أدب وفن

تجوال و إضاءات عمر سعيد في رواية “نساء في الجحيم ” لعائشة بنور

نساء في الجحيم
عائشة بنور

المرأة هي الأرض هي الوطن في رواية نساء في الجحيم لعائشة بنور الصادرة عن منشورات الحضارة 2016 بطبعتها الأولى.

والجحيم في رواية عائشة بنور هو ذلك الفضاء النفسي والروحي الذي ولده احتراق الجغرافيا داخل المرأة في الوطن العربي.
تلك الصابرة على التاريخ وتراكماته القاسية بهزائم أهل الأرض هنا.
هزائم جعلت المرأة العربية تضطر إلى مواجهات رباعية مع مجتمع خانق، وغاصب محتل، وحب موجع، وموت لا يكف عن قلبها.

يرحل الوطن، لتظل إقامته فيها بكل دلالات الحالة والأغنية والموسيقا والشعر والذاكرة.

ويرحل الغاصب مخلفاً وراءه وطناً يزدحم بقبور لا تتوقف عن تبخير السماء ببخور من سكنوها جثثاً كاملة أو بعض جثث.

ويرحل الأحبة، تاركين وراءهم قلوباً لا يمكن لكل التجوال في الدنيا أن يزيل بقايا من أقاموا فيها.
فتظل المرأة على مداخل الوجع تكشف عن هوية الواقع الوحشي من دمشق إلى بيروت ففلسطين فالجزائر فغرناطة.

المرأة في نساء في الجحيم أمكنة في جسد وقلب أنثى.
أمكنة تتوجع، ولا تكتفي.
تدمع ولا تصدر بكاء، لكنها تغني الحزن.

نساء خرجن من عباءة جميلة بوحيرد ومريم بوعتورة ودلال المغربي، يبحثن عن الحب والعاشق في سوح مواجهات لا تنتهي.
فما قيمة جسد لا تسكنه الرغاب أكثر مما يسكنه الدم المشتعل غضباً واختناقاً؟!

بين الوطن المقيم في أغاني فيروز، وفي قصائد محمود درويش ولوركا، وعيون عربيات حاولن، أقامت عائشة بنور روايتها نساء في الجحيم ببعثها غسان كنفاني عاشقاً يكلفه عشقه الحياة وغادة وفلسطين، في رحلة امتدت من جرعة الدواء إلى دوي الانفجار.

لم تستطع عائشة إغلاق الجغرافيا في روايتها، لأن حبل الغسيل الممتد من العراق إلى موريتانيا، يحمل الملابس نفسها، تلك المخضبة بحمرة الوطن الواحد.

ولأن القصيدة تحمل حرارة الحرف نفسه بغض النظر عن الأبجدية الأم، كان لا بد أن يلتقي درويش وغسان كنفاني ولوركا من خلال الصوت العميق للوجع الإنساني في عائشة بنور.

لذلك بقيت الجغرافيا متحركة لا تعرف الاستقرار في روايتها، من مدينة خلف القارىء إلى مدينة أمامه وأخرى تحت طائرته، ورابعة فوق جثث أهله، مدن ظلت تشتعل بالثورة والإنسان المتهاوي على مذبح البحث عن وطن.

ومن قميص يوسف إلى قميصي زكريا وياسر ابني اليعقوبي السجينين في زنازين الاحتلال، لا زال الجب يزداد عمقاً، ولا زال أخوة يوسف يكيدون له، الأمر الذي جعل الإنسان في وطني يخشى الرؤيا، لا أن يقصص بها فقط.

ولأن الزمن العربي لم يبدأ بعد.
وظل زمناً تخطفته التجارب والمحن، وعلى بندول ساعاته غاب الكثير من الأصوات التي ولدتها القضية المتجددة في أكثر من مدينة عربية، من بغداد إلى دمشق فصنعاء فبيروت فطرابلس وكل مدن فلسطين، تلك القضية التي تكاد لا تبقى لها إلا امرأة كاتبة كعائشة بنور.

فهل سيكفي نص رواية نساء في الجحيم إلى إحياء مواسم القلم الذي افتقدناه بافتقاد غسان ؟!


عمر سعيد / روائي لبناني.


مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى