أدب وفن

د. جوزيف ياغي الجميل: ديوان”خربشة ع وراق العمر” ليس من خربشات الطفولة. إنه سجلٌّ حافل بالتراث اللبناني الخالد الذي لا يموت.



قراءة د. جوزيف ياغي الجميل في ديوان” خربشة ع وراق العمر” للشاعرة رنده رفعت شرارة

من وراء بحار الشوق ألق يزور الوطن، ولا ينساه.
عبق يسير على المياه، حاملا أشواقه وأساه.
من وراء البحار وصلتني رسالتك المعطرة بلهو الأطفال وخربشة الجنون.
فرحت لأن قراءتي الأولى أفرحت قلبك المعتّق بحنان الأطفال. والوطن طفلنا الغالي نشتاقه في الحضور وفي الغياب. نشتاقه لأنه هرب بأحلامنا وأمانينا إلى عالم بعيد لا يشبهنا.
صديقتي رنده، لست وحدك الفرحة بشعرك “الخربشة”، وطفلك الديوان، ففي أعماق القصائد رعشة استقبال الشمس، في الصباح، تحمل إلينا على أجنحة الرياح المحبة التي لا تعرف عمقها الا ساعة اللقاء.
سلمت أناملك وأنت “تخربشين” على صفحات ضمائرنا جزءا حرمناه في هذا العمر: وطن نجوم إيليا أبي ماضي، ولبنان جبران، يوم كنا “والقمر جيران”. فقد دمّر الحاكمون سعيدا بيت القمر والتلال، سلبوا منا العمر والغلال، فلم يبقَ لنا إلا واحة الضجر، واستلاب الغجر، في رمال الصحراء.
تقولين في قصيدة بعنوان صار الحكي ديوان :
صار الوطن قلبي
وبقلبي وطن، لا بينتسى
ولا يوم رح بيزيح(ص 9)
أي كلام هو، بل أي فعل أن يتساوى القلب والوطن، ويندمج الاثنان في حلولية حلّاجية بامتياز. هو الوطن البعيد القريب، تركته الشاعرة بجسمها، ولكنّ عقلها، وقلبها، لا يبرحان فيه، أبجدية حياة واشتياق.
وشوق الشاعرة إلى الوطن يتجلّى في محاور ثلاثة: العائلة والحب والشعر. وهي محاور متكاملة في قضية الوطن، عائلة الشاعرة التي يسودها الحب والشعر وعالم من الذكريات.

الشاعرة رندة رفعت شرارة خلال حفل توقيع ديوانها “خربشة ع وراق العمر” في مركز باسل الأسد -صور


وطن الشاعرة شرارة هو الأم ، عطر الحبق(ص 13). والأم هي الضيعة، بنت جبيل، “جنة الرحمن”. وانسلاخ الشاعرة من جنتها شبيه بطرد حواء وآدم من الجنان. ولا تملك الشاعرة إلا الصلاة والانتظار، كي تنتهي اللعنة، وتعود إلى الديار.
وطنها هو الأب الذي تشتاق إليه، شوقها إلى الوطن الذي ابتعدت عنه بالجسم، ولكنّ روحها باقية فيه إلى الأبد. تقول الشاعرة:
وصورتك بالبال رح تبقى
نور الهداية والعطف والحب(ص 15)
غربة الشاعرة غربتان، أو حرمانان:حرمان من الأب بسبب رحيله المفجع، وحرمانها من الوطن، ما جعلها رهينة غربتين قاسيتين،بل يتمين. ولا شيء ينقذها من هاتين الغربتين إلا الشعر الذي ينقلها إلى عالمين متكاملين: عالم الطفولة، بما فيه من براءة، قبل الطرد من الجنان، “تخربش” فيه على “وراق العمر” قصائد الحب والحنين. وعالم الحلم بغد أفضل، لا خوف فيه، ولا غربة، أو بُعاد. تقول الشاعرة:
رح حط راسي ونام،
وسافر مع الأحلام
قوموا ع بنت جبيل
لاقونا( ص 29)
ديوان”خربشة ع وراق العمر” ليس من خربشات الطفولة. إنه سجلٌّ حافل بالتراث اللبناني الخالد الذي لا يموت. هو ذاكرة طفلة لا تريد أن تسرق الغربة ذكرياتها الحلوة، وطنها الجريح. فتحاول أن توقف الزمن، أن تجعل الزمن يغفو، كي تتلذذ بأيام السعادة التي تخاف عليها من الاندثار. ديوانها هذا بسمة أمل، تعيدها إلى “بلاد الأمنيات”

(ص 46)
رنده رفعت شرارة، أيتها الطفلة النائمة على أهداب الغربة، “خربشاتك” ليست لهوا طفوليا. إنها السحر بحد ذاته أعادك -ونحن معك-في المكان والزمان إلى وطن رائع، بات يفتقد الحب والأمان.
شعرك تعويذة سحرية نقلتنا وإياك إلى لبنان يونس الابن، إلى “قطعة سما على الأرض”. فمتى يتحقق السحر، وتعودين حقيقة إلى سمائك الجديدة، وأرضنا الجديدة، في لبناننا الخالد؟
د. جوزاف ياغي الجميل
——————-

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى