منتديات

شخصيَّة الشَّهر/ الأستاذ رفعت صدقي النِّمر/ إعداد الدكتور وجيه فانوس

شخصيَّة الشَّهر
الأستاذ رفعت صدقي النِّمر
إعداد الدكتور وجيه فانوس

هو واحد من كبار أصدقاء المركز الثَّقافي الإسلامي؛ وعلم من أعلام العمل المصرفيِّ العربيِّ، ورائد من روَّاد النِّضال الفلسطيني العظماء.

وُلد “رِفْعَت صِدقي النِّمر” في مدينة “نابلس”، في فلسطين، سنة 1918؛ وهو الخامس لوالديه. تخرَّج والده، “صدقي النِّمر”، في المدارس التُّركيَّة، وعَمِلَ في سلك الحكومة، موظَّفاً في دائرة الماليَّة. توفي الوالد، بعد سنة من حدوث الزِّلزال الكبير الذي ضرب مدينة “نابلس”، سنة 1927، والذي أودي بحياة كثيرين، من بينهم، ابنه “رُشدي النِّمر”.

أنهى الفتي، رفعت النِّمر، دراسته الابتدائيَّة، ما بين سنة 1925 وسنة 1932، في مدرستي “الهاشميَّة” و”الصَّلاحيَّة” الرَّسميتين، في فلسطين؛ ثمَّ كان له يلتحق لبدء دراسته الثَّانويَّة بمدرسة “النَّجاح”، في فلسطين.

بادر رفعت النمر وثلَّة من أقرانه، قُبيل بدء “الثَّورة العربيَّة الكبرى” في فلسطين، سنة 1936، إلى عقد اجتماعٍ لهم في مدرسة “المنشيَّة”، في مدينة يافا؛ أعلنوا فيه تأليف مجلس للطَّلبة؛ لعله كان، في حينه، الأوَّل من نوعه في فلسطين؛ وقد جرى اختيار الطَّالب “رِفعَت النِّمر”، رئيساً لهذا المجلس. عقد المجلس أوَّل اجتماعاته في مدينة “نابلس”، في ضيافة الأستاذ “قدري طوقان”؛ وكان لهؤلاء الطلبة، ومنهم رِفعت النِّمر، فاعليَّات ملحوظة في نشاطات هذه “الثَّورة العربيَّة الكبرى” في فلسطين.

اعتقل المناضل “رفعت النِّمر”، سنة 1936، بسبب نشاطه الطَّالبي النِّضاليِّ، ومشاركته في “الثَّورة”، إلى جانب خاله (أبو كمال)؛ وكان أن أدخل “رفعت” معتقل “الصَّرفند”، حيث التقى، ووفاقاً لما يرويه رِفعت النِّمر، بأستاذه “أكرم زعيتر” مع كوكبة من المناضلين منهم: “عزَّة دروزة” و”عبد الحميد شومان” و”راشد أبو غزالة” و”جمال القاسم” والشيخ “صبري عابدين”؛ ولم يكن المناضل الشَّاب “رفعت”، يعرف في ذلك الحين أنَّ لقاءه هذا بالحاج “عبد الحميد شومان”، سيكون من العوامل الأساس التي ستغيِّر مجرى حياته لاحقاً، وتدفعه إلى العمل في المجال المصرفي بعد تخرجه من الجامعة.

أمضى “رفعت النِّمر”، في معتقل “الصَّرفند”، ثلاثة أشهر؛ انقطع خلالها عن الدراسة، الأمر الذي اضطره، لاحقاً، إلى الالتحاق بمدرسة سوق الغرب، في لبنان، لإتمام ما تبقى من الدراسة في منهاج تعليمه الثَّانوي.

أسس رفعت النمر، إبَّان تحصيله الجامعيِّ في “جامعة فؤاد الأوَّل”، في القاهرة، رابطة للطَّلبة العرب، كان رئيسها الفخري الأستاذ “عبد الوهاب عزّام”، شقيق الدكتور “عبد الرحمن عزَّام”، أوَّل أمينٍ عامٍّ لجامعة الدُّول العربيَّة. ويذكر “رفعت النِّمر”، من هذه المرحلة، أنَّ الدكتورة “عائشة عبد الرَّحمن”، المعروفة في المجال الأدبي باسم “بنت الشَّاطئ”، وزوجها الأستاذ “أمين الخولي”، كانا يتعاطفان مع “الرَّابطة”، ويدعمان نشاطها؛ كما يذكر أنَّ من أقرانه من الطلاَّب العرب في الجامعة، في ذلك العهد، كان الدكتور “شكري فيصل”، وقد صار لاحقاً من كبار أساتذة الأدب العربيِّ في “جامعة دمشق”، والأستاذ “بهيج عثمان”، وقد صار لاحقاً من مؤسِّسي واحدة من أهم دور النَّشر العربيَّة، “دار العلم للملايين”، والدكتور “حسن صعب”، وقد عرف لاحقاً بالمفكِّر الإنمائيِّ، كما شغل منصب عميد “كليَّة الإعلام” في “الجامعة اللُّبنانيَّة”.
تخرّج “رفعت النِّمر”، من “جامعة فؤاد الأوَّل”، سنة 1942، وعاد إلى “نابلس”، سنة 1943، حيث بدأ رحلة البحث عن عمل؛ وكان رُفضت جميع طلبات العمل التي قدَّمها إلى دوائر الحكومة؛ ولم يكن يتوقَّع أن يأتي الفرج عبر معارفه الذين التقاهم إبَّان اعتقاله في “الصَّرفند”؛ إذ دعاه أحد أصدقائه إلى تناول الغداء إلى مائدة رفيقه في المعتقل الحاج “عبد الحميد شومان”، والذي كان قد أسس “البنك العربي” في ذلك الحين.

فوجئ الحاج “عبد الحميد شومان” برؤية الفتي الذي كان رفيق المعتقل، وسأله بلهجته القروية المحببة: “مش إنتْ اللّي كنت في المعتكل (المعتقل) معنا؟” فأجابه “رفعت النَّمر: “نعم”. فسأله “شومان”، “أين تعمل الآن؟”، فردَّ “رفعت”،”لم أجد عملاً بعد”؛ ولمّا عرف عبد الحميد شومان ذلك، عرض على الخريج الجامعي الشَّاب، “رِفعت النِّمر” العمل متمرناً في فرع “البنك العربي” في “القدس”، إلى حين تعيينه مساعداً لمدير فرع البنك في “بغداد”؛ ومن بغداد بدأت رحلة “رِفعت النِّمر” الكبرى في عالم المصارف، والتي استحق بها، وعن جدارة، لقب “شيخ المصرفيين العرب”، الذي أطلقته عليه “مجلة المصارف العربيَّة”.

لم ينصرف “رفعت النِّمر” إلى العمل المصرفي الصرف على حساب العمل الوطني القومي، بل إنه غلّب في معظم مراحل حياته المهنية، من “بغداد” إلى “عمَّان” إلى “الرِّياض” إلى “بيروت”، الالتزام الوطني القومي على مكاسب الوظيفة وإغراءاتها.

انضم “رفعت صدقي النِّمر” إلى “حركة القوميين العرب”، في سنة 1947، في المرحلة التي انتقل فيها من “بغداد”، للعمل مساعداً لمدير “البنك العربي” في “عمَّان”؛ وكان أن لوحق أعضاء حركة القوميين العرب في الأردن سنة 1957؛ غير أن “رفعت النِّمر” تمكن من مغادرة البلد إلى المملكة العربية السعودية بمساعدة صديق من دون أن تتمكن السلطات من اعتقاله. ومن محاسن الصدف أنه كان تلقى عرضاً من السيدين علي شعث (والد الدكتور نبيل شعث) ورشاد الدباغ للعمل هناك مساعداً لمدير بنك الرياض.

ترك “رِفعت النِّمر” العمل في “الرِّياض”، بعد سنتين، إثر تلقيه عرضاً للعمل مديراً لبنك القاهرة في المملكة العربية السعودية، حيث شغل هذا المنصب ثلاثة أعوام؛ ثم ما لبث أن تلقى عرضاً آخر للعمل مديراً لفروع “البنك الأهلي السعودي” في سورية ولبنان.

عاد “رفعت النِّمر” إلى بيروت، وتمكَّن بدعم من أصدقاء مساهمين في “الكويت”، تمكن من تملك أسهم “بنك بيروت للتجارة” سنة 1972، وذلك بعد تجربة غير موفقة لتأسيس “بنك الاتحاد العربي” سنة 1964. لمع نجم “رفعت النِّمر” مصرفيَّاً بارعاً اتَّصف بالصِّدق والشَّفافية، الأمر الذي أكسب البنك سمعة طيِّبة وضعته في المرتبة الثَّالثة عشرة بين البنوك في لبنان.

بقي الأستاذ “رفعت النِّمر”، يعمل رئيساً ناشطاً في “بنك بيروت للتجارة”، بانتظام خلال الغزو الإسرائيلي للبنان سنة 1982، ويؤمِّن السُّيولة المطلوبة للمودعين؛ وظلَّ صامداً على رأس عمله في بيروت ولم يغادر على الرغم من مداهمة الجيش الإسرائيلي للبنك بحثاً عنه، وهو ما اضطره للاختفاء في منازل بعض الأصدقاء، ومنها منزل في منطقة الحمراء قبالة مقهى “المودكا” حيث شهد من هناك بأم عينه عملية مقهى “الويمبي” الشَّهيرة ضدَّ الإسرائيليين التي كانت من خلالها انطلاقة المقاومة اللبنانية ضد الاحتلال الإسرائيلي.

ترك “رفعت النِّمر” العمل المصرفي، بعد سنتين من تجربة الدَّمج بين “بنك بيروت للتِّجارة” و”بنك بيبلوس”؛ ليتولاه، من بعده، ابنه الأستاذ “رامي النِّمر”.

شارك “رفعت صدقي النِّمر”، منذ البداية في الجهود التَّحضيريَّة لإنشاء الكيان الفلسطيني وتأسيس “منظَّمة التَّحرير الفلسطينيَّة”، وتعاون تعاوناً كاملاً مع الأستاذ “أحمد الشُّقيري” في هذا الخصوص. أما على المستوى السياسي فكان “رفعت النِّمر”، قد رفض، منذ البداية، قرار “قمة الرَّباط”، الدِّاعي إلى اعتبار “منظَّمة التَّحرير الفلسطينيَّة” الممثِّل الشَّرعيِّ الوحيد للشَّعب الفلسطيني، لأنه كان يرى فيه تخلِّياً عربيَّاً رسميَّاً عن الالتزام القوميِّ بقضية فلسطين؛ عارض البرنامج السياسي المرحلي، “برنامج النقاط العشر” المقرّ في الدورة 12 للمجلس سنة 1974؛ وظلَّ حتى آخر رمق في حياته مؤمناً بتحرير فلسطين من البحر إلى النهر، رافضاً أيَّة تسويات تنتقص من هدف التحرير؛ وقد تجلَّت، على هذا الفهم، معارضته الشَّديدة لاتِّفاق أوسلو سنة 1993، التي كان يعبر عنها في كل المنابر بشكل حاد وغير مهادن، لم يكن يروق لكثيرين أحياناً.

تفرغ “رِفعت النِّمر” كليَّاً، خلال السَّنوات الأخيرة من حياته، للقراءة والكتابة والنَّشاط الوطنيِّ والعمل الإنسانيِّ؛ وقد أصدر ثلاثة كتب له، منهم كتابين صدرا سنة 2000 عن الدار العربية للعلوم/بيروت هما:
• في المصارف والاقتصاد(1): مقالات ومقابلات.
• في المصارف والاقتصاد (2): كلمات ورسائل ومراجعات.
وكتاب ثالث، صدر سنة 2002 عن دار العلم للملايين، بعنوان:
• صفحات من حياتي: في السِّياسة والثَّقافة وبين النَّاس.

المصادر:
• أرشيف المركز الثقافي الإسلامي،
• كتاب “رفعت النِّمر الصفحات الأخيرة، الدار العربية للعلوم ناشرون، بيروت، 2008.

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى