أدب وفن

الايروسية/ جورج باطاي ان نقول (لا) EROTISME /GEORGES BATAILLE

الايروسية
جورج باطاي
أن نقول ( لا)

(باطاي )سخر نفسه لدراسة الايروسية ، واعتمد في دراسته على معطيات علمية أركيولوجية وتاريخية سوسيولوجية وبسيكولوجية ، واستبعد من نطاق اهتمامه العلم والفلسفة ، وكان قد أعلن في بداية بحثه انه لا علاقة لكتابه بالفلسفة ، وان كتابه هذا هو كتاب في اللاهوت وليس في العلم، والمقصود باللاهوت التجربة اللاهوتية الباطنية الخاصة التي عاشها ( باطاي ) نفسه. هل هذه المراوغة ، هي مراوغة للرغبة في جنونها وعبثيتها حتى ينكشف منها ما لا يمكنها أن تعبر عنه إلا لكي تتوارى وراء خطاب ؟ هل لا بد من الكلام عما لا يمكن الكلام عنه حتى نعلن عن وجوده على الأقل؟ ،ص٩.
وقد استند باطاي على عمق تجربة ( ساد) وعلى دور اللغة المفارقي في توعية الآخر وحثه مفارقيا على الذهاب بعيدا في ثورة العزلة،. ص١٢.
ورد باطاي على سؤال طرحه( جون ووهل) أنه يمكن للاتصال والوعي أن يقتربا من بعضهما البعض ( ان اللحظة الايروسية هي اللحظة الأعتى) ص١٣
يقول باطاي أننا لن نقترب من عصر التنوير الا إذا كسرنا كل خوف فينا، لذا تناول موضوع الإيروسية التي توقفت منذ زمن طويل عن أن تمثل ذلك الموضوع الساقط أخلاقيا واجتماعيا،ص١٥. وهنا أتى على ذكر من سبقه إلى تناول هذا الموضوع وهو ميشال لايريس في كتابه ( مرآة مصارعة الثيران’) حيث تم اعتبار الإيروسية موضوعا للتأمل الشعري ،ص ١٨.
وفي تعريفه لها، قال باطاي: إن الإيروسية تمثل إقرار حقيقة الحياة حتى في الموت .ص١٩.
وأخذ’باطاي مثالا الكائنات ذات الخلية الواحدة التي تعبر في لحظة من الانفصال الى الاتصال، ويتوالد عنها كائنان ويمحي الاول . بينما الكائنات الأعقد والتي تتكاثر جنسيا ،أيضا تعبر من الانا المتصل إلى المنفصل فنحن كائنات منفصلة ، لذا يتصل الموت بالعمق مع الكينونة. وقد أورد باطاي الصور الثلاث للإيروسية:وهي إيروسية الأجساد ، وإيروسية المشاعر ، وأخيرا الإيروسية المقدسة ،ص٢٣.
وبالحديث عن الصورتين الأولى والثانية لا نتكلم بتقديس عنهما في حين ان البحث عن اتصال الكينونة ، يدل على مسار ديني في جوهره أي عشق الذات الإلهية . ولا بد من الانتباه الى أن مجال الايروسية هو مبدئيا مجال للعنف والاغتصاب . فانتزاع الكينونة من الانفصال هو الأمر الأشد عنفا . ولكن الأشد عنفا هو الموت الذي ينتزع الكائن المنفصل الذي نمثله.ص٢٤. والمبدأ المقوم للعملية الإيروسية بأكملها حسب باطاي هو تدمير بنية الكينونة المنغلقة المتمثلة في الحالة العادية لمن هو شريك في العملية، ص٢٥.كان حري على باطاي أن يكمل التعريف وابناء كينونة منفتحة على الكون في حالة من الوعي متقدمة.( رأيي الخاص)
ويتابع باطاي : تتصف إيروسية الأجساد بشيء من الفظاعة وبأنها تشكل عبئا على الكائن . إنها تحافظ على استمرار الانفصال الفردي في شكل أنانية فجة . أما إيروسية المشاعر فإنها أكثر تحررا، ص٢٨.وهنا يمكن أن تتلاقى ايروسية مرتبطة بالواقع والايروسية المقدسة ، ولطالما كانت الحياة مفتاح الكينونة ، وأذا كانت الحياة فانية ، فإن اتصال الكينونة لا يفنى ، ذلك هو ما يجعل الدخول في حالة الاتصال ونشوة والاتصال يهيمنان على رؤية الانسان للموت . ص٣٤.ويدفعنا باطاي إلى الإقرار معه بالاستنتاج : تفتح الإيروسية الكيان على الموت . والموت يفتحه على نفي الديمومة الفردية، فهل بإمكاننا دون عنف داخلي ، أن نتحمل نفيا يدفع بنا إلى تخوم ما هو ممكن ؟ ص٣٤.
ويعترف باطاي بأنه تحدث عن التجربة الصوفية ولم يغفل موضوع الشعر لأنه أساس كياننا كما يقول :’إن الشعر هو الخلود .ص٣٥.
يشرح باطاي الإيروسية بأنها تمثل التجربة الباطنية للإنسان ، ونحن نخطىء بشأنها لكوننا نراها تتطلع دائما إلى موضوع للرغبة خارج الذات .بينما هذا الموضوع يتوافق مع جوانية الرغبة . ص٣٩.
وفي معرض تمييز النشاط الايروسي الانساني عن نشاط الحيوان الجنسي بدأ وضع المحرمات تجاه الموت وتجاه النشاط الجنسي . وقد وجدت آثارا تدل على دفن الموتى لكن لم يجد الباحثون قديما ضوابط للحياة الجنسية .ص٤١. وكان من نتيجة ازمنة دامت مئات آلاف السنين ، تحرر الانسان من الحيوانية الأولى ودخل الى حياة جنسية محكومة بالخجل ستكون أساسا للايروسية ٤١وفي معرض بحثه عن التجربة الإيروسية أو التجربة الدينية ، يذكر وجود أمرين للاختيار: فاذا دخل المحرم حيز الفعل تلغى التجربة او تحصل خفية خارج الوعي، او لا يكون هناك دور للمحرم وهي حالة أقل ملائمة، فالمحرم ليس مبررا بالنسبة للعلم بل هو حالة مرضية ناتجة عن عصاب.وإذا استسلمنا إلى المحرم سنكون قد وضعنا الدين والأيروسية في إطار الأشياء ، علينا أن نعمل إذا على تنزيلهما كتجربة باطنية. ص ٤٦.
والتجربة الباطنية هذه تجعل حساسيته تجاه المحرم أقل من رغبته في التمتع به، اي شيء ما يجمع بين الرغبة والرعب ، بين القلق واللذة القصوى. وليس لهذه المشاعر أية صفة مرضية ، فهي بالنسبة للانسان كاليرقانة ، وفي تنزيلها ضمن التجربة الباطنية يكون قد اخترقها.واللحظة هنا لحظة وعي ، ص ٤٨.
وتنشأ العصبية تبعا ل باطاي نتيجة ان الجماعة تشعر بالعنف الكامن حين يموت أحد أفرادها وهو أمر غريب عن جوهرها .وينشأ لدى هذه الجماعة الشعور بالمحرم في مواجهة الموت ، بينما تسعى خلال الحرب إلى قتل من ليس من جماعتها لأن المحرم يشتغل داخل الجماعة لا خارجها. وبالتالي يستطيعون انتهاكه من دون تراجع .كما لو أن المحرم وسيلة لتسليط لعنة بطولية على من ينتهكه .ص٥٦.
وفي ما يخص المحرم في النشاط الجنسي فإن أول من ذكرها بوضوح هو باطاي نفسه ، ومفاده أن التحريم في تناقضه مع الحرية الجنسية هو معطى عام وكوني. ص٥٨.
وقد استعان بأبحاث ليفي شتراوس حول زنى المحارم ، وفي العمق وجد أن هذه السمة كانت تستجيب ببساطة إلى الانشغال بإيجاد حل لمشكل التوزيع عبر إهداء’ما يتوفر من النساء.ص٦٠ . وما يترافق مع محرمات الحياة الجنسية محرمات متعلقة بدم الحيض ودم الولادة ، وهي تؤخذ دليلا على العنف الباطني. فالولادة مثلا هي تدل على الافراط الذي لا شيء يمكن أن يمر من العدم إلى الوجود ومن الوجود إلى العدم في غيابه.ص٦١. وفي معرض حديثه عن حالات الغثيان التي تتأتى من فكرة القديس اغسطين ( أننا نولد ما بين الفضلات والبراز) ونحن بما ورثناه عن البشر الأوائل ننقل هذا الاشمئزاز إلى أبنائنا. يشرح باطاي ان شكل هذه التعاليم المقدسة كان في الماضي مختلفا وأن مجال الاشمئزاز والغثيان هو نتيجة لهذه التعاليم. ص٦٦. وأسأل: متى نفك أسرنا من تعاليم قديمة تشل في بقائها قدرتنا على التطور؟
ويقول باطاي في نهاية المطاف ، ان تمرد الانسان هو من أجل التوقف عن الحركة التي تجرفه ، لكنه بهذه الطريقة جعل سرعتها رهيبة . واذا اعتبرنا أن المحرمات تمثل رفض الكائن للطبيعة ، فلن نستطيع التمييز أبدا بين الموت والحياة الجنسية . لأن الطبيعة تهدر بشكل لا محدود الرغبة في الاستمرار التي هي السمة الجوهرية لكل كائن. وتشترط الطبيعة على الكائنات أن تستسلم ، وتتأتى الطاقة الانسانية منذ اللحظة التي اجتهد فيها كائن ما وقد أصابه دوار كبير كي يجيب ب : لا)ص٧٠.
وهنا تظهر طبيعة التابو ( لا شيء يمكنه الصمود لمافي الانفلات الضخم سوى الرعب والجزع اللا- معقولين) الذي يجعل عالم الهدوء والعقل ممكنا ، والذي’يفرض نفسه على الاحساس وليس على الذكاء مثلما يفعل العنف نفسه. ٧١ .كذلك يخلص الى: ان المحرم موجود لكي يغتصب، لأن حقيقة ان تحريم القتل لم يتعارض مع الحرب رغم كونية. بل ان الحرب ستكون مستحيلة وغير معقولة في غياب هذا التحريم. ويمكننا أن نقول ان المحرم هو العتبة التي لا يكون القتل ممكنا الا بتخطيها، اي ان الحرب تتحدد بتخطي هذه العتبة جماعيا . ص ٧٢.
والمحرم الذي يدل سلبيا على الشيء المقدس ليس له القدرة على إعطائنا على صعيد الدين إحساسا بالخوف والارتجاف ، إذ يتحول هذا الشعور في الحد الأقصى إلى إخلاص ، أي إلى عبادة .ص٧٥.
ويصل باطاي إلى نظرية التجربة الانسانية التي تحصل لنا في الإيروسية ، فلا يكون شعورنا بالفيض في الإيروسية مرتبطا بالوعي بالإنجاب ، بل إنه من حيث المبدأ ، بقدر ما تكون المناعة الإيروسية تامة، بقدر ما يكون انشغالنا بالأبناء الذين يمكن إنجابهم أقل.ص١١٤. فكل كائن في الاتصال الجنسي يساهم في النفي الذي يمارسه الآخر على نفسه، … واللقاء يقع بين كائنين يقذف بهما الفيض الجنسي خارج الذات ، …فليس هناك على وجه الدقة اتحاد ، إذ يتعلق الأمر بفردين وقعا فريسة للعنف، وتجمعهما ردود الأفعال المنتظمة للارتباط الجنسي ، وهما يشتركان في وضعية متأزمة يكون كل منهما خارج ذاته . ص١١٤.
والقلق الأساسي المرتبط باللا -نظام الجنسي هو علامة على الموت،ص ١١٦.
نحن نتحدث عن الإيروسية في كل مرة يتصرف فيها إنسان ما بطريقة تثير تعارضا حادا مع السلوكيات والأحكام المعتادة. ص ١٢١ .
لقد كانت الوليمة زخما دينيا ، يتلاشى هنا لا-نظام الكينونة ولا يعارض بأي وجه تلك الوفرة الجنونية للحياة . إنه لا-نظام الصياح ، لا -نظام الحركات العنيفة كالرقص، وهو أيضا لا-‘نظام الاحتضان ، وهو في النهاية لا-نظام المشاعر التي يثيرها تشنج لا يعرف حدودا.ص١٢٧.
لا يتوارى الكائن المحبوب في إيروسية المشاعر أبدا، …وما يفتحه الوعي الواضح بهذه الفرص المتنوعة ، التي تتنزل في مسار التطول الطويل الذي يمتد إلى حد القدرة على التدنيس ، إنما هو خاصة وحدة اللحظات الصوفية التي تفتح الكائنات المنفصلة على الشعور باتصال الكينونة، ثمة نقاء’صوفي قابل للإدراك بالانطلاق من ذلك ، ويكون مرتبطا بمعرفة حدود الكينونة.ص ١٤٤
وفي الاتصال في الوليمة يقوم كل مشارك بنفي فردية الآخر ، غير أنه لا يمكن لذلك الاختلاف بين الكائنات المرتبط من جهة أخرى بالجاذبية الجنسية ، أن يمحى. ١٤٥ (وأسأل هنا: ألا تكون الحياة الجنسية هي خشبة خلاص الكائن من تكرار الوجود المستمر وتكون بذلك هي اللاستمرار الضروري ، المخبأ في ثنايا الكون ، وأذا صح هذا الأمر ، ما الذي يليه فيما لو تحرر كليا من عقبة الوعي المادي للحياة اليومية؟)ويصل باطاي ليقول: إننا أمام موضوع يدل على نفي حدود كل موضوع ، أي أمام موضوع إيروسي ، ص ١٤٦.
ثمة دائما حد تتوافق معه الكينونة وتتماهى به، فالحد لا يعطى إلا لكي يتم تخطيه ، والخوف لا يشير إلى القرار الحقيقي ، إنه يحفز على اختراق الحدود . ص١٦٣.
وأختم بما حللته ( سيمون دو بوفوار) عن ( ساد) في تحليل دقيق: إنّ ما ينفرد به ساد، إنما هو توتر إرادة تسعى إلى تحقيق ماهية اللحم ، دون التلاشي فيه . وإذا كنا نعني باللحم تلك الصورة المشحونة بقيمة إيروسية ، فإن ذلك صحيح تماما . . ومن البديهي ان ساد لم يكرس إرادته من أجل هذه الغاية ، فالإيروسية تختلف عن الحياة الجنسية للحيوان باعتبار أن الصور التي يستطيع الإنسان الهائج إدراكها تمثل صورا منفلتة من القيود . الإيروسية بوضوح وتميز هي النشاط الجنسي لكائن واع.

حكمت حسن البنية /شاعرة و ناقدة

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى