في الذّكرىَ المائوية”لمعركة أنوال المجيدة” 1921- 2021- الحلقة – الحادية عشرة – من – رواية”تحت ظِلال أشجَار التّين والزّيتُون
في الذّكرىَ المائوية”لمعركة أنوال المجيدة” 1921- 2021- الحلقة – الحادية عشرة – من – رواية”تحت ظِلال أشجَار التّين والزّيتُون”
( سيرة بطل مُجاهد شهيد معركة “أنوال” الماجدة)
بقلم : د.محمّد محمّد خطابي-11-
“..عاد (مُوح) فى خطواتٍ بطيئة إلى البيت ليغيّر ملابسَه ، فتبدّى له سرب الدجاج وهو يجُول ويصُول حول البيت ،ويندسّ بين مداخيل نباتات التّين الشوكيّ المتشابكة ، وشُجيرات الصبّارالسّميكة باحثاً عن الديدان الأرضيّة الصّغيرة التي يلتقطها بمناقيره الحادّة بسرعةٍ خاطفة من بين الحشائش المنثورة على الثرىَ،وبين العيدان اليابسة،والجذورالمتفرّعة والملتوية.
خرجت والدته من داخل حِصن البيت إلى الباحة قبالته وهي تحمل بيدها اليُسرىَ مِخلاةً كبيرة منسوجةً من جريد نخل (الدّوم) ومن سَعف أوراق شُجيرات ثمار الجُمّار (أكنيض) التي تكثر حول بيته وفى الطريق صعوداً إلى جبل ” دقيشّة” ، فما أن لمح سربُ الدجاج الذي كان متفرّقاً في كلّ مكان أمّ (مُوح) حتى تجمّع أمام مدخل البيت، وهرع مُسرعاً نحوها مُكوِّناً حلقة مُستديرة حولها، وكأنّ هذه المخلوقات الداجنة مُدرّبة على هذه العادة من قبل بشكلً جينيٍّ وتلقائيٍ متوارث .
بدأت الأمّ ترمي بيدها اليمنىَ حبوبَ الذرة، والشّعير، وفتات الخبز اليابس، ودقيق الدشيشة المُستخرج من حَبُّ البُرِّ الذي يُطْحَنُ طَحْناً غَلِيظاً (أكاشر) الذي كان يتطاير يميناً ويُسرةً في مختلف الإتّجاهات. كان سرب الدجاج يتلاحق ويتسابق في عصبيّةٍ وتوتّر إلى إلتقاط هذه الحبوب بمناقيره في سرعةٍ مُذهلة وكأنّه في مباراة استباقيّة فيما بينه ،وبعد ذلك رأى (مُوح) أمّه وهي تُخرج من نفس المخلاة التي كانت بيدها قطعاً صغيرة مُقطّعة من البصل ذي اللون الأحمر، وصارت تقذف بها إليه هنا وهنالك حتى ينال جميع الدجاج نصيبَه منها .
تذكّر في تلك اللحظة وهو ينظر مبتسماً إلى أمّه أنّها كانت قد قالت له ذات يومٍ من أيّام الله الخوالي أنّ البصل الأحمر على وجه الخُصُوص هو ترياقٌ واقٍ، ودواءٌ مفيد لتقوية مناعة الدجاج وسائر الدواجن وتحصينها من انتشار الأمراض المُعدية، وتفشّى الأوبئة الموسميّة الفتّاكة التي تصيب هذه الدواجن بين رَدَحٍ من الزّمن وآخر .
تقدّم (مُوح) الى داخل البيت ثمّ دلف إلى غرفته ،ارتدىَ جلباباً داكنَ اللّون، ووضع طاقية رماديّة من صوفٍ خشن على رأسه تقيه لفحة الشّمس التي غالباً ما تكون في أيّام الصّيف حارّةً حامية الوطيس ، ثم دخل إلى اسطبل حظيرة الدوابّ والماشية على يسار حِصن البيت، وبعد هنيهةٍ خرج منه وهو يجرّ الدابّة إلى الخارج ، بعد أن وضع لها شكيمتها ، وثبّت لجامَها ، ثمّ أسرجها، وقبل أن يمتطيها اتّجه نحو والدته التي كانت قد انتهت من إطعام الدجاج ودخلت الى باحة البيت، قبّل يديْها ورأسَها في خشوع ، وعندما كان يتأهّب للإنصراف قالت له أمُّه : لا تتأخّر يا ولدي فعليك أن تذهب اليوم لسوق السّبت الأسبوعي بقرية “امزورن” للتبضّع وشراء بعض المُستلزمات الضرورية للبيت التي أمليتها عليك أمس قبل أن تخلد للنوم ،وأعود لأوصيك من جديد عليك تجنّب الإختلاط أوالحديث مع أيِّ غريبٍ لا تعرفه ..
“(يتبع)