقيقيَّةٍ له؛ وخاصَّة في ظلِّ الظُّروف العامَّة الحاليَّة والأوضاع النَّقديَّة والاقتصاديَّة المُهيمنة على البلد.
14) يفيد الواقع الراَّهن أنَّ لبنان سيواجه، وفي وقت متسارعٍ وقاتلٍ، موجات هجرةٍ واسعةٍ، من قبل شبابه، باتِّجاه الخارج؛ وذلك في ظروف قد لا يكون فيها هذا الخارج، إقليميَّاً ودوليَّاً، بقادر على التَّرحيب بالمهاجرين اللُّبنانيين، أو حتَّى طالبي العملِ في دُوَلِهِ ومناطقه.
15) لعلَّ، في كلِّ ما سبق، ما يوضِّح مجالات الانعكاسات السَّلبيَّة التي سيتركها، على البيئات الاجتماعيَّة في لبنان؛ وخاصَّة تلك التي تضمُّ في جنباتها عديداً من غير اللُّبنانيين.